abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش .. ومـتون: القيظ، وجمرته الفائرة

05 أغسطس 2017
05 أغسطس 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

مثلما ضاق أمرؤ القيس ذرعا بالليل، حين تحدث عن طوله في معلقته، يصل بنا الضيق، أحيانا، بالصيف، كلما يجري الكلام عن ارتفاع درجات الحرارة، أن نصرخ به:

«ألا أيها (الصيف) الطويل ألا انجلي»!

لكنّ أشعّة الشمس الحارقة، لا تأخذ كلام الشعراء على محمل الجدّ، بل تمدّ لهم ألسنتها هازئة بـليل «الملك الضلّيل» الذي كان يقطع صحراء الجزيرة في عزّ الظهيرة على ظهر ناقة صبورة، لا تعرف من الصحراء غير الرمل، والرمضاء التي تعني شدّة الحرّ، أو «الحجارة التي حَمِيَت من شدَّةِ وَقْع الشمس!»

ولم تكن الحرارة الشديدة مفاجأة خبّأها لنا الصيف، فالأرصاد الجوية العالمية نبّهت، الشهر الماضي، أن الصيف سيكون شديدة الحرارة، بسبب « جمرة القيظ »، التي لا تنتهي إلّا بنهاية أغسطس الجاري!! وخلال هذه الفترة تصل درجات الحرارة إلى 50 في الظل و70 مئوية تحت أشعة الشمس!! ويقول الفلكيون إن هذه الظاهرة تعمل على تلوين ثمار التمر، وتظهر بواكيره، وبالمعلومة الأخيرة يتطابق كلام العلماء بمن يطيّب خواطرنا بتذكيرنا أنّ الحرارة الشديدة لا تخلو من فائدة، فنضج التمر يحتاج إليها، فهذه المرحلة تبلغ الحرارة ذروتها، وتسمّى جداد النخل، بعد صباغ اللون، وطباخ التمر، كما يقول العارفون.

وإذا كان السومريّون، الذين عاشوا قبل سبعة آلاف عام، يسمّون شهر أغسطس (شهر النار)، فما هي التسمية المناسبة التي يمكننا أن نطلقها عليه في يومنا هذا الذي شهد ارتفاعا متزايدا بدرجات الحرارة، ويؤكّد المختصّون في الأرصاد الجوّيّة أنّها ستتزايد في السنوات القادمة، حتى يصبح كوكبنا كتلة ناريّة سنصطلي في لهيبها، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، حين يقولون «إن ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية سيتعرضون إلى موجات حر قاتلة بحلول 2100م!»

هذا الارتفاع لم يحصل بين ليلة، وضحاها، فـ «معدل درجة حرارة الكرة الأرضية ارتفع بمعدل درجة مئوية واحدة منذ الثورة الصناعية عندما بدأ البشر بإطلاق غازات تسبب الاحتباس الحراري المنبعثة من حرق الوقود الأحفوري» كما جاء في خبر بثته وكالة الأنباء الفرنسية، وهذا يجيبنا عن تساؤل يشغل الناس: كيف كان أجدادنا يتحمّلون الحرارة الشديدة، من دون أجهزة التبريد، بدءا من المراوح، وليس انتهاء بالمكيفات ؟ وهنا لابدّ لنا أن نتخيّل حال أهلنا الذين يعانون من نقص بالطاقة الكهربائيّة، في مناطق من العراق، وسوريا، وبخاصة النازحين، كان الله في عونهم.

ولم تقف الدول مكتوفة الأيدي إزاء الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة، فسخونة الأحداث في عالمنا المضطرب كافية لجعل الإنسان يفقد صوابه، فكيف يكون حاله، مع ارتفاع كبير بدرجات الحرارة؟ لذا، اهتمّت مراكز البحوث، ووضعت دراسات حاولت من خلالها إيجاد حلول، ومعالجات للحدّ من هذا الارتفاع، ونظّمت الدول المؤتمرات، ومن بينها فرنسا التي عقدت مؤتمرا بباريس 2015، وبه اتّفقت معظم دول العالم على الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة بحيث لا يتجاوز درجتين مئويتين» إلا أن الخبراء يقولون إن ذلك ليس كافيًا، وإن موجات الحر والجفاف الشديد ستزداد سوءًا، وإن نصف سكان الكرة الأرضية على الأقل سيتعرضون لتلك الموجات»، كما جاء بخبر بثّته وكالة الأنباء الفرنسيّة، ومن الطبيعي أن نكون، نحن سكّان منطقة الخليج، من هذا النصف !!

ومع ذلك، صورة الصيف ليست بهذه القتامة، إذ يرى الدكتور طه حسين للصيف محاسن أخرى، كونه موسم الراحة، فمعظم الموظفين يستمتعون بإجازاتهم في الصيف، فيسافرون إلى المناطق الباردة مع أولادهم الذين يتمتّعون بإجازة صيفيّة، فيقول: «في الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، فتوشك أن تنام، وتسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس»، وربما لهذا ترى غادة السمان إن الصيف موسم مناسب للحب «في الصيف أحببتك، حين كانت النجوم تهبط إلى البحر لتستحمّ»

ويرى الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي أن في الصيف عودة لصبا الأرض بقوله:

عادَ للأرضِ معَ الصيفِ صِباها فهي كالخودِ التي تمَّتْ حلاها

صورٌ من خضرةٍ في نضره ما رآها أحد إلاّ اشتهاها،

ذهبُ الشمس على آفاقها وسواد اللّيل مسكٌ في ثراها

وبفضل التقدّم العلمي، والتكنولوجي، الذي أنتج لنا أجهزة التبريد، في البيوت، والسيّارات، ومحلّات التسوّق، والأماكن التي نرتادها انتصر العقل البشري على ارتفاع درجات الحرارة، وصرنا ننعم ببرودة تقف بالمرصاد لشهور الصيف، أو «النار» حسب تسمية أجدادنا السومريين لشهر أغسطس.