abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش.. ومتون: أغاني الناس

29 يوليو 2017
29 يوليو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

عندما أراد أحد القادة العسكريين أن يغزو مدينة كبيرة، سأل حكيما: بماذا تنصحني بعد أن أدخلها؟ أجابه «اذهب إلى مغنيها، فهو حاكمها الفعلي»، والسبب الذي يجعل هذا الحكيم يعطي المغني هذه المنزلة، لأنّ الأغاني تساهم في تشكيل الوجدان الجمعي، فقد احتلّ المغني، في عصرنا الحالي، دور الشاعر في عصرنا العربي الزاهر، عندما كان يمتلك سلطة التأثير، في الوعي الجمعي، فلا غرابة أن تمنح الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب لعام 2016 للمغني الأمريكي بوب ديلان، وهو القرار الذي أثار دهشة الأوساط الثقافيّة العالميّة!

وبعيدا عن الفوائد الطبية، للغناء، كما يؤكّد المشتغلون بعلم النفس، كونه يساعد في علاج عدد من الأمراض النفسية كالكآبة، ويساهم في تنشيط الدماغ، كما ترى أنديريا نورتون الطبيبة في المركز الطبي ببوسطن الأمريكية، ورغم أن البعض يستثني الأغاني الحزينة ويرى إنها تورث الكآبة، لكن للعالم الأمريكي ديفيد هورن رأي مختلف فالمشاعر الحزينة التي تنقلها هذه الأغاني من شأنها أن «تُحدث تغييّرا في كيميائية الدماغ» وهذه المشاعر تساعد على تخطّي الأحزان، أقول: بعيدا عن ذلك، تشحن الأغنية الوطنيّة، النفس بطاقة إيجابيّة، تجعلها أكثر قوّة في المواجهات الصعبة، ففي حصار بيروت، صيف 192م، لم يجد اللبناني مارسيل خليفة مخرجا من عزلته سوى احتضان آلة العود، وتصفّح قصائد محمود درويش، ثمّ بدأ يغنّيها، ليقاوم الدمار الذي تتعرّض له الحياة خارج البيت، ونجح في ذلك، وحين سُجن ناظم حكمت كان سلاحه الوحيد الذي يرهب به سجانيه هو الغناء داخل زنزانته، كما ذكر لبابلو نيرودا، ودوّن في مذكراته «أشهد إني عشت» بدءا من قصائده العاطفية، وليس انتهاء بمواويل الفلاحين، والأناشيد الوطنية الحماسية التي كلنا نعرف أهميتها، عازف الكيتار التشيلي فيكتور جيفارا فحين حوصر أنصار الرئيس التشيلي سلفادور الليندي عندما أنقلب عليه العساكر، سوى إطلاق عقيرته بالغناء في ملعب!! حتى قُتل مع من قُتل!

وقد احتل مطربون كأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ مكانة متميزة من اهتمام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، في مرحلة عصيبة مرّت بها الأمّة، وأثناء حرب 1967 خلال سنوات التصعيد القومي في الستينيات استعانت مصر بحنجرة المطربين، ومن أبرزهم عبد الحليم الذي أدى الكثير من الأغاني الوطنية من بينها «ابنك يقولك يا بطل»، و«اضرب. اضرب» و«عدى النهار» التي بدأت بمقطع به الكثير من الرمزية والخيال عكس الأغاني المباشرة، وتفاعل معها الجمهور العريض:

عدّى النهار..

والمغربية جاية

تتخفّى ورا ظهر الشجر..

وعشان نتوه في السكة..

شالِت من ليالينا القمر!

وبلدنا ع الترعة.. بتغسل شعرها

جانا نهار مقدرش يدفع مهرها..

يا هل ترى الليل الحزين

أبو النجوم الدبلانين

أبو الغناوي المجروحين

يقدر ينسّيها

الصباح..

أبو شمس بترش الحنين؟

ومن هنا أرى من الضروري جمع الأغاني الوطنية التي أدّتها حناجر المطربين العمانيين طوال سنوات النهضة، خاصة التي كتبها عدد من الشعراء العمانيين كعبدالله الطائي، وعبدالله بن صخر العامري، وسعيد الصقلاوي، وذياب العامري مع التركيز على الأناشيد، والأغاني ذات القيمة الفنية، والتاريخيّة، وكذلك التي أدتها حناجر عربية كمحمد عبد الوهاب، ونجاة الصغيرة، ونجاح سلام وفهد بلان وسميرة توفيق، كونها حملت بصمة هؤلاء الكبار بأصواتهم، وكما أخبرني معالي د.عبدالله الحراصي، رئيس الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون، أنّ هناك إعادة بث لبعض تلك الأغاني، وقد أكّد هذا المسعى تقرير بثّه التلفزيون العماني في نشرات الأخبار حمل عنوان «الأغنية الوطنية شاهد على المنجز الوطني»، فالأغاني تبقى سجلّا للحظات فريدة، واستثنائيّة في حياة الأفراد، والشعوب، يقول الشاعر سعدي يوسف:

كل الأغاني انتهت إلا أغاني الناس

والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس

عمدا نسيت الذي بيني وبين الناس

منهم أنا مثلهم والصوت منهم عاد

فالذي يبقى راسخا في الذاكرة هو الأغاني التي يرددها الناس، ومن هنا تتأتّى أهمية الالتفات إليها.