أفكار وآراء

الاتفاق الأوروبي الياباني - حدث سعيد في مسار طويل

28 يوليو 2017
28 يوليو 2017

إيرينا إنجيليسكو -

ترجمة قاسم مكي -

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -

قبل أيام ، أعلن كل الاتحاد الأوروبي واليابان عن «اتفاق مبدئي» بعد أربعة أعوام من محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين العملاقين الاقتصاديين. ولكن رد الفعل على الخبر لم يكن يليق باتفاق تجاري ضخم يغطي 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و40% من التجارة الدولية، أحد أسباب ذلك أن أخبار واشنطن تهيمن على عناوين الأخبار، ولكن أساسا لوجود مسار طويل ينبغي قطعه أولا (قبل بلوغ اتفاقية الشراكة) فطرفا الاتفاق يستعدَّان لمجموعة من المفاوضات الصعبة لإكمال هذه الاتفاقية، ويعني الاتفاق المبدئي أن احتمال الفشل في التوصل إلى صفقة نهائية ضعيف طالما ظلت المحادثات تحظى بنفس المستوى من الأولوية السياسية التي جعلت الإعلان عن هذا الاتفاق ممكنا. وفي حال تحققها، ستعني هذه الصفقة تحولا تاريخيا في نوعية العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الشريكين وستترتب عنها نتائج بعيدة الأثر للأطراف الأخرى أيضا، فالاتفاقية التجارية الثنائية المقترحة ستكون الصفقة الأكبر التي يوقعها أي من الجانبين على الإطلاق، إذ ستغطي حوالي ربع اقتصاد العالم وستنافس من ناحية حجمها اتفاقية النافتا.

لقد استغرق إعداد هذا الاتفاق أربعة أعوام، وهو ما يسميه الاقتصاديون «الاتفاق التجاري الفائق الضخامة» لأنه بجانب مكونه التجاري يضم بنودا تتعلق بحماية المستهلك وحقوق الملكية الفكرية وحماية البيانات والجريمة الإلكترونية والمزيد من البنود الأخرى، وربما أن أكثر ما هو ملفت في الاتفاق احتواؤه على التزام محدد تجاه اتفاق باريس للتغير المناخي الذي ذكرت الولايات المتحدة أنها ستتخلى عنه في الشهر الماضي، لقد أطلق المعلقون على اتفاق الشراكة الاقتصادية لقب اتفاق «السيارات مقابل الجبن»، وهو وصف مضلل، ففي حين من الصحيح أن الجانبين سيخفضان كثيرا أو يزيلان الرسوم الجمركية الخاصة بالسلعتين المذكورتين (الآن 30% تقريبا للأجبان الأوروبية في اليابان و10% للسيارات اليابانية في أوروبا) إلا أن ميزاته أوسع نطاقا من ذلك. فالاتفاق سيعزز الصناعات الجلدية والدوائية وصناعة الملابس من بين أشياء أخرى، ويضمن دخول شركات الاتحاد الأوروبي لأسواق المشتريات الحكومية اليابانية الواسعة في 48 مدينة كبيرة مما سيعزز الصادرات الأوروبية بما يصل إلى 20 بليون يورو وفقا للتقديرات الأوروبية. إلى ذلك، يتفق الدبلوماسيون والخبراء على أن اتساع نطاق بنود الاتفاقية سيشكل نموذجا لاتفاقيات التجارة الحرة مع الأطراف الأخرى في المستقبل، وفي حين أن الآثار الاقتصادية للاتفاق قد تتحقق بعد عدة سنوات إلا أن منافعه الجيوسياسية بدأت تظهر سلفا، فالجانبان ألحقا باتفاقية الشراكة الاقتصادية اتفاقية شراكة إستراتيجية حول القيم والمبادئ المشتركة وأعلنا عن الاتفاقيتين في اليوم السابق لقمة مجموعة العشرين الأخيرة في هامبورج، وبذلك بعث الطرفان برسالة فحواها أنهما متحدان في مساندتهما للتجارة الحرة والعولمة، وهما بذلك يبتعدان عن الموقف الأمريكي الحالي. فرئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يقول: «لا توجد حماية في الحمائية» ويؤكد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية «ستشكل نموذجا للنظام الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين يرتكز علي قواعد حرة وعادلة» وفيما يخص الاتحاد الأوروبي سيثبت هذا الاتفاق قدرته على تحقيق نتائج ملموسة على الرغم من الأزمات العديدة التي يواجهها، وباصطفافه إلى جانب اقتصاد قائد ، وبلد مقارب في تفكيره، يؤكد الاتحاد لحلفائه ومنافسيه على السواء، إنه لا يزال قوة اقتصادية يحسب لها حساب ويستطيع عقد اتفاقيات كبيرة، والاتحاد مستعد أيضا لإضافة مُكَوِّن دفاعي لشراكته مع اليابان. فسفير الاتحاد ذكر في مناسبة بطوكيو مؤخرا، أن الطرفين يعكفان على إعداد إطار للمشاركة الطوعية لليابان في بعثات «سياسة الأمن والدفاع المشترك» وتأمل اليابان في أن ينتبه جيرانها لهذا الحدث، فقد قال رئيس الوزراء آبي في مؤتمر صحفي ببروكسل يوم 6 يوليو الجاري أن الاتفاق المبدئي «إنجاز يجب أن نفخر به، وهو أيضا يبعث برسالة قوية إلى العالم» ولا تزال المخاوف حول صعود الصين تقض مضاجع الساسة اليابانيين، خصوصا منذ أن أعانت مواقف الولايات المتحدة حول التجارة والتغير المناخي على تلطيف صورة بيجينج عالميا، وبالنظر إلى عادة بيونغ يانغ الجديدة في إطلاق الصواريخ على أساس شهري تقريبا، فقد كان البيان المشترك الذي أعقب القمة الأوروبية اليابانية يوم 6 يوليو إشارة مهمة تتسق مع هدف اليابان في زيادة الضغط الدولي على النظام المارق (في كوريا الشمالية)، لقد عبر مفاوضو الاتحاد الأوروبي واليابان عن نيتهم إكمال هذا الاتفاق بنهاية العام الحالي، وبالنظر إلى حساسية المسائل المتبقية فإن هذا الجدول الزمني متفائل جدا ويرتكز بشدة على استدامة الإرادة السياسية على أعلى المستويات، ثمة مسألة شائكة وهي استمرار الخلاف حول طبيعة الآلية التي سيستخدمها المستثمرون لحل النزاعات التي تنشأ عن الاتفاق، فالاتحاد الأوروبي يقترح إيجاد محكمة استثمار متعددة الأطراف لمعالجة هذه المسائل أشبه بنظام محكمة الاستثمار المنصوص عنها في الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة بين الاتحاد وكندا، هذا فيما تفضل اليابان بقاء نظام التحكيم المرتجل الحالي الذي ترى بروكسل أنه متساهل جدا مع الشركات، وفي الأثناء، بدأت تظهر معارضة داخلية في اليابان للاتفاق، فالمزارعون اليابانيون يخشون المنافسة من صناعات النبيذ والألبان الأوروبية، كما بدأ المسؤولون في دراسة كيفية تعزيز الدعم المالي لهذه الصناعات المحلية الصغيرة نسبيا بدون انتهاك الاتفاق، وأخيرا، يمكن لعملية المصادقة الطويلة والمعقدة للاتفاق في الاتحاد الأوروبي أن تعرض للخطر تطبيق الاتفاق، لكنها في الغالب ستتسبب فقط في تأخيره كما حدث مع الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، وبالنظر لكل هذه المتغيرات، يقدِّر المحللون أن أقرب تاريخ لتنفيذ هذه الاتفاقية سيكون أوائل 2019 ما قد يجعله متزامنا مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إن استكمال مثل هذه الاتفاقية المعقدة مبدئيا بين جانبين كليهما في موقف قوي إنجاز عظيم، ويستحق كل من سيسيليا مالمستروم، مفوضة التجارة الأوروبية، وفوميو كيشيدا، وزير الخارجية الياباني، صيحات الاستحسان حين قاما بتلوين دمية «داروما» التي ترمز إلي التركيز والمثابرة في الثقافة اليابانية، ومع ما يبدو من اتجاه الولايات المتحدة نحو المزيد والمزيد من فك ارتباطها بالنظام العالمي المرتكز على التجارة الحرة والتعددية، فقد وجد حلفاؤها على غير توقع منهم أنهم في موقف من يلزمه وضع المعايير العالمية الجديدة، وإذا نجحت اتفاقية الشراكة الأوروبية اليابانية فستفعل ذلك تماما، وستعزز المكانة الدولية للاتحاد الأوروبي واليابان وكذلك نفوذهما تجاه أمريكا ترامب، وصين شي، وروسيا بوتين. ولكن يجب أولا أن يكمل الجانبان هذه الاتفاقية.

• الكاتبة زميلة برنامج هيتاشي للشؤون الدولية بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في معهد اليابان للشؤون الدولية في طوكيو.