أفكار وآراء

العلاقات التركية - الألمانية .. إلى أين ؟

28 يوليو 2017
28 يوليو 2017

سمير عواد -

صادف يوم الخامس عشر من يوليو الجاري، مرور العام الأول على محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، والتي أدت في الوقت نفسه إلى زيادة توتر علاقات تركيا مع جيرانها الأوروبيين، وخاصة ألمانيا، التي تقيم فيها أكبر جالية تركية خارج الأراضي التركية ويبلغ عددهم أربعة ملايين نسمة، وكما كان متوقعا، فقد ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطابا لم يستثن العلاقات بين أنقره وبرلين، مما زادها توترا، بعد مواصلة الحرب الكلامية الدائرة بين تركيا وألمانيا، والتي أصبح متوقعا أن تنعكس سلبا على سير العلاقات الثنائية وخاصة الاقتصادية بين البلدين.

ويشك الكثير من المراقبين بأن ردود فعل ألمانيا على الصعيدين السياسي والإعلامي، التي توصف بالمتشددة في كثير من الأحيان، والمُبالغ بها، هي جزء من الحملة الانتخابية في ألمانيا، ففي تاريخ 24 سبتمبر القادم، سوف يتوجه الناخبون الألمان، إلى صناديق الاقتراع للاختيار بين تجديد أربع سنوات أخرى لميركل في منصب المستشارية، أو اختيار منافسها الاشتراكي مارتن شولتس.

ولم تنس ميركل وشولتس، أن نهج سياسة متشددة وعنيفة تجاه تركيا، قد يساعد في الفوز بالانتخابات، مثلما حصل في هولندا أخيرا، لذلك تتسابق ميركل ونائبها وزير الخارجية الألماني، زيجمار جابرييل، على المسارعة بالرد على الاتهامات التي يوجهها الرئيس التركي إلى ألمانيا، وتحميله إياها مسؤولية إيواء «الإرهابيين من أتباع ومؤيدي حزب العمال الكردي، وحركة جولن»، على حد قوله، ويستغل الرئيس التركي كل مناسبة تقريبا، ليذكر برلين أنه أرسل إليها قائمة بأربعة آلاف اسم من هؤلاء، يطالب بتسليمهم إلى السلطات التركية، كما يستغل الألمان، اعتزام أردوغان عودة العمل بعقوبة الإعدام. وبعدما كانت ميركل ونائبها ينتقدان عزمه عودة العمل بعقوبة الإعدام، أصبحا يشككان بأن لتركيا مستقبل في عضوية الاتحاد الأوروبي، إذا أقدمت على مثل هذه الخطوة، وإن كان غالبية الألمان، متأثرين بسمعة أردوغان، التي تروجها الصحف الألمانية، بما في ذلك حديثها عن دوره المسيطر وما يتصل بالحريات وعقوبة الإعدام، على حد زعمها، ومن ثم أصبحوا يرفضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، رغم أن أنقرة تنتظر دورها في الحصول على العضوية منذ عقد الستينيات من القرن الماضي، وعلى ذلك فإن الموقف السياسي الألماني، لا يؤيد عودة مفاوضات العضوية مع تركيا، على الأقل ليس قبل موعد الانتخابات المقبلة، حيث يتوقع المراقبون حصول هدوء، نسبة إلى حاجة كل طرف للآخر، فميركل تعتمد على أردوغان، في وقف تدفق اللاجئين عبر بلاده إلى الجزر اليونانية المجاورة، بينما تُعتبر ألمانيا أهم شريك تجاري لتركيا، وترد منها شهريا ملايين من اليورو التي يحولها الأتراك المقيمون في ألمانيا إلى عائلاتهم في تركيا.

ويرى مراقبون كثيرون أن العلاقات التي كانت متميزة وتاريخية بين البلدين تسير من سيئ إلى أسوأ، وذلك منذ محاولة الانقلاب الفاشل قبل عام، والتي وضع أردوغان مسؤوليتها على عاتق فتح الله جولن، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وله مؤيدون كثيرون في ألمانيا.

وبغض النظر عن هذا الحدث، فإن العلاقات بين برلين وأنقره لم يكن ينقصها أزمات جديدة، ففي الثاني من يونيو 2016، أدان البرلمان الألماني «البوندستاج» في قرار أصدره، ما اسماه جرائم القتل التي ارتكبها جنود أتراك في العهد العثماني عامي 1915/‏‏1916، بحق مواطنين أرمن، وكانت هذه خطوة استفزازية للحكومة التركية، وتبعها منع تركيا برلمانيين ألمان، من زيارة الجنود الألمان الموجودين في قاعدة «أنجرليك» العسكرية التركية، في إطار مشاركة برلين في الحرب ضد الإرهاب، مما جعل ألمانيا تمنع أعضاء في الحكومة التركية من المشاركة في مهرجانات في ألمانيا، لتأييد قرار أردوغان، تعديل النظام الرئاسي ليحصل على صلاحيات أكثر، وكانت صدمة لبرلين عندما أيد غالبية الأتراك الذين يقيمون في ألمانيا، هذا القرار، على الرغم من الحملة الإعلامية المركزة التي قامت بها وسائل الإعلام الألمانية لتُقنع الجالية التركية في ألمانيا، بمعارضة قرار الرئيس التركي.

وبالكاد لا يمر أسبوع واحد، دون ورود أخبار من تركيا حول اعتقالات جديدة في تركيا لمؤيدين لحركة «جولن»، وتسريحهم من وظائفهم في مؤسسات الدولة، وأصبح أردوغان شخصية لا تحظى بسمعة جيدة في ألمانيا، وعلى نحو أكثر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبرغم ذلك فإن تحالف برلين وأنقره في إطار حلف شمال الأطلسي، وعلاقاتهما التاريخية، يحتم عليهما الاستمرار في التعاون، وإن كانت الحرب الكلامية بينهما أخذت تتحول إلى قرارات انتقامية.

فقد أكد وزير الخارجية الألماني، أخيرا، أن العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه، وأعلن عن تشديد إجراءات السفر إلى تركيا، الأمر الذي كان محاولة من جانب الحكومة لإقناع السياح الألمان بالعدول عن قضاء الإجازة على الشواطئ التركية، وذلك بعد اعتقال السلطات التركية موظفين في الفرع التركي لمنظمة العفو الدولية ومعهم فني ألماني في الكمبيوتر، كما تستمر تركيا بتجاهل طلب برلين أن يتم الإفراج عن صحفي ألمانيا من أصول تركية، تتهمه أنقره بالتجسس لحساب حزب العمال الكردستاني.

ومن الأحداث التي صبت الزيت على النار، طلب أربعمائة جندي ودبلوماسي وقاضي وموظفين حكوميين أتراك، اللجوء إلى ألمانيا، وهذه سابقة من نوعها، الأمر الذي عزز شكوك أنقره بأن هؤلاء على صلة بحركة «جولن» وأنهم قاموا بدور بشكل مباشر أو غير مباشر في محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي، وهم يطلبون الآن حماية ألمانيا لهم خشية العقاب عند عودتهم إلى تركيا.

وفي الفترة الأخيرة اشتد حنق المسؤولين الألمان، بعد اتهام أردوغان الألمان، باستخدام معايير «نازية» في التعامل مع تركيا، عندما رفضت السلطات الألمانية السماح لأردوغان، أن يلقي كلمة أمام مؤيديه في ألمانيا، خلال مشاركته في قمة العشرين الأخيرة في مدينة هامبورج، وتحججت السلطات الألمانية بعدم قدرتها على حماية أردوغان، بالنظر إلى وجود أعداء كثيرون له، في نفس الوقت طالبت وسائل الإعلام الألمانية من ميركل أن ترد بحزم على استخدام أردوغان اتهاما المسؤولين الألمان باستخدام معايير «نازية».

وإضافة إلى تشديد سفر الألمان إلى تركيا كإجراء لوقف السياحة الألمانية إلى تركيا، قررت الحكومة الألمانية نقل جنودها من قاعدة «أنجرليك» التركية إلى قاعدة «الأزرق» في الأردن.

وبهذا القرار، توقفت مشاركة ألمانيا مؤقتا في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي جعل حلف شمال الأطلسي «ناتو»، يتدخل ويطلب من أنقره وبرلين، حل خلافهما بالسرعة الممكنة، لأنه أصبح يهدد الحرب ضد الإرهاب، غير أن العلاقات بين أنقرة وبرلين لن تتحسن قريبا على الأرجح لاعتبارات كثيرة ومعروفة على كلا الجانبين تمت الإشارة إلى بعضها.