1067355
1067355
إشراقات

رضى الوالدين .. غنيمة المسلم

27 يوليو 2017
27 يوليو 2017

1067348

السنة النبوية توجّه لتربية الأبناء على الفضيلة -

هلال بن حسن اللواتي -

كما أن الدين الإسلامي يدعو الوالدين إلى توجيه الأبناء إلى الفضيلة وإلى إرشادهم بشكل مباشر، فإنه قام أيضا بتوجيه الوالدين إلى ضرورة أن تكون حالة القدوة رسالة غير مباشرة في تربية الأبناء.

فإن التوجيه بالكلمات والإرشاد بالأمر والنهي مهم في عالم التربية، إلا أنه لا يشكل المحور الأهم في هذا العالم، إذا أن المحور الأهم فيه هو «التوجيه العملي»، وهو الذي يتحقق حينما يتحقق الأب والأم بعنصر القدوة الموجهة بالشكل غير المباشر.

ويتحقق هذا من خلال تصرفات الوالدين مع بعضهما البعض ومع الآخرين، فيتركان انطباعا مؤثرا في نفسية الأبناء، وهذه التربية أكثر تأثيرا على الأبناء من مجرد التوجيه اللفظي، فإن البعد العملي الذي يراه الطفل يكون بمثابة توجيه عدة رسائل إليه من قبيل: شرعية الفعل والعمل ومصداقيته، وإمكانية تحقيقه، والشعور بفتح طريق للأبناء للإقدام إليه.

فدعت الشرائع السماوية الإنسان إلى التحلي بالفضيلة، وإلى الابتعاد عن الرذيلة، فواحدة من أهم آثارهما هي أن يصبح ذلك السلوك وذلك الفعل إلى حالة من القدوة في نفسية الطفل، فإذا كان الفعل إيجابيا أي فضيلة فبها ونعمت، ولكن إذا كان سلبيا أي رذيلة فهنا تقع المشكلة السلوكية أو الفكرية الفردية، ويخشى بعد ذلك أن تتحول هذه الحالة إلى ظاهرة اجتماعية.

ولنضرب في هذا مثالا: فلو أن إنسانا أخطأ في حق فرد من أفراد المجتمع، وشاهد الابن هذا التصرف المشين الذي وقع على أبيه، فهنا ينظر الطفل إلى ردة فعل أبيه نظر المسجل والمصادق، حيث سيعتبره الطفل حجة سلوكية وفي الوقت نفسه يكون لديه في نفسه انطباعا مترسخا بحيث لو تعرض الطفل إلى فعل مشابه فإنه سوف يستدعي تلك المعلومة التي سجلها في يوم الأيام من أبيه ويطبقها.

فلو لم يتصرف الأب تجاه الخطأ الصادر من المقابل سوى بالتغاضي والتسامح والعفو، وسأله الطفل: أبت لم تصرفت هكذا، مع أنه قد أخطأ هذا في حقك، تصور ما سوف يزرعه الأب في أعماق نفس الطفل من أثر إذا سمع من أبيه وهو يجيبه بقوله: بني .. قال تعالى: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، وسمع أباه وهو يقول أن رسول الله -صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين- قال: «ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة، العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك»، فكيف يا ترى سيكون تأثير هذا على الطفل؟!!، لا شك سيكون تأثيره عظيما وكبيرا عليه، لأنه لم هذا عن تعليم لفظي شفهي، بل عن عن تعليم عملي، وكما هو معلوم أن مشاهدة الفعل أشد تأثيرا على النفس، وهو أشبه ما يكون بتعليم التفاعلي، وإليك الآن بعض أشكال التعامل الذي يحث عليه الدين الإسلامي أتباعه بل وجميع الناس بضرورة التحلي به في حال تربية الأبناء.

التقبيل: الأمور التي تكون ذات أثر إيجابي على نفس الطفل والابن هو تقبيله، فقد ورد في الأثر الشريف: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقبل الحسن والحسين فقال عيينه وفي رواية أخرى الأقرع بن حابس: إن لي عشرة ما قبلت واحدا منهم قط، فقال -عليه أفضل الصلاة والسلام-: (من لا يَرحم لا يُرحم).

التصابي للطفل: ومن الأمور أيضا التصابي له، فقد ورد عنه -صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين-: (من كان له صبي فليتصاب له، وجاء في سيرته -صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين- عن جابر: دخلت على النبي -صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين- والحسن والحسين -عليهما السلام- على ظهره وهو يجثو لهما يقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما).

العدل بين الأبناء: فإن العدل أساس الراحة، وما وجد العدل في موضع إلى زانه، ولا يخلو محل ولا موضع إلا وهو محتاج إلى التعامل العادل، فمنه التعامل مع الأبناء، إذ لابد من سيادة العدل بينهم، وقد ورد عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين- قوله: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم)، وورد أيضا: (إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لهم عليهم من الحق أن يبروك). فلا بد من إقامة العدالة بينهم، ويمكن تصوير هذا العدل في الهدايا، والنظرات، والتقبيل، والرحلات، والثبات والاستحقاق المالي، والعيديات، وكل مظهر من المظاهر الاجتماعية المعروفة.

تحسين الاسم: أن يختار له اسما مناسبا لائقا، وإذا ما اختار له اسما غير لائق فإنه يؤثر في نفسية الطفل لما يشعر ويدرك ذلك، ومنه سوف يقلل من احترام الوالدين.

عدم فتح المشكلات الزوجية أمام الطفل: فإن الأخطاء التي يرتكبها الكثيرون أنهم يناقشون أخطاءهم وانتقاداتهم أمام الأطفال، وهذا الأمر لا يمت من الحضارة بصلة، بل لربما يعد غير حضاري لأنه ظهور الخلاف بين الوالدين وبشكل حاد ينعكس وبشكل سلبي حاد على نفسياتهم، فيكبرون بنفسيات عير منتجة، بل ومريضة لا سمح الله.

التعليم: وأن يعلمه خير تعليم، وأن لا يتركه بلا هذا التعليم، وإلا فإنه يدفعه إلى ترك بره لا سمح الله، إذ سيدرك الطفل أن أباه قد أهمل في شأنه، فلم يعلمه شأن سائر الأطفال.

ختاما لنتدبر فيما جاء عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين- لما سئل عن حق الولد فقال: (تحسن اسمه وأدبه، وتضعه موضعا حسنا)، وورد أيضا: (رحم الله من أعان ولده على بره، وهو ان يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله).

تربية الطفل على عدم الجرأة على الوالدين: فإن التربية المتوازنة أمر جميل، ولكن البعض قد يترك الطفل إلى أن يتجرأ عليه، فيبرر له أنه طفل، أنه صغير، وهو يغفل أن هذا يفتح له أبواب الجرأة عليه في المستقبل، وقد كشف لنا هذا الجانب النفسي التربوي الإمام الحسن بن علي العسكري فقال: (جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره)، فالجرأة إذن عامل خطير يؤدي إلى عقوق الطفل في الكبر.

إذن .. إن على الوالدين الانتباه إلى ما يؤدي إلى استجلاب بر الولد، وألا يتعاملان مع الطفل وبالخصوص في زماننا هذا بالقسوة والعنف وبالأخص أمام الناس مهما بلغت قرابتهم، فإن هذا مدعاة إلى كسر شخصيته، وتضعيفها أمام الجميع، وهذا يؤدي إلى ضعف شخصيته، وعدم القدرة على مواكبة المجتمع والمحيط الذي حوله من الناس الأقارب أو الأباعد.