randa
randa
أعمدة

عطر :حراس الكراهية

26 يوليو 2017
26 يوليو 2017

رندة صادق -

نحن عادة نحرس ما هو غال وثمين، نحرس أرضنا ومالنا وأولادنا وأحلامنا نحرس أوطاننا وتراثنا،نحرس تاريخنا وحضارتنا.

“نحرسُ” فعل الإيجابية في حياتنا، فلا يمكن أن نحرس الموت أو الغضب أو الضلال أو أي صفة سلبية، ولكننا اليوم وللأسف إذا تأملنا مسار هذه البشرية وتطورها النفسي والوجودي نجد أنها تنتج نوعا جديدا من الحراسة وهي حراسة المفاهيم السلبية حيث يبذلون أموالهم وطاقتهم في سبيل بقائها وتفشيها وسيطرتها على العقل الجماعي للمجتمعات ومن أبشع ما يُروج له اليوم على هذا الكوكب العجيب هو”الكراهية”.

فابشروا يا سكان الأرض لقد أصبح للكراهية حراسها وأبطالها وعملاؤها ومروجوها ومريدوها، لم أكن أدرك أنها أصبحت مذهبا جديدا نما ليبسط سطوته على كل تفاصيل هذا الكون،الذي يصارع الطبيعة للبقاء ويتقاتل ليفوز بوجود أرقى وأفضل.

الكراهية شعور إنساني لا يمكننا تجاهل أنه من طبيعة البشر، خاصة أن الإنسان خليط من الخير والشر، لذا الحب هو صورة الخير والكراهية هي صورة الشر، ولكن يُعلمنا كل من الدين والأخلاق : أن الكراهية مرفوضة وانها تولد الحقد.

خطورة الكراهية لا تكمن في أنها حالة فردية ترتبط بشخص قد تكون نمت في داخله لأسباب تعود إلى ظلم ما وقع عليه،بل حين تصبح كراهية جماعية ترتبط

بجماعات أو دول أو أعراق أو ثقافات،هنا تصبح مدمرة تروج للعنصرية وتمهد للحروب النفسية وللحروب الدموية، ونحن نرصد ونتابع تعالي خطاب الكراهية في الإعلام وذلك في نشرات الأخبار التي نتابعها في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب أو في بعض تصريحات السياسيين والناشطين وفي وسائل التواصل الاجتماعي،والتي في معظمها تؤجج الكراهية خاصة أن معظم خلافاتنا الشخصية والوجودية تعود في دهاليزها السرية إلى رغبتنا في السيطرة وإلغاء الآخر.

شهد القرن الماضي تسويقا كبيرا لمفهوم حقوق الإنسان، باعتبارها خلاصة المجهود الإنساني في حماية البشرية وسيادة مفهوم العدالة الإنسانية التي نبذت العنصرية ورفعت شعارات المساواة بين مختلف أبناء الأرض، وفق قواعد أولها محاربة التمييز العنصري والفروقات بين البشر وان كان القرن الماضي قرن الترويج للعدالة في الوجود وضمان حرية الإنسان، فإن هذا القرن قرن الكراهية والرغبة في التهام بعضنا البعض.

وهذه المقدمة هي مدخل لأتحدث عن الكراهية في بعض النماذج اللبنانية، هذه الكراهية التي نمت وتغذت لأسباب منها المعلن ومنها المضمر،والتي نسمعها من من يروجون لخطاب الكراهية ضد النازح السوري حيث يردون أسبابها لأدائه التنافسي فالنازح السوري انتشر في كل المناطق وفتح المحلات والمؤسسات ونافس التاجر والعامل اللبناني منافسة غير متكافئة.

النازحون السوريون يشترون بضائعهم من سوريا،ويبيعونها في لبنان، ويحضرون غذاءهم من سوريا،وبالتالي هم لا يحركون الدورة الاقتصادية الشرائية في البلد، بل على العكس يبيعون بأسعار أقل (بسبب فرق العملة ) ويعملون بأجور أقل، ومن مبدأ :(خذ حياتي ولا تأخذ لقمة عيشي) تفشت العدائية والعنصرية وبتنا نقرأ ونسمع بشعارات معادية لوجود النازحين السورين في لبنان، وطبعا هذا يعود لسوء إدارة الدولة اللبنانية لنزوح حوالي مليوني سوري إلى بلد يعاني من الدين العام والبطالة والفقر وما زال يعيش تأثير الصراعات الطائفية. هذا الواقع اللبناني أرض خصبة لتفشي مرض الكراهية ولكن من يغذي هذه الحالة ومن يتبناها ومن يروج لها ليسوا أبناء الصدفة، بل حتما هناك أسباب غير معلنة لظهورها وتحولها إلى حالة عامة ورافضة لوجود النازح السوري في لبنان، حتى بتنا نسمع بعنف يطاله وهنا تكمن خطورة هذه المشاعر والتي يبدو أنه بات لها حراسا يحمونها ولا يرغبون بضبط إيقاعها.

[email protected]