sharifa
sharifa
أعمدة

وتر :احتفالية الموت

26 يوليو 2017
26 يوليو 2017

شريفة بنت علي التوبية -

كلما ذهبت لأداء واجب العزاء في موت صديق أو قريب، أتعجب أن أرى المعزين يعيشون جواً احتفالياً بالموت، ابتداء من الخيمة التي يقام فيها العزاء لاستقبال المعزين، ومروراً بتلك الوجوه المقنّعة بأقنعة الحزن، وتلك الحكايات الجانبية البعيدة عن أجواء الوجع والفقد التي يعيشها أهل الميت وفناجين القهوة والضحكات الخافتة في سوالف شتى، التعارف العابر لأصدقاء لم يجمعهم طريق منذ زمن فجمعتهم خيمة عزاء، وانتهاءً بولائم الغداء والعشاء وأطباق الحلوى التي تحضرها النساء المعزّيات، وصوت قارئ القرآن الذي لا يكاد يُسمع وسط كل ذلك الضجيج، هذا المشهد يكشف لي أن الموت لم يعد موجعاً ولم يعد أكثر من إحساس عابر بالفقد وبعدها تستمر الحياة وكأن شيء لم يكن، فنحن نحتفل بالحزن كاحتفالنا بالفرح ونحتفل بالوجع كاحتفالنا بسكينة الحال، وأعجب أن تخبرني إحدى الصديقات أنه تم ابتكار مكياج خاص بالعزاء!

لا فرق بين الموت والحياة سوى في طريقة شعورنا بها وتعاطينا مع حيثياتها، وقد نجد في الموت حياة أخرى وعالم ما عرفناه من قبل، مليء بالأسرار والدهشة والجمال، فلم يعد لدينا من الحياة قدر ما لدينا من الموت، بعدد من ماتوا ومن رحلوا ومن سكن الفقد قلوبنا لأجلهم، وبمدى بشاعة الموت الذي تبثه لنا قنوات الإعلام، لم يعد الموت غريباً أو مدهشاً، بل أصبح قريباً ولا يبعث الدهشة فينا، فكما ماتت دهشتنا بالحياة، تلاشت دهشتنا بالموت.

أخال نفسي وقد رحلت مع من رحلوا، ترى أي عين ستبكيني، وأي قلب سيشعر بفقدي، أهناك من سيقول في أثري (رحمها الله)؟.. أخال نفسي لست هنا، فلا يرعبني الخيال بقدر ما اعتدت عليه وألفته، بل يجعلني ذلك أقف على حقيقة بأن الحياة قصيرة جداً وأني ماضية نحو الموت وليس لشيء آخر، وكل ما أنا عليه الآن لن ينفعني شيء حينما أكون بعيدة عن كل هذا الضجيج، وحيدة في حضرة الموت وعزلته، أبحث في الوجوه عني وأنا بحالة فقد، فلا أجدني سوى في دمعة بعين أمي وعين أبي وأبنائي وزوج قد يكون وفياً كما عهدته. مع الموت أعتقد أن الإنسان ليس بحاجة لكل ذلك الضجيج وأقنعة الحزن بقدر ما هو بحاجة للموت بسلام ولمحبة حقيقية ينالها بعد الموت وقلب صادق يظل وفياً في محبته، يذكره ويدعو له بالرحمة والمغفرة، فأصدق الحُب هو ذلك الحُب الذي لا يغيب وإن غاب الأحبة ولا يرحل من القلب إن رحلوا.