أفكار وآراء

معاهدة «نووية» أخرى .. بلا أنياب !

25 يوليو 2017
25 يوليو 2017

عماد عريان -

أغلب الظن أن السعادة الغامرة التي صاحبت هذا الحدث قد تحطمت على أكثر من صخرة، على رأسها أولا ذلك الصخب الكبير الذي يسود العالم في عديد من بقاعه نتيجة حروب وصراعات وأزمات ملتهبة تستحوذ على القدر الأعظم من اهتمام العالم، وثانيا أن النتائج المتوقعة التي سوف تترتب على هذا التطور لن تؤتي ثمارا كثيرة رغم أهميتها الكبرى بالنسبة للأمن والسلم الدوليين، وكان من الممكن بالفعل أن تمثل مصدر ابتهاج دولي لو اكتملت لها كل مقومات وظروف النجاح الشامل، نتحدث هنا عن إقرار الأمم المتحدة قبل عدة أيام لأول مرة لمعاهدة حظر الأسلحة النووية المتعددة الأطراف، كمعيار قانوني ملزم ظل ينتظره العالم منذ أكثر من سبعين عاما،عندما ألقيت أول قنبلة ذرية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية،وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاتفاق على إقرار أول معاهدة من نوعها متعددة الأطراف لنزع السلاح النووي منذ الموافقة على معاهدة للحظر النووي منذ أكثر من عشرين عاما دون أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي.

وحقيقة الأمر أن الرؤية الموضوعية بعدم توقع ثمار كثيرة للمعاهدة الجديدة تكمن في أن العالم في أكثر من مناسبة أقر اتفاقات متعددة ومتنوعة التوجهات والأهداف في المسألة النووية تحديدا ولكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، وبرغم أن العالم لم يواجه بالفعل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 تهديدات بحرب نووية شاملة إلا أنه لم يتخلص تماما من مخاطر الأسلحة النووية والاحتمالات المتزايدة لنقل تكنولوجيتها بما يمكن دول أخرى أو حتى تنظيمات إرهابية مارقة من إنتاجها بما يمثل تهديدا كبيرا للبشرية جمعاء، ومن الجدير بالذكر أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد حذرت من قبل أن هناك أربعين دولة قادرة على تصنيع أسلحة نووية في حال اتخاذ حكوماتها قرارا بهذا الشأن.

وبرغم ذلك من الظلم تجاهل الجهود الكبيرة التي بذلتها مجموعة الدول - غير النووية - في سبيل إقرار المعاهدة الجديدة باعتبارها خطوة مهمة على طريق طويل جدا وحفاظا على حيوية القضية بدلا من وضعها في «ثلاجة» أو أدراج المنظمة الدولية، وليس أدل على ذلك من تأييد 122 دولة للمعاهدة من أصل 192 عضوا في الأمم المتحدة خلال اجتماع قاطعته الدول التسع التي تملك أسلحة نووية،فيما اعترضت هولندا عليها وامتنعت سنغافورة عن التصويت،وجاء هذا الإقرار الذي رفضته كل من واشنطن ولندن وباريس التي وصفته بأنه لايناسب الوضع الراهن وقوى نووية أخرى لم تشارك أصلا في هذه المفاوضات في ظل تصاعد التوتر في شبة الجزيرة الكورية،ورغم هذا فإن الاتفاقية ستزيد من الضغط الدولي على الدول النووية من أجل التعامل بصورة أكثر جدية مع هذا النوع من الأسلحة،كان خير معبر عنه دوي التصفيق في قاعة المؤتمرات في مبنى الأمم المتحدة في أعقاب التصويت الذي توج ثلاثة أشهر من المفاوضات حول نص يفرض حظرا شاملا على تطوير وتخزين الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها.

وبكل تأكيد ليس مستغربا أن تستقبل دول «الاحتكار النووي» هذا التطور بفتور شديد لتصف تلك الدول التي تمتلك ترسانات الأسلحة النووية الحظر بأنه غير واقعي، مؤكدة - من وجهة نظرها الذاتية - انه لن يكون له أي تأثير على خفض المخزون العالمي الذي يقدر بحوالي خمسة عشر ألف سلاح نووي، وتساءلت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة عند بدء المفاوضات في مارس:« هل هناك شخص يعتقد أن كوريا الشمالية ستوافق على حظر الأسلحة النووية .. لا أريد لعائلتي شيء أكثر من عالم خال من الأسلحة النووية،ولكن علينا أن نكون واقعيين»!.

إلا أن مؤيدي القرار- وذلك أمر طبيعي أيضا - أشادوا بهذا الانجاز التاريخي، وعبرت عن ذلك بوضوح ايليان وايت جوميز سفيرة كوستاريكا ورئيسة مؤتمر الأمم المتحدة الذي ناقش الاتفاق بقولها»لقد تمكنا من زرع بذور عالم خال من الأسلحة النووية، إنها المرة الأولى التي يتم الاتفاق فيها على اتفاقية متعددة الأطراف لنزع السلاح النووي منذ أكثر من عشرين عاما، العالم ظل ينتظر هذا المعيار القانوني لسبعين عاما منذ استخدام أولى القنابل الذرية ضد هيروشيما وناجازاكي عند نهاية الحرب العالمية الثانية».

المثير في الأمر أن 141 دولة على رأسها النمسا والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا قامت بصياغة نص الاتفاقية،على أمل أن تزيد الضغوط على الدول النووية لنزع أسلحتها، بينما لم تشارك اي من الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية في المفاوضات،هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل،كما أن اليابان-البلد الوحيد الذي تعرض لهجمات نووية عام 1945 - قاطعت المحادثات وكذلك غالبية دول حلف شمال الأطلسي ! وتهدف معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية،وهي معاهدة دولية إلى حظر تجارب الأسلحة النووية أو كل باقي أنواع التفجيرات النووية سواء أكانت لأغراض سلمية أو عسكرية،وقد فتحت هذه المعاهدة للتوقيع في سبتمبر 1996 إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن، وجاء إنشاء منظمة الحظر الشامل للتجارب النووية بهدف متابعة تنفيذ هذه المعاهدة واحترام بنودها، معتمدة في ذلك على أدوات قياس الزلازل لمعرفة إمكانية وجود تجارب نووية وتعمل في جميع أنحاء العالم.

وتنص الأحكام الرئيسية للمعاهدة على تعهد كل دولة طرف فيها بعدم إجراء أي تفجير من تفجيرات تجارب الأسلحة النووية أو أي تفجير نووي آخر،وحظر ومنع أي تفجير نووي من هذا القبيل في أي مكان يخضع لولايتها أو سيطرتها،كما تتعهد كل دولة طرف بالامتناع عن التسبب في إجراء أي تفجير من تفجيرات تجارب الأسلحة النووية أو أي تفجير نووي آخر،أو التشجيع عليه أو المشاركة فيه بأي طريقة كانت. واقع الأمر أن المعاهدة الجديدة طال انتظار العالم والدول المحبة للسلام لها،فالاستعراض التاريخي لمسائل حظر الانتشار النووي يؤكد أنه منذ خمسينيات القرن الماضي برزت أصوات مناهضة لعمليات التجارب والتسلح النووي،حيث أُجري منذ يونيو 1945 وحتى ديسمبر 1953 أكثر من خمسين انفجارا نوويا تجريبيا،مما حدا بالكثير من الشخصيات العالمية إلى التعبير عن رفضها لهذه الأفعال، ومن أبرزها جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند آنذاك، والذي دعا إلى التخلي عن إجراء أي اختبارات نووية،دون أن تلقى دعواته آذانا صاغية من القوى العظمى وقتها بسبب انهماكها في تفاصيل الحرب الباردة.

ومنذ ذلك الحين بذلت الجهود الدولية لحظر ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في خطين متوازيين،الأول يهدف إلى تحريم استخدامها في الأغراض العسكرية،فيما يهدف الثاني إلى منع تحويلها من الأغراض السلمية إلى الأغراض العسكرية،وقد أسفرت هذه الجهود عن مجموعة من المعاهدات الدولية التي دخلت جميعها حيز التنفيذ بدءا من معاهدة القطب الجنوبي في عام ١٩٥٩ والتي وقعت عليها اثنتا عشرة دولة،ثم معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو والفضاء الخارجي وتحت الماء التي أبرمت في عام ١٩٦٣،ووقع عليها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والمملكة المتحدة،ثم معاهدة المبادئ المنظمة لنشاط الدول في ميدان اكتشاف الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى في عام ١٩٦٧.

وقد نصت هذه المعاهدة على تحريم وضع أية أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار حول الأرض أو على الأجرام السماوية،ثم تلا ذلك معاهدة حظر الأسلحة النووية في أمريكا معاهدة «تلاتيلونكو 1967» وأبرمت هذه المعاهدة في فبراير1967 وتهدف إلى جعل أمريكا اللاتينية خالية من السلاح النووي،ثم معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام ١٩٦٥، وفي نهاية 1967 وضعت معاهدة منع الانتشار في صورتها النهائية كثمرة من ثمار جهود عشرين عاما للأمم المتحدة ولجانها المتخصصة، وعشرة أعوام في لجنة الثماني عشرة، وبعد مفاوضات قدمت إلى الجمعية العامة بعد تعديلها في عام ١٩٦٨،وعرضت للتوقيع وتضمنت مبادئ وأحكام ترمي إلى تحقيق أهداف فورية عاجلة تتحقق آليا بعد وضعها موضع التنفيذ والتزام الأطراف بما جاء بها من أحكام وكذلك أهداف تالية تتحقق في مراحل آجلة كأثر مباشر لتنفيذ أحكام المعاهدة أو إتمام إجراءات تحث المعاهدة على المضي فيها.

ويعكس هذا الاستعراض أهمية الجهود الدولية المشتركة للتخلص من مخاطر وهواجس التسلح النووي، إلا أن هذا الهدف السامي لن يتحقق في الغالب إلا بإقامة «العدالة النووية» و«الديمقراطية الدولية» التي تجعل دول العالم كافة وبدون تفرقة سواسية أمام المعاهدات الدولية، فلا بد من انصياع دول «النادي النووي» الكبرى لهذه المعاهدات وكذلك الدول الأخرى التي تغرد خارج السرب تماما كالهند وباكستان وكوريا الشمال وإسرائيل بكل تأكيد، وبدون ذلك ستظل المعاهدات الدولية في هذا الشأن مجرد توصيات أو «حبرا على ورق» كونها قرارات بلا مخالب أو أنياب .