أفكار وآراء

القوة القاهرة في العقود

19 يوليو 2017
19 يوليو 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

القوة القاهرة، أو ال (فورس مجير)، من المصطلحات المهمة جدا في العقود خاصة الكبيرة. وهذه الفقرة تحتاج لعناية خاصة وصياغة خاصة جدا حتى تفي بالغرض، ومن المستحسن إعداد الصياغة بطريقة تعالج ظروف الحالة المتعاقد عليها والابتعاد قدر الإمكان من القطع واللصق من العقود الأخرى، ولكل حالة لبوسها وظروفها الخاصة بها ولذا فإن الصيغ النموذجية قد لا تفي بالغرض ولا تعالج الموضوع بصفة مباشرة. ولذا لا بد من الحذر عند صياغة الفقرة الخاصة بالقوة القاهرة.

وفي الأساس فإن (القوة القاهرة) تحدث بسبب أجنبي خارجي لا علاقة لأطراف العقد به. وهذا السبب الأجنبي الخارجي لا يمكن توقعه، ولا يمكن أيضا دفعه لأنه خارج مقدرة وإرادة الأطراف. ومن الأمثلة العامة للقوة القاهرة نذكر، البراكين والفيضانات والزلازل والكوارث الطبيعية الطارئة والحروب والأمراض الوبائية الخطيرة... فمثلا، إذا وقع زلزال منع من تنفيذ الالتزام المتفق عليه في العقد، فلا يمكن المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي نتج عن ذلك؛ لأن عدم التنفيذ لا يرجع إلى خطأ أو غيره وإنما بسبب حدوث (القوة القاهرة) التي تتمثل في الزلزال.

في بعض الحالات، قد تنشأ القوة القاهرة عن فعل الإنسان بنفسه. وكمثال لهذا، الثورات الشعبية والإضرابات الجماعية عن العمل والعصيان المدني.. أو السرقات المسلحة والعنف الجماعي. وقد تكون القوة القاهرة بسبب بعض الاجراءات القانونية التي تقوم بها السلطات الرسمية، كأن تقوم الدولة بنزع الملكية، أو المصادرة، أو أوامر السلطات الحكومية الأخرى كالزيادة الفجائية العالية للأسعار. وتسمى القوة القاهرة في مثل هذه الحالات تدخل أو (فعل الدولة) أو (فعل الأمير).

قانونا، هناك عناصر يجب أن تتوفر لحدوث القوة القاهرة منها، عدم إمكانية توقع ما حدث. فالحادث المتوقع لا يعد قوة قاهرة بأي حال من الأحوال. ومعيار عدم التوقع هنا معيار موضوعي يتطلب أن يكون عدم التوقع مطلقاً. فمثلا، في بلدان حزام الزلازل والبراكين، فإن حدوثها متوقع في أي لحظة وعليه فإن حدوثها قد لا يعد وبصفة مطلقة (قوة قاهرة). ولذا يجب الحذر وأخذ هذه النقطة في الاعتبار، وفي اليابان مثلا تم تطوير المباني وكافة الإنشاءات بطريقة تجعلها تقاوم الزلازل أو تقلل من آثارها الضارة للحد البعيد. ومن هذا الواقع، على شركات المباني والإنشاءات في اليابان أن تعمل على تطوير أعمالها وفق المستجدات الهندسية الحديثة ولا تزعم في جميع الأوقات بأن الزلازل تعتبر قوة قاهرة لأنها ربما تواجه مشاكل قانونية تتعلق بمتطلبات القوة القاهرة بسبب التجارب التراكمية في هذا الخصوص والتي يجب على الجميع في اليابان الاستفادة منها..

إضافة لعدم إمكانية توقع ما حدث، فيجب أيضا استحالة دفع الحادث، أي أن الحادث يستحيل دفعه لأنه خارج طاقة ومقدرة أطراف العقد. ومعنى هذا، أن الحادث يجب أن يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة ليس بالنسبة لطرف العقد وحده وإنما بالنسبة لأي شخص آخر يكون في مثل وضعه. كذلك يجب أن يكون الحادث خارجيا وبسبب أجنبي. فإذا تسبب الطرف في حدوثه فإنه لا يعد من القوة القاهرة ومن ثم لا يعفى من المسؤولية.

ومن الآثار القانونية للقوة القاهرة إن حدوثها يمكن أن يقود إلى الإعفاء من تنفيذ الالتزام نهائيا، أو إلى وقف تنفيذ الالتزام حتى زوال الحادث الذي تسبب في إحداث القوة القاهرة. وهذا بالطبع وفقا لظروف كل حالة على حدة. وإذا تبين للمحكمة توافر شروط القوة القاهرة، يجب عليها أن تحكم بانقضاء أو نهاية التزام المدين بسبب القوة القاهرة، ولا يجوز في مثل هذه الحالات أن تحكم عليه بدفع تعويض للدائن نتيجة الضرر الذي لحق به بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه كما ورد في العقد بين الأطراف المتعاقدة.

عند تطرقنا لأحكام نظرية الظروف القاهرة والآثار القانونية المترتبة على حدوثها، فإنه يجب أن لا نخلط بينها وبين (نظرية الظروف الطارئة) أو حدوث الحادث الفجائي، لأن حدوث القوة القاهرة يتسبب في استحالة تنفيذ الالتزام الوارد في العقد ولذا يعفى من المسؤولية القانونية. بينما كل الظروف الأخرى، ومهما تعددت أشكالها وأنواعها ومسمياتها، فإنها تجعل التنفيذ مرهقا وليس مستحيلا، ولذا فإن حدوثها لا يعتبر إعفاء عن تنفيذ الالتزام التعاقدي.. وبالرغم من أن الخيط الذي يفصل بين كل هذه الحالات يعتبر خيطا رفيعا وضعيفا، إلا أن التفرقة أمر مهم جدا ويجب التمييز بين كل الحالات والتأكد من حالة القوة القاهرة، التي تعفى من المسؤولية لانتهاء الالتزام لاستحالة التنفيذ وفق الشروط والمتطلبات الواردة في العقد المبرم بين الأطراف المتعاقدة .