أفكار وآراء

العلاقات الأمريكية الروسية إلى أين؟

12 يوليو 2017
12 يوليو 2017

عبد العزيز محمود -

قد تسببت الأزمة الأوكرانية في تأزم العلاقات بين الطرفين، خاصة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مما دفع أمريكا لفرض عقوبات عليها، وهي عقوبات لن يتمكن ترامب من رفعها، حيث يشترط الكونجرس أولا تغير الموقف الروسي.

وسط توتر غير مسبوق في العلاقات الأمريكية الروسية جاء لقاء الرئيسين ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين في هامبورج بألمانيا ليشكل أول محاولة مباشرة من الطرفين لاحتواء الخلافات ووضع إطار للتفاهم حول القضايا العالقة.

ورغم أن اللقاء تناول قضايا عديدة في مقدمتها العلاقات الثنائية والوضع في سوريا وأوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني (أمن المعلومات) والتدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية إلا أنه لم ينجح في تحقيق اختراقات كبيرة للجمود الراهن.

وكان الإنجاز الوحيد الذي تحقق اتفاقا لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا تتولى الشرطة العسكرية الروسية مراقبته، وتلتزم واشنطن وموسكو بموجبه بالتصدي للأعمال العدائية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية.

كما حدث اتفاق بين الجانبين على تعزيز التعاون فيما بينهما لمكافحة الإرهاب، وتحديدا تنظيم الدولة، باعتباره مصدر تهديد رئيسيا لمصالح الدولتين، ولتوازن القوى في الشرق الأوسط.

وأكد البيان المشترك الذي صدر عقب المباحثات حرص الرئيسين الأمريكي والروسي على تحسين العلاقات، بغض النظر عن الخلافات القائمة حول أوكرانيا وإيران وأوروبا الشرقية وشبه الجزيرة الكورية.

وبينما نفى بوتين أي تدخل لبلاده في الانتخابات الأمريكية، دعا ترامب إلى تنحية هذه المسألة جانبا، ووضع إطار مستقبلي لعدم تكرار أي قرصنة سيبرانية في أي انتخابات مستقبلية.

وبدا واضحا أن ترامب يريد عقد صفقة مع بوتين لتحسين العلاقات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، بغض النظر عن أي شيء آخر، وهو ما استثمره الرئيس الروسي في الحصول على اعتراف أمريكي صريح بالدور الروسي على الساحة الدولية.

وهكذا أحجم الجانب الأمريكي ولأول مرة في تاريخ القمم الأمريكية الروسية عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر، في أعمال الحكومة الروسية الداخلية أو الخارجية، أو فيما تعتبره موسكو مجالا حيويا لنفوذها.

الأهم من ذلك حصول بوتين من جانب ترامب على معاملة الشريك الذي يحظى بنفس المستوى من الندية، وهو لم يكن متاحا خلال عهدي الرئيسين الأمريكيين جورج دبليو بوش وباراك أوباما.

وجاء الاتفاق على وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا ليمثل اعترافا أمريكيا واضحا بالدور الروسي في الشرق الأوسط، وأن الدولتين طرفان متفاوضان متساويان في النزاع السوري، بل ويمكنهما معا تقرير مصير سوريا دون مشاركة أطراف أخرى.

وكان لافتا للنظر أن يعقد أول لقاء مباشر بين ترامب وبوتين في إطار ضيق على نحو غير معتاد، ولم يحضر اللقاء إلى جانب الرئيسين إلا وزيرا خارجية البلدين، واثنين من المترجمين، بينما غاب مستشار الأمن القومي والسفيران الأمريكي والروسي وكبار مسؤولي مجلس الأمن القومي .

وجاء اللقاء في ظل تحقيقات تشهدها العاصمة الأمريكية واشنطن حول صلات محتملة بين أفراد في إدارة ترامب ومسؤولين روس، واتهامات من أجهزة المخابرات الأمريكية لموسكو بالضلوع في عمليات قرصنة استهدفت هزيمة هيلاري كلينتون ودعم ترامب في الانتخابات الأمريكية.

وأيا كان الوضع، فقد كشفت نتائج القمة الأمريكية الروسية في هامبورج أن بوتين كان الرابح الأكبر، وأن الخبرات الدبلوماسية لترامب ووزير خارجيته (رئيس شركة اكسون موبيل السابق)، لم تكن بنفس الدرجة التي يتمتع بها الرئيس الروسي ووزير خارجيته سيرجي لافروف (45 سنة خبرة في السلك الدبلوماسي).

لكن اللقاء اكتسب أهمية خاصة بالنظر إلى تشابك العلاقات بين البلدين، ورغبتهما معا في دعم التعاون المشترك على الأقل في إطار الاقتصاد ومكافحة الإرهاب ووقف الاحتكاك العسكري بينهما كما حدث في سوريا وبحر البلطيق.

فللبلدان مصلحة مشتركة في هزيمة تنظيم الدولة، ولهما أسباب مختلفة تدعوهما لتحقيق هذه النتيجة، رغم خلافهما حول الهدف النهائي من جراء ذلك، لكن المشكلة تكمن في تعارض مصالحهما في أوروبا الشرقية، فموسكو ترغب في استعادة نفوذها في مناطقها الحدودية القديمة، وهو ما تعارضه واشنطن، وتعتبره أمرا غير مقبول من زاوية مصالحها الإستراتيجية.

وقد تسببت الأزمة الأوكرانية في تأزم العلاقات بين الطرفين، خاصة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مما دفع أمريكا لفرض عقوبات عليها، وهي عقوبات لن يتمكن ترامب من رفعها، حيث يشترط الكونجرس أولا تغير الموقف الروسي.

الأهم من ذلك أن ترامب وبوتين لم يتمكنا من حل خلافاتهما بشأن الوضع في أوروبا الشرقية، خاصة بعد نشر قوات أمريكية محدودة في البلطيق وبولندا ورومانيا، وهي قوات لا يمكن لترامب سحبها أو التخلي عن النظام الموالي للغرب في أوكرانيا.

من جهة أخرى يشكل الموقف من إيران نقطة خلاف أخرى، حيث هاجم ترامب الاتفاق النووي خلال حملته الانتخابية، واتخذ إجراءات ضده فور وصوله إلي البيت الأبيض، وهو يتعامل مع إيران باعتبارها خطرا يهدد المشروع الأمريكي في المنطقة، بينما تتعامل موسكو مع طهران بوصفها حليفا استراتيجيا.

ووسط كل هذه الخلافات أصبحت مكافحة الإرهاب المدخل الأمثل لتحسين العلاقات بين الدولتين اللتين تعتبران تنظيم الدولة -داعش- تهديدا خطيرا لمصالحهما ولتوازن القوي في الشرق الأوسط، بسبب قدرته على إعادة التمحور وشن هجمات مضادة، مما يعيق مهمة القضاء عليه.

وهكذا وحد تنظيم الدولة - داعش - بين ترامب وبوتين، اللذين اتفقا على تكثيف القصف الجوي لمواقع التنظيم، وتسليح وحدات حماية الشعب الكردية السورية (٤٠ ألف مقاتل)، للبدء في معركة الرقة في سوريا والتي تحتاج للمزيد من القوات الأمريكية.

والسؤال المطروح: هل يمكن أن يشكل ذلك مدخلا لتحسن العلاقات بين واشنطن وموسكو؟

كل المؤشرات تقول بصعوبة ذلك، في ظل حالة التردي في العلاقات بين الدولتين، لكن هناك من يرى على الجانبين أن الخلافات الجدية بين موسكو وواشنطن ليست جديدة، فقد ظهرت في السابق وتم تجاوزها، وهو ما يمكن تكراره مستقبلا بالتعاون في المجالات الممكنة.

ويدعم هذا الرأي ما للدولتين من تأثير متبادل على مصالح كل منهما حول العالم، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وهو ما قد يدفعهما للمضي قدما في تطوير التعاون بما يسمح في الوقت الراهن على الأقل بمكافحة الإرهاب ووقف انتشار السلاح النووي.

لكن تظل نقاط الخلاف الأخرى حجر عثرة، خاصة الموقف من حلف الناتو، الذي تسعى واشنطن لدعمه، من خلال دعوة الدول المشاركة فيه إلى زيادة نفقاتها الدفاعية بنسبة ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما لا ترحب به موسكو التي تعتبر إضعاف الناتو هدفا استراتيجيا.

كما يتواصل الخلاف بين الدولتين حول الطاقة، فإدارة ترامب التي تحظى بدعم شركات النفط الأمريكية، تسعى جاهدة لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، وهو ما تعارضه موسكو بسبب الأضرار التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد الروسي، خاصة وأن نصف الميزانية الروسية يعتمد على عائدات تصدير النفط والغاز.

ويحاول الطرفان إيجاد حل عبر الاتفاق الذي عقد مؤخرا بين شركة روسنفت الروسية واكسون موبيل الأمريكية، على تنسيق الإنتاج والحفاظ على استقرار السوق، والتعاون في المشروعات الهيدركربونية لمعالجة النفايات النفطية وتحويلها إلى نفط.

وهكذا يمكن اعتبار لقاء ترامب وبوتين في هامبورج محاولة لاحتواء جانب من الخلافات، لكن العلاقات الأمريكية الروسية ستظل رهينة للتنافس الحاد بين مشروع أمريكي يستهدف الهيمنة على العالم، ومشروع روسي يحاول استعادة النفوذ القديم على الساحة الدولية.