أفكار وآراء

منتجو النفط في مواجهة مشاريع الطاقة الأمريكية الاستراتيجية

08 يوليو 2017
08 يوليو 2017

د. محمد رياض حمزة -

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم 29/‏‏6/‏‏2017 عن إجراءات لتدشين ما أسماه “عهدا ذهبيا” لسياسة الطاقة سيحيي قطاع الطاقة النووية المنهك ويخفف القيود على صادرات الطاقة. وقال ترامب، متحدثا في مقر وزارة الطاقة الأمريكية : “إننا هنا اليوم لنطلق سياسة أمريكية جديدة للطاقة… نحن سنصدر الطاقة الأمريكية إلى جميع أرجاء العالم”. وأضاف: إن إدارته ستسعى إلى إيجاد سبل جديدة لإحياء قطاع الطاقة النووية في الولايات المتحدة بإطلاق مراجعة للسياسات المحلية لإيجاد سبل لجعل الطاقة النووية أكثر قدرة على منافسة الغاز الطبيعي والمصادر المتجددة ومعالجة مسألة النفايات النووية.

وأشار إلى أنه سيرفع القيود التي فرضتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على بنوك التنمية الأمريكية والتي تمنعها من تمويل مشاريع الفحم في الخارج.

وكشف عن بداية بناء خط أنابيب من الولايات المتحدة إلى المكسيك، فضلا عن إمدادات غاز إضافية إلى كوريا الجنوبية. بالرغم من أن ترامب أطلق عشرات الوعود قبل وبعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، بالكاد، تحقق القليل منها إلا أنه ربما نسي أن الوعود بإنشاء المشاريع الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي، وتحديدا مشاريع الطاقة، تتشارك فيها المصالح الأمريكية مع مصالح دول وشركات أجنبية، وقد تتناقض حيث يعمل كل لمصلحته. ولعل أوضح برهان بهذا الشأن التناقض الحاصل بين إدارة ترامب ودول الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي.في ازمة تراجع أسعار النفط التي تسببت وتتسبب بخسائر مالية كبيرة لمنتجي النفط داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وخارجها يجب أن يأخذ المنتجون وعود ترامب في مشاريع الطاقة على محمل الجد. إذ أن اكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية ذاتيا واستغنائها عن استيراد 8 ملايين برميل يوميا وتحولها مصدرة للنفط ومشتقاته( إنْ تحقق فعلا)؛ فإن أسعار النفط لن تكون مجزية لمعظم الدول المنتجة.

وحتى الآن فإن تدابير منظمة (أوبك) والمنتجين خارجها فشلت في إعادة توازن السوق وتصحيح الأسعار. رغم خفض الإنتاج بواقع 1.8برميل يوميا ومد العمل بالتخفيض 9 أشهر أخرى. لذا فإن سوق النفط العالمية يجب أن تتعرض لصدمة تصنعها دول أوبك والمنتجون المتضررون من انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014. لم يعد سعر برميل النفط بين 50 إلى 55 دولارا سعرا مجزيا لمعظم الدول المنتجة للنفط في (أوبك) أو خارجها. بل إن الأسعار عادت للتراجع دون 50 دولارا للبرميل خلال شهر يونيو 2017. ومرشحة للتراجع بسبب وجود تخمة المعروض التي ما أن تناقصت حتى تدفقت إمدادات من ليبيا ونيجيريا وغيرها، ذلك فضلا عن تواصل ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي.ولعل المنافس الأخطر لدول أوبك هي شركات النفط الصخري الأمريكية . “جولدمان ساكس” المؤسسة المصرفية متعددة الجنسيات ومقرها نيويورك قالت وحدتها لأبحاث الأسهم : “إن الأمر يستلزم بقاء عقود النفط الآجلة لعامي 2018 و2019 عند 50 دولارا للبرميل، أو دون ذلك ، للحيلولة دون مزيد من النمو في إنتاج النفط الصخري وتشجيع أوبك على إبقاء حركة السوق في نطاق ضيق وأن الإشارة السعرية المتمثلة في وصول أسعار العقود الآجلة لعامي 2018 و2019 إلى 50 دولارا أو أقل الآن أو بلوغ الأسعار الفورية 50 دولارا في 2018 يمكن أن يساعد على إحداث توازن في السوق من خلال إيجاد بيئة تكبح إنتاج أوبك أو الإنتاج الصخري أو كليهما.

وتوقعت “جولدمان ساكس “ وصول متوسط أسعار خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في 2017 إلى 52.92 دولار للبرميل في 2017 مقارنة مع 54.80 دولار للبرميل في وقت سابق وإلى 55 دولارا للبرميل في 2018 دون تغيير عن التقديرات السابقة. أما(أوبك) فرأيها “ أن دول منتجة واحدة بالتحديد تتحمل اللوم، وهي الولايات المتحدة، حيث يواصل منتجو النفط الصخري زيادة إنتاجهم رغم أسعار النفط الخام المنخفضة. وأضعفت زيادة الإنتاج جهود أوبك للحفاظ على سعر برميل النفط بين 50 و60 دولارا. وكانت أوبك والدول المنتجة خارجها اتفقوا، في نوفمبر الماضي، على خفض الإنتاج، في خطوة تهدف إلى تخليص الأسواق العالمية من زيادة المعروض. وبدت أن هذه الاستراتيجية فعالة لفترة مع ارتفاع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 54 دولار بداية العام الجاري. وبدأت خيارات منظمة “أوبك” تنفذ. إذ انخفض سعر النفط الخام بنسبة 13 في المائة خلال شهري أبريل ومايو 2017 إلى أقل من 46 دولاراً، مما يشير إلى أن جهود المنظمة الرامية إلى تعديل أسعار النفط لم تحقق أهدافها المرجوة.وكانت أوبك إلى جانب المنتجين الرئيسيين الآخرين يتمتعون بأسعار أعلى منذ اتفاق خفض الإنتاج في نوفمبر الماضي، وهي استراتيجية تهدف إلى تخليص الأسواق العالمية من وفرة المعروض. الآن، يبدو أن التأثير يتلاشى، واستجابت المنظمة للهبوط الحاد في الأسعار من خلال اقتراح تمديد التخفيضات إلى ما هو أبعد من الموعد النهائي الأصلي المحدد في منتصف العام. ولكن مع زيادة إنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري، قد لا يكون تمديد الخفض كافياً لتحقيق الاستقرار في الأسعار أو رفعها. ومن مستجدات التقارير الإعلامية التي تتابع تطورات تجارة النفط العالمية وترصد متغيراتها ساعة بساعة ويوما بيوم إنها بدأت تقرن سبب بقاء أسعار النفط متدنية ثلاثة عوامل هي تخمة المعروض المباشر للبيع، وضخامة المخزونات العالمية. وإنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري. ولم تعد العوامل المؤثرة بأسعار النفط تذكر. كسعر صرف الدولار والتوترات السياسية وحالة الاقتصادات العالمية ... وغيرها.أما تخمة المعروض فتعتبر السبب القديم المتجدد المؤثر على الأسعار. وكم حجم هذه التخمة؟ وفي أي الأسواق توجد؟ ولمن عائداتها؟ أسئلة يصعب أجابتها بدقة. فعندما كان سعر برميل النفط قد تجاوز 100 دولار كانت أسواق النفط متخمة أيضا. أما ضخامة المخزونات العالمية فإنه سبب يمكن تصديقه، على اعتبار أن كافة دول العالم المستوردة للنفط استغلت تراجع الأسعار وصارت تخزنه.

أما إنتاج الشركات الأمريكية من النفط الصخري فعامل مؤثر على أسعار النفط. فبالرغم من ارتفاع تكاليف إنتاجه إلا انه صار السبب المباشر في بقاء أسعار النفط متدنية. إذ يصدر تقرير دوري عن شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة بعدد منصات الحفر النفطية في الولايات المتحدة. وكلما ذكر أن عدد منصات الحفر ارتفعت انخفض سعر برميل النفط. وبذلك فإن في 24/‏‏5/‏‏2017 حضر القائمون على صناعة النفط الصخري إلى فيينا واطلعوا على توجهات أوبك لاستعادة توازن السوق النفطية. كما أن أوبك ترتب لرحلة يقوم بها كبار مسؤوليها إلى تكساس لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية للتعايش بين الصناعتين أم أنهما تتجهان لصراع حاد آخر في المستقبل القريب.السعودية من جانها تفضل التعايش الآن، متخلية عن استراتيجية سابقة سعت من خلالها لضخ أكبر كميات ممكنه في محاولة للتخلص من النفط الصخري الأمريكي من خلال أسعار الخام المنخفضة. غير أن ذلك التوجه لم يثن شركات النفط الأمريكية عن مواصلة تطوير تكنولوجيا الحفر وتقليل تكلفة إنتاج البرميل إلى أقل من 50 دولارا. فأدركت أوبك أن تخفيضات الإمدادات والأسعار الأعلى إنما تسهل على قطاع النفط الصخري تحقيق أرباح أعلى بعد أن وجد سبيلا لخفض التكلفة حين رفعت السعودية الإنتاج على مدى السنوات الثلاث الماضية.

فإذا كان حجم تخمة المعروض من النفط الخام المتداولة في الأسواق تقدر بمليوني برميل يوميا أو أكثر فإن خفض 1.8 مليون برميل من إنتاج دول أوبك وخارجها لن يعمل على تصريف كمية المعروض. لذا فإن على دول أوبك وخارجها، وتحديدا المنتجين الكبار، أن يعيدوا النظر في واقع سوق النفط لتحديد خفض يحدث خللا في توازن السوق بما يجعل الطلب أكبر من العرض للزمن الذي ينهي تخمة المعروض. شرط أن تلتزم دول أوبك وخارجها كافة لفترة محددة. فالصدمة المقترحة تجعل من شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية غير قادرة على تلبية الطلب في الأسواق العالمية وحتى السوق الأمريكية التي قد يمتد تأثير الصدمة للمخزون الاستراتيجي الأمريكي.

[email protected]