sharifa
sharifa
أعمدة

وتر :وما حيلة العاجز؟

05 يوليو 2017
05 يوليو 2017

شريفة بنت علي التوبية -

كنت أظن حينما أغلقت هاتفي وانقطعت عن فتح قنوات التواصل الاجتماعي، بأن وجه الحياة سيتغير، وأن الحرب ستتوقف، وأن الأشرار وقتلة الأطفال سيختفون، وأن العالم سيكون بخير، ربما كنت بحاجة لأن أكون بخير، وبحاجة لمثل هذا الهروب ولمثل تلك العزلة، وقد تفعل أنت أيضا مثلما فعلت وتقرر الهروب من كل هذا الموت الذي يحاصرك في عالم أصبح انتماؤك إليه مخجلا وموجعا، وتعجب كيف لهم احتمال بشاعة الحقيقة وأنت عاجز عن احتمال بشاعة الصورة، فأين تسير والطرق كلها ملّغمة بالموت!

فما حيلتك إلا حيلة العاجز الذي قد يموت كمدًا وحزنًا وبصمت تام، يقول قائل إن ما يحدث في العالم ليس جديدًا عليه، لكنها لعنة التكنولوجيا ولعنة المواقع الاجتماعية التي تنقل لنا الحقيقة التي لم نكن نعرفها كاملة أو التي كانت تجنبنا إياها وسائل الإعلام في نشراتها التي تبثها وفق رؤيتها الخاصة، فلا نرى من الصورة إلا ما أرادوا، وبعد أن تفوقت وسائل التواصل الاجتماعي على قنوات وسائل الإعلام، تعرّت لنا الحقيقة في أبشع وأقبح صورها، قد تغلق تلك النوافذ وتهرب من كل شيء وتجلس في زاوية مغلقة هاربا من البشر والدنيا كلها، لكن الحقيقة تطاردك في رسالة أو مكالمة أو صورة أو خبر في جريدة أو حديث عابر مع صديق أو سيقولها لك طفلك وهو عائد من المدرسة، ستغلق أذنيك، كي لا تسمع ولا ترى شيئا، ولكن الحقيقة أشبه برصاصة قاتلة، تظن بنفسك الجنون والهلوسة أو المرض لأنك لم تعد تحتمل ما يحدث على هذه الأرض، تتبرأ من عالمك ومن وجودك ومن كل حواسك، تتمنى لو كنت حجرًا أو حتى شجرة أو نجمة أو قمرًا بعيدًا في السماء، لكن حتى هذه الأشياء أصبحت شاهد عيان لكل ما يحدث، ولا شك أنها تتألم وتموت بموتنا، فقدرك أن تكون ذرّة موجوعة في هذا الكون البائس، يؤلمك جداً كل هذا الشتات وكل هذه الحماقات التي تجعل أحدهم يصدر حكمه عليك من هيئتك أو شكلك أو مذهبك أو انتماؤك الفكري، يؤلمك أن ترى الأطفال يقتلون بلا رحمة، وتتساءل ترى ما الذي قالته تلك الأرواح البريئة الصاعدة إلى ربها، يؤلمك قتل المصلين في المساجد والكنائس والمعابد، يؤلمك ما يحدث في هذا العالم من فتنة وسقوط مدوٍ لإنسانية الإنسان، فيا إلهي ما أصعب أن نعرف وما أصعب أن يحتمل القلب أو يستوعب العقل هذه المعرفة.