أفكار وآراء

عن الذين أساءوا إلى الإسلام

02 يوليو 2017
02 يوليو 2017

إميل أمين -

في إطار المحاولات الدؤوبة لفهم أبعاد ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تحلق فوق الرؤوس في العقدين الأخيرين، اقتضت الأمانة والموضوعية من الكثير من الكتاب والباحثين طرح علامة استفهام مهمة للغاية عن أولئك الذين يسيئون إلى الإسلام من بين أبنائه وحكامه، في الماضي والحاضر.

السؤال ربما دفعتنا إليه دفعا قراءة حديثة لمجلة النيوزويك الأمريكية، والتي أفردت ملفا كاملا في عدد أخير لها عن نوايا داعش في شهر رمضان الماضي، وكيف أن التنظيم راهن على جعل شهر الصوم والنسك والعبادة، شهرا لارتكاب الأعمال الإرهابية، وتكثيف هجماته علي الآمنين من شمال الأرض إلى جنوبها.

المجلة الأمريكية ذائعة الصيت لم تبادر إلى قراءتها إلا بعد البيانات الرسمية التي صدرت عن داعش، والتي مهرتها بالفعل بدماء نحو 30 شخصا من الأقباط المصريين في عملية أقل ما يمكن أن توصف، بأنها خسيسة وجبانة، سيما وأنها غدرت بالآمنين من الأطفال والنساء الشباب والشيوخ، لتفي بوعودها السابقة.

هل داعش بمفردها فقط هي التي شوهت صورة الإسلام في العصور الحديثة والقديمة على حد سواء؟

مؤكد أن هناك جماعات أخرى مثل القاعدة، وجماعات الجهاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية المسلحة، ناهيك عن طالبان في أفغانستان، أو أبو سياف في الفلبين، وغيرها الكثير من الأسماء، التي اختطفت الإسلام السمح المعتدل، إسلام الرحمة والمودة، الشفقة والعفو عند المقدرة، لتصدر لنا صورة غير حقيقية، ومشوهة عن الرحمة تجاه الآخر بنوع خاص.

هل اليوم هو رجع صدى لا يتلكأ ويتأخر للماضي؟

في الأيام القليلة الماضية صدر كتاب عنوانه «طغاة أساءوا إلى الإسلام» للكاتب المصري الأستاذ «مأمون غريب» عن شركة الدلتا اليوم للصحافة والنشر والتوزيع والدعاية « في القاهرة، وقد أعتدنا من الكاتب الإسلامي مأمون غريب» كل جديد في مجال التاريخ المتعلق بالحضارة الإسلامية.

وفي هذا الكتاب يرصد بجرأة وموضوعية سيرة هؤلاء الذين أغرتهم السلطة على الطغيان وظلم الناس وإفساد القيم، فأساءوا إلى الإسلام بما اقترفوه من جرائم حتى القارئ، يعجب ويتساءل: هل هؤلاء كانوا مسلمين حقا؟ أم أنهم كانوا طالبي سلطة غاشمة بعيدة عن قيم الدين الحنيف؟

الكتاب الذي يقع في نحو مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط يتناول سيرة ومسيرة رجالات أساءوا إلى الدين الحنيف، ولكن الناس في كل العصور لا يحبون البطش والطغيان والجبروت، ولا يحبون من يسوسهم بالسيف، ومن يسقيهم العذاب، حتى لو كان قصده من وراء هذه الشدة استتباب الأمن والحفاظ على النظام، ونشر العدل، إذ كان همهم هو الأخذ بالشدة، ومن هنا كانت كراهية الناس لهؤلاء، رغم ما قاموا به من إصلاحات.

الشاهد أن الحضارة الإسلامية تدفعها قوتها الذاتية، وأن من أسباب تدهور الأمم الإسلامية، بعدها عن الفهم الحقيقي لدينها الوسطي، والأمثلة التي ذهبت في طريق الغلو، قاربت بينها وبين الشطط والترهيب، واتخذت من الإسلام مرآة مشوهة تعكس تصرفاتهم، ولم يكن الإسلام يوما يأمر بالقتل والإرهاب بلا ذريعة، ولا الإسلام أمر بأخراج جثث الموتى من قبورهم والتنكيل برفاتهم.

يشدد «مأمون غريب» في سطور عمله المتميز على أن الإسلام لم يأمر بأن يؤخذ البريء بجريرة المجرم، ولا الإسلام نادى بالتشدد والغلو في الأحكام، بل انه دين الرحمة والتوبة والحرية والمساواة، وأن الإنسان لا يستعبد وقد ولدته أمه حرا فوجه الإسلامي الحضاري وجه مشرق.

هل واقع داعش والقاعدة يذكرنا ببعض الصفحات غير المشرفة في التاريخ؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، سيما وأن الأقدمين من الطغاة والمحدثين من الإرهابيين حكموا أهواءهم في حكم الناس، ولذلك عانى الناس ويعانون الآن من قهرهم وذلهم وفسادهم وإرهابهم.

النموذجان القديم والحديث أساءوا إلى أنفسهم، وأساءوا للأسف في نفس الوقت للإسلام، الذي نهى عن الظلم والفساد في الأرض، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودعا إلى التقدم والحضارة، وأخذ بيد المسلم إلى آفاق العلم والمعرفة. إن الإسلام شيء، وتصرف دواعش الماضي و الحاضر شيء آخر.