1040441
1040441
روضة الصائم

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية - مسجد الصاروج في سمائل الفيحاء: محرابه «يلوح كالأطلال من جد البلى» ويستصرخ الترميم

20 يونيو 2017
20 يونيو 2017

محمد بن سليمان الحضرمي -

بين خمائل النخيل والضواحي الغناء في سمائل الفيحاء بمحافظة الداخلية، يجود الزمان بمسجد أثري رَحْب الصرح، يسمى «مسجد الصاروج»، وتسميته نسبة إلى بنائه بالصاروج، (الطين المحروق)، ومثلما جاد الزمان بهذا المسجد الجميل، فإن في داخله تحفة نقشية هي واحدة من التحف القليلة المتبقية التي صممها النقاش الفنان طالب بن مشمل بن عمر بن محمد المنحي، انتهى من تنقيشه لمحراب المسجد عام 970هـ/‏‏‏1562م أو990هـ/‏‏‏1582م، والاختلاف بين العامين ربما بسبب عدم وضوح بيانات الوثيقة الخطية، التي لا تزال آثارها باقية في صدارة المحراب، ولكنها كما يقول أبو مسلم البهلاني في مقصورته: (تلوح كالأطلال من جد البلى)، نعم هو يلوح كالأحلام ويظهر كالطيوف من قسوة الزمان عليه، واليوم يستصرخ المسارعة في الترميم، فهذا المحراب نموذج حقيقي للمحاريب التي طالت بها الأعمار، الممتدة منذ مطلع العقد السابع من القرن العاشر الهجري.

وإذا كان النقاش الهميمي اشتهر بنقش محاريب مساجد منح وجامع بهلا ومسجد الشرجة بنزوى، فإن النقاش طالب بن مشمل بن عمر بن محمد المنحي، اشتهر بنقش محاريب مساجد سمائل، مثلما اشتهر والده مشمل بن عمر بنقش محاريب مساجد نخل، أما ابنه علي بن طالب فقد واصل مهنة أبيه وجده ونقش محرابي مسجدي مقزح بإزكي وحجرة البراشد بسناو.

لقد وقفت على تجربة النقاش طالب بن مشمل المنحي، في نقشه لمسجدي الصاروج والمزارعة بسفالة سمائل، وهما مسجدان متجاوران، وكذلك تجربته في نقش محراب مسجد القصر بقرية منال الأثرية الذي كتبت عنه أمس، ووجدتها متقاربة جدا، حيث يعتمد على هيكل تصميمي واحد، وكأن هذه المحاريب الثلاثة نفذت بخارطة هندسية واحدة، وما يفرق فيها هو شكل النقوش الداخلية.

من جانب آخر فإنا أرى أن تنفيذ طالب بن مشمل لمحراب مسجد الصاروج كان في عام970هـ وليس في عام 990هـ، إذ في هذا العام قام أيضا بتنفيذ محراب مسجد العوينة بوادي بني خالد، وفي عام 974هـ قام بتنفيذ محراب مسجد المزارعة بسمائل المجاور لمسجد الصاروج، ما يعني أن عام السبعين من القرن العاشر الهجري كان عام نشاط بالنسبة لهذا النقاش الماهر.

وبلا شك فإن محراب مسجد الصاروج بسمائل قطعة أثرية بديعة، لم تتدخل يد الترميم في طلائها لتبدو بشكل حديث، أشبه بوجه ناسك عجوز، أو معتكف عاش في هذا المسجد أكثر من أربعة قرون، وفي اللحظة التي أدخل فيها المسجد رحت مباشرة إلى المثول أمام تحفة طالب بن مشمل التي رسمها بأنامله، فبدت أشبه بحورية معتكفة في المسجد، أو وجه ملاك نوراني، يبث روحانيته في أنحاء المسجد، يشعرك المحراب برهبة الزمن، وتفاصيل المحراب الصغيرة أشبه بشريط سينمائي ترى فيها الزمان مختزنا بأسراره وألقه، بأقمار لياليه وشموس نهاراته، وبملايين الصلوات وختمات القرآن الكريم للأئمة والمصلين والعباد، ولا أبالغ في القول: إن صرح المسجد من الداخل ينتزع الزائر ليغوص به في أنفاق الزمن، ويأخذه إلى سنوات العقد الثامن من القرن السادس عشر الميلادي، والفترة الثانية لحكم النباهنة التي امتدت سبعين عاما، بدءا من عام 1556– 1626م.

وحالة المحراب مهترئة إلى درجة التداعي، إذ لم يسلم من عبث الأيادي به، سواء بتخريبه ونقف نقوشه وصحونه الخزفية، أو بمحاولة ترميمه بالطين، أو إضافة مادة جصية على بعض من قطعه النقشية، كما توجد به تجاويف مقعرة إلى الداخل، ولكن من غير صحون خزفية، فهي مما طالته يد الناس، أو انتزعت من المحراب، وبنظرة عامة عليه نجده يتألف من قبتين تتفاوتان في الحجم، وفي الوسط ختم كتابي، وفي أعلى المحراب كذلك، وبرأيي أنه ما لم يتم ترميم هذا المحراب، فإنه سيؤول إلى السقوط، وستضيع من الأجيال تحفة فنية، مثلما ضاعت محاريب أخرى.

ويضم المسجد أسطوانة واحدة تقسم المسجد إلى رواقين، وبه أربعة أبواب من جهتي الشرق والشمال، وفي أعلى الجدران مجموعة من الكوى الصغيرة يتسلل منها النسيم والضوء، وبديلا عن النوافذ الطولية الواسعة التي كانت في المسجد، حلت في مكانها المكيفات الكهربائية، ولا يزال المسجد يحتفظ بسلمه الخشبي الموصل إلى السطح، عبر ما يعرف في نظام بناء المساجد القديمة بالبومة، وهي أشبه بقبة تظهر أعلى السطح، أما ساريته الوحيدة فتبدو أشبه بظهر عجوز، لكثرة التواقيع والكتابات النثرية والشعرية، ولربما كان المسجد مدرسة لتعليم القرآن الكريم وعلوم العربية، أما صحن المسجد الخارجي فينفتح على جهتي الشرق والشمال.