1039813
1039813
روضة الصائم

الشيخ حمد بن محمد الفارسي.. وإمكانيات إبداعية مبكرة حافلة بالعلم والعمل

19 يونيو 2017
19 يونيو 2017

1039812

الشيح حمد الفارسي[/caption]

«إرشاد البرية للأصول النحوية» و«ودليل العباد لكشف معاني الإرشاد».. أهم مؤلفاته -

نظم أرجوزة في النحو وعمره 23 وبدأ بكتابة الصكوك الشرعية في سن 25 عاما -

حاوره - سالم بن حمدان الحسيني -

شخصية اليوم هو العلامة القاضي الشيخ حمد بن محمد الفارسي، تناول ترجمة حياته الباحث سعود بن عبدالله بن حمد الفارسي دراسة وتحقيقا الذي التقينا به للحديث عن سيرته فقال أولا معرفا بالشيخ الجليل: هو العلامة القاضي الشيخ حمد بن محمد بن زهير بن سعيّد بن زهير بن فارس بن صالح بن ناصر بن محمد الفارسي الخروصي،

ونسبته إلى الفوارس، والفوارس هم فخذ من بني خروص بن شاري بن اليحمد، ووالده: الشيخ محمد بن زهير الفارسي رحل إلى نزوى لطلب العلم عام 1334هـ بصحبة الشيخ منصور بن ناصر الفارسي ولكنه لم يكمل هذه الرحلة لظروف أعاقته فرجع من نزوى، توفي بين عام 1339هــ وعام 1340هـ تقريبًا حيث كان عمر ابنه حمد سنةً أو يزيد قليلًا. أما جده الأول: فهو الزاهد الورع زُهَيْرُ بن سُعَيِّد بن زهير الفارسي، كان فاضلًا ثقة تقيًا نزيهًا، تردد مرارًا لحج بيت الله الحرام حيث بلغ عدد الحجج التي حجها عشرين حجة! يقول حفيده الشيخ حمد في رثائه له:

وَكَمْ قَدْ حَجَّ بَيْتَ اللهِ عَشْرًا

وَعَشْرًا بالسَّكِينَةِ وَ الوَقَارِ

أما جده الثاني فهو: الشيخ سعيّد بن زهير بن فارس الفارسي ولد سنة 1240هـ تقريبًا، ونشأ في حجر والده، تعلم القرآن وهو صغير، وكان يحضر مجلس التدريس في النحو بفنجاء ويحوي جميع ما يلقيه الأستاذ على التلامذة، وذلك لشدة حفظه وحدسه، أما جده الثالث فهو الشيخ زهير بن فارس بن عدي بن فارس بن صالح بن ناصر بن محمد الفارسي، ولم أجد تاريخ ولادته ولا وفاته. أما جده لأمه: فهو العلامة سالم بن فريش بن سعيد بن عامر الشامسي الفنجوي ولد عام 1285هـ ومات عنه أبوه وهو صغير. وأخذ العلم عن جملة من المشايخ منهم: العلامة الزاهد محمد بن سيف الفارسي، والشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي وغيرهم. وقد استقضاه الإمام سالم بن راشد على بدبد وفنجاء وتوابعهما، ثم استقضاه السلطان تيمور ثم ابنه السلطان سعيد بن تيمور على بلدان ساحل الباطنة. ثم استعفى عن القضاء آخر عمره، وعاد إلى وطنه إلى أن مات سنة 1373هـ.

هذه هي أسرة الشيخ حمد وكأنما عناهم الشاعر بقوله: مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لَاقَيْتَ سَيِّدَهُم

مِثْلَ النُّجُومِ التي يَسْري بِها السَّاري

فكان الشيخ حمد بركة هذا البيت العريق في العلم والزهد والتقوى، فلم يخيب الظنون وحمل لواء العلم والزهد والورع ليكون امتدادًا لهذه السلسة الشريفة التي ما فتئت تمد الأمة بالرجال العباقرة. وأوضح محدثنا سعود الفارسي أن مولد الشيخ حمد كانت عام 1341هـ ببلده فنجاء، ونشأ في أسرة عرف عنها الورع والتمسك بالدين فغذي العلم والخصال الحميدة والصفات الجميلة منذ ميلاده، فكان لأسرته الأثر البالغ في تكوين توجهاته وشخصيته. وقد توفي والده وهو ما زال صغير السن عمره سنة أو يزيد قليلًا، فاعتنى بتربيته جده الزاهد الثقة زهير فكان يوليه اهتمامًا بالغًا فنسب حمد إلى جده زهير، وقيل له: حمد ابن زهير، وحيث إن جده كثير الأسفار والتردد للحج مسك زمام تربيته جدته غنية ابنة العلامة الزاهد محمد بن سيف الفارسي – رحمه الله – هذه المرأة الكريمة ذات الشخصية القوية، ويشاطرها في ذلك أمه فاطمة ابنة العلامة القاضي سالم بن فريش الشامسي – رحمه الله – فتحملن هذه المسؤولية بجدارة ولم يدخرن جهدًا في تربية وتأديب هذا الفتى العبقري.

وأشار إلى أن البداية التعليمية للشيخ حمد فلي بلدته فنجاء حيث درس القرآن هناك ثم تذكر المصادر أنه رحل إلى نزوى عام 1361هـ ليطلب العلم دون إشارة إلى ما قبل هذه المرحلة من حياته وفي هذا التأريخ يكون عمر الشيخ حمد عشرين سنة تقريبًا وهو كبير نسبيًا!. وفي سؤالنا عمن أخذ الشيخ حمد مبادئ العلوم الشرعية فقال: أخذ الشيخ حمد أخذ مبادئ العلوم الشرعية على يد عدد من العلماء في بلده كجده العلامة سالم بن فريش الشامسي، والعلامة منصور بن ناصر الفارسي الذي يكون ابن أخ جدته، ناهيك باهتمام أسرته بتعليمه وتربيته منذ نعومة أظفاره، ويؤيد ذلك أنه كتب مرثية في جده زهير الذي توفي عام 1351هـ وفي العادة تكتب المراثي في زمن قريب من الوفاة وعليه فعمر الشيخ حمد عند وفاة جده لا يزيد عن عشر سنوات، فكتابة هذه المرثية في سن مبكرة يؤيد ما قلناه والله أعلم.

وأضاف: ثم رحل الشيخ حمد إلى نزوى بيضة الإسلام ومعدن العلم عام 1361هـ والتقى هناك بفحول العلم وفي مقدمتهم الإمام العادل محمد بن عبدالله الخليلي – رحمه الله – فتلقى علم النحو عند سيبويه زمانه العلامة حامد بن ناصر النزوي، ثم قرأ علم البلاغة من معاني وبيان وبديع عند الشيخ سالم بن سيف البوسعيدي وازداد مذاكرة عند الشيخ العلامة ابن عمه منصور بن ناصر بن محمد الفارسي، ثم بعد ذلك أخذ في دراسة الفقه أديانًا وأحكامًا بعدما أخذ حظا وافرًا من علم العقيدة والتوحيد، وبقي سنوات يتردد إلى نزوى ويشرب عَلَلا بعد نَهَل من علمائها وخاصة الشيخ منصور بن ناصر؛ لأنه كان من الملازمين له، ومن التلامذة الذين أخذوا عنه العلم، كما يحضر مجالس الإمام الخليلي - رحمه الله- وقضاته في فصل الأحكام والفتاوى التي ترد إليهم. وفي سنة 1366هـ خرج إلى مسقط ولازم الشيخ العلامة الفقيه أبا عبيد حمد بن عبيد السليمي المدرس آنذاك بمسجد الخور بمسقط وازداد عنده دراسة ومعرفة في الفقه. أما عن حياته العملية فأوضح سعود الفارسي أنه بعدما أصبح الشيخ حمد ناضجًا لتحمل أعباء رسالة العلم السامية وجهه الإمام الخليلي - رحمه الله- مدرسًا في النحو والعقيدة والفقه، وكاتبا للصكوك الشرعية بمسجد الجماعة بفنجاء وكان ذلك في عام 1370هـ تقريبًا. وبعد وفاة الإمام الخليلي أي في عام 1373هـ طلبه السيد أحمد بن إبراهيم ناظر الشؤون الداخلية في عهد السلطان سعيد بن تيمور فوجهه قاضيًا إلى ولاية قريات ثم ولاية السويق ثم ولاية السيب ثم خرج من العمل، وبقي ملازمًا لمسجده وكتابه، وكان ذا سعة في المال كفاه وأغناه عن الوظيفة، وفي سنة 1390هـ الموافق 1970م بينما كان قاعدًا في بيته فإذا بوالي ولاية بهلا يوافيه بكتاب وزير العدل في أول عهد حكم السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وفي الكتاب عهد بتكليفه تحمل وظيفة القضاء بتلك الولاية فعاد إلى الوظيفة مرة ثانية فبقي في ولاية بهلا مدة ثم نقل إلى ولاية شناص فبقي بها إلى أن توفي. أما عن مكانته العلمية فقال: ظهر نبوغ الشيخ حمد بن زهير منذ بداية تعليمه وبدا ذلك واضحًا لدى معلميه، يذكر أنه بعدما أنهى دراسة ملحة الإعراب طلب منه المعلم حامد بن ناصر إعراب هذا البيت من الشعر:

مَرَّ كَمَا انّْقَضَّ على كَوْكَبٌ

عِفْريتِ جنٍ في الدُّجى الأخْيَلُ

وهذا البيت يعد لغزًا صعبًا لطالب في تلك المرحلة، فقام الطالب بإعادة ترتيب البيت ثم قام بإعرابه بسهولة!! ولعل أكبر شاهد على مكنته العلمية أنه نظم أرجوزة في النحو وعمره لم يتجاوز الثالثة والعشرين بل وشرحها بطلب من أستاذه العلامة حامد بن ناصر وفي هذا الطلب شهادة ضمنية من الأستاذ لتلميذه. ويقول الشيخ القاضي سيف بن محمد الفارسي: «الأخ حمد أقوانا في النحو». وقد كان هذا العلامة مضرب مثل في بلاده في التواصل مع أرحامه لين الجانب معهم. واشتهر بين الناس بعدله وثقته فبدأ بكتابة الصكوك الشرعية بين الناس وعمره خمسة وعشرون سنة تقريبًا، وأصبح محبوبًا بين الناس؛ لكثرة إصلاحه بينهم. وكان حسن الخط والكتابة والتعبير، وكان شاعرًا بليغًا وأكثر نظمه في الأسئلة والأجوبة الفقهية.

وعن أهم مؤلفاته الشيخ حمد الفارسي فأشار الى أن من أهمها: كتاب إرشاد البرية للأصول النحوية (مرقون): وهو عبارة عن أرجوزة في النحو عدد أبياتها مائة وستة وعشرون بيتًا تقريبًا، ألفها وعمره ثلاثة وعشرون عامًا. ودليل العباد لكشف معاني الإرشاد (هذا الكتاب): وهو شرح لطيف لأرجوزته إرشاد البرية، ألفه بطلب من أستاذه العلامة حامد بن ناصر. وأرجوزة أخرى في النحو (مفقودة). وأرجوزة في الصرف (مفقودة). وأرجوزة في الميراث (مفقودة). ومجموعة سير وتراجم عن عدد من علماء بلاده فنجاء. وأسئلة وأجوبة نظمية فقهية متفرقة في مجموعة مؤلفات.

أما عن تاريخ وفاته فتحدث سعود الفارسي قائلا: عندما كان قاضيًا على ولاية شناص طلبته وزارة العدل للبحث في أمور تختص بالعمل فجاء فنجاء، وذهب صباحا إلى وزارة العدل فوقع عليه حادث اصطدام ثم توفي على أثره يوم 25/‏‏رجب/‏‏ 1394هـ الموافق 14/‏‏أغسطس/‏‏1974م.

وقد رثاه زميله وصديقه الشيخ القاضي سيف بن محمد الفارسي بمرثية مطلعها:

خَطْبٌ يُـفَتِّتُ قَلْبَ ذِي الإِيمَانِ

وَيُذِيبُ حُزْنًا نَفْسَ ذِي العِرْفَانِ

رُزْءٌ وَذُو جَـلَلٍ عَظِيمٍ شَأْنُـهُ

فَــــالْــهَـــمُّ مُـفْــرَدُ والدُّمُوعُ ثَوَانِي

بِمُصَـابِهِ فُـجِـعَــتْ مَعَارِفُ دُوِّنَتْ

أَسْفَـارُهَا بِالعِـلمِ وَالتِّـبْـيَانِ

حَــمَدٌ مُصَابُكَ هَدَّ رُكْنًا شَامِخًا

خَرَّتْ دَعَـائِـمُهُ عَلَى الأَرْكَانِ

حَمَدٌ مُصُابُكَ فَلَّ عَزْمًا صَارِمًا

فَـنَـبَا وَأُوْدِعَ بـَعدُ فِـي الأَجْفَانِ

حَمَدٌ مُصَابُـكَ قَــدْ كَــبَا مِنْ بَعْدِهِ

فَرَسُ الرِّهَانِ وَكَانَسَبْقَ رِهَانِ