روضة الصائم

سياسة شرعية: وفاة النبي وصدمة الحكم

17 يونيو 2017
17 يونيو 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

شكلت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صدمة كبيرة للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام سيفنى يوما مثل بقية البشر وكأنهم لم يقرأوا الآية التي نزلت والتي قرأها عليهم أبو بكر الصديق فيما بعد وهي قوله تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» فلما قرأها هدّأ الصديق من روعهم وعادوا إلى صوابهم، لم يكن أحد منهم يظن أن هذا الرسول سيموت في هذا الوقت الذي هم بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.

ولم يكن المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يحتاجون إلى تشريع يحدد لهم المسار السياسي في المنطقة بعد أن حدث التحول في تاريخ الأمة العربية، لأنه ببساطة كان التشريع يأتي من السماء مباشرة وكان الحاكم الفعلي والأساسي هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، منه يستقون السياسة والتشريع ومنه تأتي الأحكام من رب العالمين، فهو المبلغ الحكيم الذي يسوس الناس ويحكم بينهم بالعدل والمساواة، مكنه المولى عز وجل وجعله الرسول لهذه الأمة، وأنزل معه كتابا مبينا يبين كل الأحكام التي لا دخل للبشر فيها، وتبقى ثابتة على مدى الأزمان وترك أخرى للمجتهدين من الأمة حتى يقرروا أحكامها وفق معطيات كل عصر، فهو - أي النبي عليه الصلاة والسلام- يعتبر الحاكم الفعلي في ذلك الوقت باعتباره يقود أمة ويحكم بين الناس ويدافع عن حياض الدولة التي أنشأها بأمر من الله تعالى.

ولو أراد الله عز وجل أن يسطر قوانين للحكم مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لفعل وهو على ذلك لقدير، ولكنه سبحانه وتعالى أراد وإرادته نافذة أن يجعل ذلك اختيارا حرا بين المسلمين، أن يختاروا الطريقة التي تعجبهم في الحكم شرط أن لا تنحاز عن المبادئ الأساسية وهي العدل والحرية والمساواة بين الناس، ورسخ مفهوم الشورى في القلوب بكثير من آياته التي تعبر عن اختيار الشعوب الطريقة المثلى في الحكم السياسي ولا تقتصر على مفهوم واحد يمكن أن يفيد عصرا دون عصر، من بين ذلك قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى : (وشاورهم في الأمر) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «ما خاب من استشار» كل ذلك تعبير عن المناقشة والمحاورة وأخذ الآراء وسبرها لتكون في صالح الجميع ومن أجل الجميع، وعلى الجميع أن يلتزم بها حاكما ومحكوما، غنيا وفقيرا، أبيض وأسود لتتحقق قيمة المساواة في المجتمعات الإسلامية وهو ما بلورته الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

إلا أن صدمة الحكم كانت من بين النقاط الرئيسية التي اختلف حولها المسلمون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن المسلمين في ذلك الوقت ورغم أن القرآن اكتمل نزوله غير أن المناخ لم يكن مواتيا لبلورة نظام الحكم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فبقي بعضهم ينتظر ما تسفر عنه الأحداث، وبعضهم تصرف بموجب الحرص على جمع المسلمين على كلمة سواء، بل إن بعضهم بدأ تلوح في فكره فكرة الجاهلية الأولى وأن الحقبة الإسلامية انتهت بموت النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك اختبار وامتحان.

غير أن المولى عز وجل هيأ لهذه الأمة من يحمل المهمة ويتحملها، وسخر لكل عصر من يدافع عن السياسة الإسلامية الناصعة ويوضح اللبس الذي وقع فيه المؤرخون، والإشاعات التي ضمتها كتب الأولين في نظام الحكم مما أثار الناس واختلفوا في ذلك اختلافا شديدا أدى إلى نشوء صراعات ونزاعات وخصومات كثيرة وحروب أحيانا.