أفكار وآراء

اللاجئون السوريون يقضون رمضانهم الثاني في ألمانيا

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

سمير عواد -

مع قدوم أكثر من 800 ألف لاجئ إلى ألمانيا بدءا من مطلع سبتمبر 2015، وبعد انتشارهم في مختلف المدن والمناطق الألمانية في إطار خطة الحكومة الألمانية لإدماجهم في المجتمع الألماني ومنحهم فرصة العيش حياة عادية بعيدا عن بلدهم الذي ما زال مسرحا لحرب دموية، ازداد عدد المسلمين الذين يزيد عددهم في ألمانيا عن أربعة ملايين نسمة، غالبيتهم من الأتراك.

وأصبحت المراكز الإسلامية في ألمانيا، تواجه تحديات كبيرة في تنظيم الاحتفاليات بحلول شهر رمضان المبارك، في ضوء الارتفاع الكبير في عدد الوافدين الجدد من المسلمين إلى ألمانيا. ومن عادة المراكز الإسلامية التي يتبعها مسجد أن تنظم طوال الشهر الفضيل، أمسيات الإفطار والتي يشارك فيها ألمان ومسؤولون محليون، تعبيرا عن كون الإسلام أصبح منذ عام 2010 «جزءا من ألمانيا» على حد قول الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف.

ومسجد «إبراهيم الخليل» في مدينة «أوسنابروك» مسقط رأس فولف، لا يختلف في نشاطاته عن المساجد المنتشرة من أقصى شمال ألمانيا إلى أقصى جنوبها. فشهر رمضان، يوفر لمسلمي ألمانيا فرصة لتبديد الأحكام المسبقة ضدهم وضد دينهم الحنيف، خاصة وأنهم يتعرضون إلى حملات إعلامية وسياسية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

ويلتقي منذ بداية الشهر الفضيل، أكثر من 250 شخصا، نساء ورجالا وأطفالا، في المسجد المؤلف من طابقين والقريب من محطة القطارات الرئيسية، الرجال في الطابق الأول والنساء في الطابق الثاني ومن بينهن المسلمة السورية «رقية»، التي كانت تبدأ الإفطار بتناول التمرة واللبن، بعد أن صامت يوما طويلا زاد عن 18 ساعة. وقالت رقية: «يسعدني كثيرا أن أكون بين إخوتي وإخواني من المسلمين في هذا المكان، وأشكر الله تعالى على ذلك».

وقد قضت «رقية» التي تبلغ 27 عاما من العمر حياتها قبل اللجوء إلى ألمانيا في مدينة «حمص» التي تعرضت و ما زالت إلى غارات وهجمات. وبينما قضى زوجها استطاعت «رقية» الفرار من الحرب وهي تحمل أطفالها الأربعة، عبر رحلة لن تنساها أبدا، عبر جبال لبنان، وساعدها الحظ بعد أن أمضت عامين تعيش في مخيم للاجئين السوريين هناك، بأن لفت مصيرها انتباه السفير الألماني لدى بيروت، مارتن هوت، الذي سعى شخصيا كي تسافر مع أطفالها إلى ألمانيا حيث تعيش اليوم بأمان. لكنها تعاني من صعوبة عندما تتحدث عن الماضي وقالت: أسوأ ما حصل أنني فقدت والدي وزوجي وشقيقي في الحرب السورية.

وأكدت أن التمسك بالدين الحنيف يمدها بالقوة للتغلب على مصاعب حياتها الجديدة في بلد أجنبي لم تتصور أن تلجأ إليه. أكثر من ست عشرة ساعة تصوم «رقية» مع غيرها من أربعة ملايين مسلم يقيمون في ألمانيا وقالت أن الصبر نعمة من رب العالمين وأضافت: إنني أصلي وأشعر أن سبحانه وتعالى يستجيب لي.

وكالعادة يبدأ الإفطار بعد صلاة المغرب في هذا المسجد الذي يشرف عليه الإمام السوري المولود في مدينة دمشق، عبد الجليل زيتون، الذي أعرب عن ألمه لما يجري في سوريا منذ أكثر من ستة أعوام وأضاف: لم يتوقف المسلمون في سوريا عن صيام رمضان خلال الحرب، فكانوا يفترشون الطعام على الأرض ويبدأون بالإفطار.. ثم تسقط البراميل المتفجرة على رؤوسهم. وأوضح الإمام أن رمضان هذا العام، له أهمية خاصة، لأنه علينا ونحن نعيش في أمان ورفاه في أوروبا، التفكير باللاجئين خاصة في سوريا وتركيا والعراق.

وتؤكد «رقية» أنها تفكر كل يوم ببلادها والناس الذين تركتهم ولكنها تعرفت في هذه الأثناء على سوريين لجأوا مثلها إلى ألمانيا، ويشاركونها الصيام والإفطار. وقالت إنها سعيدة جدا لأن أولادها يزورون المسجد لأنها لا تريد أن يفقدوا الصلة مع دينهم، ورغم أنها تتمنى العودة مع أولادها إلى سوريا حالما تتوقف الحرب ويسودها السلام، وأكدت أنها تسأل رب العالمين من أجل ذلك كل يوم. وقد أصبح المسلمون في ألمانيا وخاصة الشباب منهم، يبتكرون الأفكار لجذب اهتمام الألمان لشهر الصوم. ففي مدينة «دورتموند» بولاية شمال الراين وستفاليا، يقام هذا العام للمرة الثانية بعد عام 2012 بازار رمضان الذي يؤكد المنظمون أنه سوف يجتذب أكثر من 200 ألف زائر من ألمانيا ودول الجوار مثل بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج والدنمارك وفرنسا وبريطانيا. وهو عبارة عن سوق يشارك فيه أصحاب متاجر أتى بعضهم من الخارج ويستمر طوال الشهر الفضيل حيث يوجد فيه كل ما تشتهيه العين من بضائع رمضانية. كما تتم على هامشه مآدب إفطار جماعية والسحور.

وفي مدينة هامبورج التي يعيش فيها أكثر من 150 ألف مسلم، قالت مؤسسة إسلامية هناك أن 60 ألف صائم، يحيون الشهر الفضيل.

واستنادا إلى حكومة «زاكسن أنهالت» في ألمانيا الشرقية السابقة، فقد استعدت المستشفيات والسجون مسبقا واتخذت إجراءات خلال شهر رمضان المبارك، لتسهيل الصوم لمن يستطيعه. وقال مدير سجن في مدينة «هاله» أنه تم تغيير برنامج تزويد نزلاء السجون في الولاية من المسلمين الذين يشكلون 6 بالمائة من النزلاء في سجون ولاية «زاكسن أنهالت» ومساعدتهم في الصوم وأداء الشعائر الدينية. وقالت مسؤولة في إحدى المستشفيات أن المرضى الذين يصومون بعد موافقة الأطباء، يتلقون من إدارة المستشفى كافة أشكال الدعم، ويُسمح لعائلاتهم إحضار طعام الإفطار لهم إذا لم يرغبوا في تناول الطعام الذي تقدمه المستشفى والمعد حسب الشريعة الإسلامية حسبما أكدت المسؤولة الألمانية.