المنوعات

حارس الشقاء

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

عادل محمود -

«السعادة كالحزن، تضيق بها النفس إن لم تشارك بها أحد ما». «أبو مصعب» المسؤول الإعلامي في داعش... صرّح أنه لا يحب السعادة، والحياة الرغيدة، والرحلات، والأعراس، وأي نوع من الأفراح، لأن ذلك «يبعدنا» عن الله.

الموسيقى، طبعاً، ممنوعة، ما عدا الدف الشبيه بدفوف أهل المدينة المنورة عند استقبال الرسول-صلى الله عليه وسلم-

في الأنشودة المعروفة «طلع البدر علينا»، لكن الترحيب في عاصمة داعش السورية «الرقة» هو بالمهاجرين الشيشان، ومجاهدي تورا بورا. وعتاة النصر بأي ثمن.

المسموح به هو ثقافة الموت...»حور العين بتنادي... سجليني استشهادي». وما حدث في المناطق التي احتلها تنظيم داعش في سوريا والعراق... هو نموذج توضيحي لفكرة أبو مصعب «أنه لا يحب السعادة». فقد تعرض السكان جميعاً لأشد أشكال العقوبات، والتنكيل، والاغتصاب، وتزوير الهفوات والأخطاء وتحويلها إلى مصائب وخطايا، الأمر الذي جعل السعادة هي المستحيل. ولقد كانت كذلك من قبل.

لقد تساوى الجميع في عدالة توزيع الشقاء... وبعد تحرر مناطق داعش سوف تذهل البشرية، عبر الفضيحة، من نوع وشكل العنف والعذاب البشري الذي تعرض له سكان تلك البلدات والمدن. لقد بدأ تسريب الحكايات، والمشهد الذي لا تنساه العين منظر العباءات النسائية المرمية، بعد الخروج من منطقة داعش. كانت العباءات تشبه الطيور الميتة في عراء المدى والرمل في الصحراء المفتوحة على تيه الراحلين.

هم أحرار ألا يحبوا السعادة، وأحرار ألا يستمعوا إلى الموسيقى، وألا يرقصوا، وأحرار أن يقيموا الدولة التي يريدون، ولكن السوريين أيضاً أحرار في أن يقبلوا ذلك أو يرفضوه. وبالحد الأدنى أن يسمح لمن لا يطيق العيش في سعادة هذه المصيبة... بالمغادرة إلى العراء، إلى الجحيم، إلى أي مكان. لقد ردت إحدى الساخرات قائلة لمن يعظ أن المال لا يجلب السعادة...» السعادة ليست بالمال. صحيح ولكنني أفضل أن أبكي في سيارة ليموزين على أن أبكي في باص للنقل الداخلي».

وحقيقة هذه الفلسفة وجذرها (كراهية السعادة) هو إتاحة السيطرة على ضعفاء، ومحتاجين، وطالبي أمان. وترويض الناس بالمبادئ وبالسلم الطويل للقيم الأخلاقية، هو شكل من العنف، لأن الأخلاق تخلق القانون الوضعي، وبالتالي سلم العقوبات. وأقصى وأقسى هذه العقوبات هي إلغاء حرية الفرد، وهي فرض أسلوب الحياة، كما عند أبو مصعب. وهي اعتناق فلسفة الشقاء والطاعة.

لقد رفضت الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية وحاربتها 300 عام، وعندما اعتنقتها وسوّقتها

وصارت ديانة الإمبراطورية...أخذت منها فكرة إجماعية الترويض، واستفادت من فلسفة «لا يدخل غني

الجنة إلا إذا دخل جمل من خرم إبرة» والاستنتاج أن سعادة المال للأغنياء ولهم الجحيم، وأنتم لكم الجنة...

تعويض فقر.

وهكذا تنشأ وتنمو وتستمر ثقافة الموت.