روضة الصائم

حفلة عيد الميلاد

16 يونيو 2017
16 يونيو 2017

جمال رمضان العيسيين -

لسنا هنا بصدد الحديث عن الخلاف في موضوع الاحتفال بأعياد الميلاد وقول العلماء في هذه المسألة، ولا بترجيح رأي على آخر، ولا بطرح أدلة كل فريق وتفنيدها، لأن لكل وجهة نظر وزاوية ينظر منها إلى هذه المسألة، ولكن يبقى دائما القول الفصل في هذه القضايا هو قول الحق -سبحانه وتعالى- المنزل في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة.

وبما أن موضوع الاحتفال بعيد الميلاد لا يمس الجانب العقائدي، فإن الشيخ علي يحيى معمر قد طرحه في هذا الكتاب (سمر أسرة مسلمة)، وقد أقر الأب - الذي يمثل رأي الشيخ علي - ما كان يفعله الابن نجيب مدة طفولته من الاحتفال بعيد الميلاد، واستدعاء الأصدقاء، وإطفاء الشموع، وتقديم الهدايا من الأهل والأصحاب، (قال نجيب: إذن ستوافق يا أبي على الحفلة الصغيرة التي سأقيمها بهذه المناسبة لزملائي، وستتحفني بهدية جميلة أزهو بها على أقراني، كما عودتني في أعياد ميلادي السابقة... وستأذن لي أن اشتري شموعا لنوقدها ونطفئها كما يفعل المتحضرون...)، وهذا الإقرار دليل على أن الموضوع فيه سعة، ما لم يخرج على حدود الشرع، ولو رأى الأب (الشيخ) خلاف ذلك لعاتب ابنه ومنعه من ذلك من السنة الأولى، ولم ينتظر سن البلوغ.

وما دام الاحتفال يتم داخل الأسرة وأمام أعين العائلة، وليس فيه ما يدعو للريبة من المعاصي التي ترتكب اليوم في الاحتفالات، سواء بأعياد الميلاد، أو الزفاف، أو غيرها...حيث اختلط الحابل بالنابل، ودخلت العادات الغربية، من الاختلاط، والرقص، وشرب المسكرات والمخدرات، والعري والتفسخ الأخلاقي، كل هذا أفسد معنى ورونق وأهداف الاحتفال ذاته، الذي هو في أصله مباح لولا هذه المنغصات الدخيلة على المجتمعات العربية والإسلامية، وهذا التيار الأوروبي الجارف.

ولعل الأب اعتبر أن ابنه مازال غير مكلف ما لم يبلغ مرحلة الحلم، استنادا لما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن رفع القلم، وذكر (...وعن الصبي حتى يحتلم)، فاعتبر الأب ابنه مرفوعا عنه القلم طيلة فترة طفولته، وبالتالي فهو غير مكلف ولا يكتب عنه القلم كالبالغ.

وما إن دخل مرحلة البلوغ والتكليف طلب منه أبوه أن يتوقف عن الاحتفال بعيد الميلاد وأن يستعد لمرحلة قادمة مهمة في حياته. وقد ظهر ذلك من قول الأب: (لا يا ولدي! لا تُقمْ الليلة حفلة لزملائك، ولا تنتظر مني هدية كالهدايا السابقة، ولا تشتر شموعا.. إن هناك شيئا أهم من ذلك... يجب أن تعد له نفسك الليلة).

أما الجانب التربوي هنا، فيتمثل في الحوار الأدبي التربوية الذي دار بين الأب وابنه، وذلك بمناداة الأدنى للأعلى بـ(يا أبي)، ورد الأعلى بلفظ (يا ولدي)، وهو أسلوب أدبي راق، ينم عن خلق وأخلاق وحسن تربية وأدب جم من الابن، وعن احترام وتقدير من الأب لولده، وهذا الخلق الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أسلوب قرآني، ورد في الحوار الذي دار بين إبراهيم وأبيه، في قوله تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ، يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ، يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا». وكذلك في الحوار الذي دار بين لقمان الحكيم وابنه وما فيه من حنان وعطف أبوي.