روضة الصائم

فيما للقاضي وما عليه (11)

15 يونيو 2017
15 يونيو 2017

زهران بن ناصر البراشدي - القاضي بالمحكمة العليا مسقط -

إن القاضي إن لم يكن مجتهدا فله أن يقلد العلماء المجتهدين الموثوق بهم في الدين، وأن يقضي بفتوى غيره إن كان ثقة أمينا، لأن مقصود القضاء يحصل بذلك وهو إيصال الحق إلى مستحقه، وذلك إن ظهر له صوابه، وما لم يظهر له صوابه فلا.

وينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى لما روي عنه عليه الصلاة والسلام: «من قلد إنسانًا عملًا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين.»

فإذا كان في تقليد العمل لا يصح إلا للموثوق به أمانة وديانة وعلما ودراية وخبرة، إلى غير ذلك، فمن باب أولى اشتراط ذلك في التقليد في العلم.

وفي حديث العرباض بن سارية أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: « يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».

وفي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فاختار محمدًا صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس فاختار أصحابه، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنصار دينه، فما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح».

وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد عليا قضاء اليمن حين لم يبلغ حد الاجتهاد» فعن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله ترسلني، وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى بك أن يتبين لك القضاء، قال: فما زلت قاضيًا، أو: ما شككت في قضاء بعد».

ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لا يسقط بالشبهة، وفي النكاح والدين والغصب والأمانة والمضاربة والنسب والعقار، وغيرها، ولا يقبل إلا بينة أنه كتاب فلان القاضي، إلا أن يكون مختوما محكما بحيث لا يحتمل التزوير، ولا بد أن يكتب إلى معلوم فإن شاء قال بعد ذلك: وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين، وإلا فلا، ويقرأ الكتاب على الشهود، ويعلمهم بما فيه، ويختمه بحضرتهم ويحفظوا ما فيه، وتكون أسماؤهم داخل الكتاب بالأب والجد والقبيلة والصفة؛ إن كانت له صفة تميزه لولاها اشتبه بغيره.

فإذا وصل الكتاب إلى القاضي المكتوب إليه نظر فيه فإن ثبت عنده أمضاه وإلا فلا.

وإذا رفع إليه قضاء قاض أمضاه، إلا أن يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع، ولا يجوز قضاؤه لمن لا تقبل شهادته له.