روضة الصائم

بداية الدعوة المحمدية

15 يونيو 2017
15 يونيو 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

عندما كان الوحي ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن المسلمون في حاجة إلى نظام حكم يحكمهم، لأن الاتصال كان مباشرا عبر التنزيل، منه يستقي الناس الأحكام التي ترِدُهم في الحياة الدنيا وتقضي بينهم الآيات والأحاديث النبوية الشريفة فلم يكونوا يحتاجون إلى إجماع ولا إلى قياس ولا إلى اجتهاد، وبالتالي كانت الأمور تسير وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى لأن مصدر التشريع بين ظهرانيهم، وأمام أبصارهم. ومما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاد الأمة في ذلك الوقت من باب التكليف الإلهي العظيم، وهي سياسة ربانية تعلم الناس كيف يسوسون حياتهم حتى بعد أن يرحل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، أول ما قام به أنه اعتنى بالإنسان عقلا وروحا قبل أن تنزل الأحكام، وهذا ضروري جدا لبناء دولة لها أركانها وشروطها وأساساتها، وبناء الإنسان يقتضي أن يتحقق فيه التحوّل الجذري من حال إلى حال، فإذا بقي على حاله ولم يتغير فحينئذ لا ندعو إلى التغيير والتحول من حسن إلى أحسن وهو شرط التحول الديمقراطي في التطور الإنساني، والكل يعلم كيف كان العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قبائل متناثرة، حروب دامية، استغلال وكبرياء، وضلال وطغيان واستعباد، وتهميش لدور المرأة، واحتكار وتصاعد في كل أنواع الفساد الأخلاقي والمالي والاجتماعي والاقتصادي، وبينما يعيش العرب حالة من الانقسام الطبقي بين غني فاحش في الغنى، وفقير ذليل يبحث عن اللقمة في الثرى، يأتي الدين الجديد ليقطع هذا الانقسام ويستبدله بالتناغم والتناسق والتعاون من خلال غرس مفاهيم جديدة تعبر عن جوهر الإسلام. فبدأ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ بإحداث تحول في النفس من خلال نبذ تعدد الآلهة، وأنه لا وجود إلا لإله واحد ينبغي أن يعبده الناس أجمعون، هذه الدعوة أحدثت رجّة في المجتمع رغم إيقان بعضهم أنها حقيقة مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وغيرهما من الصحابة والصحابيات الكرام والكريمات، فدافع عنها بعضهم ورفضها بشدة بعضهم الآخر، بينما بقي آخرون مترددون حتى تظهر آثار هذه الدعوة، لكن المجمع عليه هو أن محمدا صلى الله عليه وسلم وهو الشاب الذي نشأ بينهم وعُرف بالصدق والإخلاص والأمانة والعفّة والطهر يظهر فجأة بين الجموع ليعلن أنه مبعوث من الله رب العالمين الواحد الأحد، ويدعوهم جميعا إلى التخلص من العقيدة الفاسدة منشؤها تعدد الآلهة إلى عبادة إله واحد. وأمام هذا التحدي المقرون بالعزيمة والإصرار على التبليغ رغم الأذى المتوقع من بني قريش وغيرهم، استطاع النبي الكريم أن يحول وجهة كثير من الناس ويبني العقيدة الإسلامية شيئا فشيئا من خلال بيان فساد ما يعتقدون وإبداله بعقيدة سمحة أساسها التوجه إلى المعبود دون سواه لتحقيق جميع الأمنيات، وبدأ يرسل إشاراته بالحسنى والحجة والبرهان دون أن يؤذي أحدا من الناس، ولم يكن لديه أمر من الله أن يردّ الأذى بل أمره بالصبر والتسلح بالإيمان، حتى ضجر أصحابه من أذى قريش وطلبوا منه أن يأذن لهم برد العدوان، وهو كان يقول صبرا صبرا، موقنا بأن الله سينصره وأنه لن يخذله. وبعد الثبات أمام الامتحان وتعبئة الروح بالإيمان بالواحد القهار، كوّن الرسول العظيم شريحة مهمة من المهاجرين الذين أبدوا استعدادهم إلى التضحية بكل شيء فداء لدعوة رسول الله، في هذه اللحظة اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن معه رجالا أقوياء أشداء على الكفار رحماء بينهم تجمعهم عقيدة التوحيد وتدفعهم روح الإخاء والنيل مما عند الله خيرا ثوابا وأقرب رحما، حوّل وجهته من مكة إلى المدينة المنورة ربما يجد المكان المناسب لترسيخ دعوته وإقامة دولته.