روضة الصائم

تعــريـف

15 يونيو 2017
15 يونيو 2017

علي بن سالم الرواحي -

إن الدين الإسلامي دين فكر وعلم وعمل، متفتح على جميع العلوم البشرية المفيدة، بشتى أنواعها، جاء لعمارة الأرض وفق منهج سماوي مستقيم، يضمن السعادة للصالحين في الدارين، ودعا إلى تعلم العلوم على أصعدة مختلفة فمنها الجائز ومنها الواجب ومنها المحرم، ومن تلك العلوم علم المنطق، وقانون علم المنطق مأخوذ من علم الإغريق وهم غير مسلمين، فهل هذا العلم يصلح كأداة في فهم علومنا الفكرية الإسلامية، بحيث لا يقودنا إلى المحاذير الشرعية، وهل الإسلام يعارض علم المنطق لما فيه من السلبيات والتعقيدات، إذاً هذه إشكالية سنحاول بيانها إن شاء الله.

قبل الجواب، علينا أن نتصور جانبي القضية، الأول علم المنطق، والثاني تعاليم دين الإسلام لكي نصل إلى النسبة بينهما؟

قال ديكارت مذ زمن طويل مقولته الشهيرة: (أنا أفكر إذاً أنا موجود)، وذلك لأن الفكر من خصائص الإنسان مفطور فيه ودال عليه، قد ميزنا الله بالعقل، لنستخدمه في أي شأن من شؤون دنيانا، به نتوقى الأخطار ونعتنق المختار، والميت غير موجود لأنه لا تفكير له، والإنسان الذي لم يُخلَق بعد غير موجود كذلك ويعتمد الفكر على المحسوسات.

إن الأصل في الإنسان عدم العلم، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ثم استقى معرفته من بحار الوحي والعقل والحس.

ولما كانت العلوم تحتاج إلى التفكير، فقد وضع العلماء علم المنطق، ليوجه العقل إلى طريق الصواب، هذا المنطق متعارف عليه كل البشر بعكس اللغات فلكل قوم لغتهم. والمنطق في اللغة أي الكلام، قال الله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، أي كلام الطير، فلقد فهمها سيدنا سليمان، كما يفهم أحدنا كلام ونطق بعضنا، وإلا فإن الطير لا تتكلم كما هو معروف لكن يصدر أصواتاً وهي التي فهمها سليمان عليه السلام دون غيره. لكن هذا الكلام ليس كلاماً مجرداً، وإنما مقرون بالتفكر، ومن هنا فإن المنطق هو الكلام الجيد المرتب المفهوم، وهذا سر استخدام القرآن للفظة (منطق الطير) فقد اكتشف حديثاً أن الطير حباه الله بنوع من الذكاء، ويدل على ذلك قول الهدهد: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأ بِنَبَأ يَقِينٍ)، فقد فهم وحفظ ما رآه وبثقة، كذلك قصة الغراب الذي علم قابيل دفن أخيه هابيل، هذه القصة مسطرة في القرآن الكريم.

وأهمية علم المنطق جاءت من حيث تعارف البشر عليه، ومن حيث استخدامه في أصول الدين وأصول الفقه وهما علمان شريفان مهمان عند المسلمين، حيث الأول ينفي الشرك عن الله، ويثبت ما جاء به الرسول من عند ربه علوم وعبادات وأعمال، بينما الثاني ضروري لمعرفة استنباط الأحكام الشرعية وكيفية إثباتها من أدلتها وكيفية ثبوت تلك الأدلة وحجيتها، والقواعد المنطقية المستخدمة في علم الكلام وأصول الفقه والتصوف يكشف لنا العلاقة بين علم المنطق والعلوم الإسلامية، لقد استوظِف علم المنطق في الإسلام مما كساه الكمال والشمول فشمل الروح والمادة، بخلاف المنطق الأرسطي والمنطق الحديث فهما منحصران في المادة، والملاحظ أن القرآن الكريم والسنة النبوية احتوتا على قياسات كثيرة واضحة واستدلالات مقنعة في معالجة العقائد وما تبعها.

وينسب علم المنطق إلى العلوم العقلية، والراجح أنه قسم من الفلسفة ومدخل إليها، فالفلسفة تبحث في أفكار العلوم، بينما المنطق مختص بالفكر البشري. والتفكير هو عملية ربط بين عدة معلومات لمعرفة مجهول، والفكر حركة العقل بين المعلوم والمجهول، والتخييل حركة العقل في المحسوسات، والنظر هو الفكر المؤدي إلى معرفة، يقينية أو ظنية. و(موضوعه) شيئان: الأول المعرِّف أي التعاريف، والثاني: الحجة وهي الأدلة والبراهين, فالأول عبارة عن معلوم تصوري يقود إلى مجهول تصوري، كتصور الفلز يؤدي إلى تصور الذهب، والثاني هو عبارة عن معلوم تصديقي يقود إلى مجهول تصديقي.