أفكار وآراء

قراءة إسرائيلية مغرضة .. لتطورات طارئة

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

عماد عريان -

بغض النظر عن عمق المشكلات الأمنية التي تضرب عديدا من الدول العربية، سواء أكانت حروبا أهلية مريرة أو صراعات حادة على السلطة أو عمليات إرهابية خطيرة، وبغض النظر كذلك عن الخلافات العربية البينية سواء كانت طارئة أو سحابات صيف عابرة أو مقيمة لفترة من الزمن، إلا أنه من الواضح أن الطرف الأول المستفيد من كل ما يحدث ويعصف تماما بمنظومة الأمن القومي العربي هو إسرائيل التي حصلت بدون شك على هدايا مجانية لا حدود لها بدون أي كلفة أو غرامات، اللهم إلا جهودها الخفية المكثفة لإشعال الأوضاع في المنطقة بما يخدم مصالحها الذاتية منذ أحداث الربيع العربي قبل أكثر من ست سنوات وفي سياق حروب الجيلين الرابع والخامس. إن الأمة العربية تمر بالفعل بواحدة من أخطر فتراتها عبر كل تاريخها وتكاد أن تكون هي الأخطر في تاريخها المعاصر، حيث تزايدت المواجهات المسلحة الداخلية والحروب والخلافات البينية، والأخطر من ذلك هو التدخلات الخارجية الرهيبة في تلك الصراعات وتأجيجها، وتزايد التواجد الأجنبي المسلح على الأراضي العربية مما أفقد مفهوم الاستقلال الوطني قيمته وجعله في مهب الريح وهو الذي طالما حاربت أمتنا العربية وناضلت من أجل تحقيقه وبلوغ أهدافه، ليس هذا فحسب، فكثير من أراضينا العربية تحولت إلى ميادين شاسعة للرماية بكل أنواع الأسلحة من جانب قوى أجنبية وإقليمية مما أدى إلى خسائر جسيمة على كل المستويات كما رأينا وتابعنا في العراق وسوريا واليمن وليبيا، أضف إلى ذلك تزايد احتمالات تمزيق وتقسيم تلك الدول المنكوبة مما يسرع في الوقت ذاته من وتيرة تصعيد الأزمات والخلافات العربية الداخلية والبينية، وإذا كانت إسرائيل كما سبق الذكر هي المستفيد الأول بما جرى ويجري وسيجري، إلا أن ذلك لا يعني أن قراءاتها للأحداث القائمة في الأمة العربية والطارئة منها على وجه الخصوص هي قراءات صحيحة، الواقع أنها خاطئة تماما ويجانبها الصواب وليست أكثر من محاولة جديدة من محاولاتها الدائمة للاصطياد في الماء العكر» وهي التي حاولت دوما تعظيم مكاسبها على جثث الآخرين وفي كل تصعيد للتوتر داخل الأسرة العربية لتقدم نفسها أمام العالم باعتبارها «الملاك الطاهر» تماما كأكذوبتها الدائمة بأنها «واحة الديمقراطية» في منطقة الشرق الوسط . ولأنها لا تترك فرصة تمر هكذا دون تعظيم القيمة المضافة لسياساتها التخريبية، فقد ذهبت إسرائيل إلى أن الخلافات العربية القائمة تعكس صحة التوجهات السياسية ووجهات النظر الإسرائيلية منذ البداية، وأن العرب أدركوا في النهاية أن إسرائيل ليست عدوتهم وأن عدوهم الأول هو الإرهاب وأنها على أتم استعداد لخوض هذه الحرب مع الأطراف كافة، هذه بالتأكيد قراءة مغلوطة تخلو من أي منطق، بل إنها تنطوي على مراهقة سياسية لا تنطلي على العالمين ببواطن الأمور وتمثل في الوقت ذاته خلطا للأمور وافتئاتا على الحقائق التاريخية والحاضرة، وهي أيضا قراءات تنطلق من إحساس زائف بالنشوة كونها ترى جماعات ودولا محسوبة على صفوف المقاومة التي أرهقتها كثيرا تعاني من موقف سياسي طارئ يضعها في خانة الأزمات وعلى رأسها كما هو معلوم إيران وحزب الله وحركة حماس، بغض النظر عن تقييم توجهاتها السياسية والأمنية ومدى خطورتها على منظومة الأمن القومي العربي من عدمه، فالمراد هنا إظهار درجة العدوانية والنفعية والانتهازية الإسرائيلية التي لا تكف عن العبث بمقدرات الأمة العربية وتأجيج صراعاتها وتعميق مشاكلها. فلاشك في أن يد إسرائيل العدوانية تلعب الدور الأخطر في صناعة هذا التوتر من خلال وسائل وأساليب حروب الجيل الرابع التي تمنحها إمكانية تحقيق أهدافها بدون تدخلات عسكرية صريحة ولكن بوسائل حديثة تكفل لها تحقيق أهدافها والكثير من مكاسبها بدون خسائر ظاهرة أوخفية.

لقد عكست الشيء الكثير من هذا التحليل التصريحات الفورية لوزير«الدفاع» الإسرائيلي إيفجدور ليبرمان الذي اعتبر الخلافات الجارية فرصة لإسرائيل للتعاون مع دول أخرى في المنطقة لمكافحة الإرهاب، زاعما أن الأزمة « ليست بسبب إسرائيل، بل بسبب مخاوف من الإرهاب» .. وبالتالي ومن وجهة نظره «لا شك في أن هذا يتيح العديد من الإمكانيات للتعاون في الحرب ضد الإرهاب»! ولا تضيع إسرائيل الفرص مرارا وتكرارا لـ« مد يدها للتعاون في المعركة ضد الإرهاب»، وهو ما تعكسه كلمات ليبرمان مجددا: «أعتقد أن إسرائيل منفتحة على التعاون، والكرة حاليا في ملعب الآخرين» .. وتلك مزاعم زائفة بكل تأكيد لأنها تحاول تغيير وتبديل الحقائق التاريخية المستقرة بغض النظر عن طبيعة علاقاتها مع الأطراف التي تصعد ضدها، فهي لن تتردد في مثل هذه التصرفات ما دامت تحقق لها مصالحها الإستراتيجية العليا، وبينها على سبيل المثال سعيها لتمرير صفقة سلام مشبوهة مع الفلسطينيين في ظل الأجواء الضبابية التي تمر على الوطن العربي عموما، حيث يرى زعيم المعارضة هرتسوج أن على إسرائيل الدفع بعملية سلام إقليمية الآن في ظل الخلافات الجارية : «الآن هو الوقت لإظهار القيادة والتوجه نحو مبادرة إقليمية شجاعة» على حد قوله.

ليس خافيا أنه على مدار الأشهر الماضية استمرت محاولات إسرائيل المضنية لنسف الاتفاق الدولي بخصوص البرنامج النووي الإيراني حتى مع وجود ضمانات وقيود وضوابط دولية صارمة تضمن عدم عسكرة هذا البرنامج، إلا أن إسرائيل تعتبر موقفها مسألة مبدأ وترى أن إيران باتت على أعتاب إنتاج أسلحة نووية ويجب منعها من ذلك، مستفيدة في هذا من التوترات الإقليمية المتفاقمة والمسألة الطائفية التي تفجرت وتزايدت أيضا بشكل مخيف، بما يحقق المصالح الإسرائيلية، فهذا الذي يحدث في المنطقة العربية يمثل بدون أدنى شك أفضل الهدايا المجانية التي يمكن أن تحصل عليها ويحقق لها أهدافا ما كان يمكن تحقيقها لو شنت بنفسها وبقواتها عشرات الحروب، فأن تكون الحروب الأهلية مشتعلة في سوريا واليمن والعراق وليبيا بهذا الشكل المدمر، تلك أمور تساعد بلا شك حكومة نتانياهو على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب المجانية، بل والعمل على تعظيمها من خلال استغلال الموقف الراهن وتصعيد حالات التوتر القائمة بين مختلف الأطراف. يساعدها على ذلك تلك الحالة الغريبة والغامضة، كونها تقريبا الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وربما العالم التي لا تخشى داعش كما كان حالها تماما مع تنظيم القاعدة برغم أنه يفترض أن مثل هذه الجماعات المتشددة ظهرت إلى الوجود ومن ضمن أهدافها الأساسية إبادة إسرائيل، ولكن الواقع الحالي يرصد عكس ذلك تماما حيث لا تقترب تلك الجماعات من إسرائيل، بل إن تنظيم داعش ظل يواصل عملياته ويتمدد ضد المسلمين والعرب كما تمر السكين في قالب من الزبد وكأن عمليات التحالف الدولي كانت تمهد له الطريق بالقصف الجوي بدلا من وقف هجماته، والمثير أيضا أن عمليات داعش التي طالت المواقع الأثرية والتاريخية في العراق تصاعدت في مثيلتها في تدمر السورية وكأنها سياسة مخططة من قوى شيطانية كبرى، وتفتح تلك الحقائق المرتبطة بداعش والحروب الأهلية العربية وهداياها المجانية العيون مجددا حول حقيقة الدور الإسرائيلي في تصعيد التوتر بالمنطقة وإذكاء نيران الحروب فيها. وقد تزايد هذا الدور في ظل حكومة نتانياهو في السنوات الماضية من خلال كتائب المخابرات الإلكترونية الخاصة، وأغلب الظن أنه سيتزايد في ظل حكومته المتطرفة وذلك للتكيف مع حقائق العصر الجديدة والظروف الدولية القائمة التي لا يستطيع نتانياهو في ظلها شن حروب عسكرية صريحة فيصبح البديل أمامه التخريب من داخل الدول المستهدفة، وهذا ما يجري بالفعل على أرض الواقع وسيستمر في الغالب في المرحلة المقبلة لتلعب حكومة نتانياهو المتطرفة دورها المعهود في تصعيد التوتر بالمنطقة، ليس فقط للتهرب من استحقاقات السلام ولكن أيضا لتأكيد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.

حقا إن الظروف الراهنة تلعب لصالح إسرائيل، ونتانياهو على سبيل المثال يأمل أن يرى من وصفهم بـ «الأعداء القدامى يصبحون اليوم شركاء»! وأضاف أنه: « للمرة الأولى في حياته يرى أملا بحدوث تغيير في العالم العربي تجاه إسرائيل»، وكذلك يحلم باليوم الذي يزور فيه رئيس وزراء إسرائيلي عواصم عربية مباشرة من تل أبيب، ولكن برغم هذا المشهد فان القراءات الإسرائيلية المغرضة لما يجري تفضح وتكشف أهدافها وأدوارها الخفية ومآربها الخبيثة في تغيير خريطة الشرق الأوسط تغييرا شاملا بما يحقق مصالحها، كذلك فإن حقائق التاريخ لا تسقط بسهولة وتدرك الشعوب العربية جيدا وقاداتها - بغض النظر عن أي خلافات - أن إسرائيل هي الطرف الأخطر على المدى الطويل وأن محاربة الإرهاب لا تتعارض أبدا مع محاربة العدو التاريخي المغتصب للأراضي العربية .