أفكار وآراء

بريطانيا بعد الانتخابات..أرقام وتوقعات!

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

عبد العزيز محمود -

رغم تصدر حزب المحافظين الحاكم للانتخابات العامة المبكرة التي شهدتها بريطانيا يوم الجمعة الماضية (الموافق 8 يونيو الجاري) وحصوله على أكبر عدد من المقاعد والأصوات، لكن انتصاره كان بطعم الهزيمة فقد تراجع عدد المقاعد التي يشغلها في مجلس العموم إلى 318 مقعدا مقابل 331 مقعدا فاز بها في انتخابات 2015.  

وبفقدانه 13 مقعدا دفعة واحدة خسر الحزب الأغلبية المطلقة في مجلس العموم، ولم يعد بوسعه منفردا تشكيل الحكومة، مما اضطره للائتلاف مع حزب الديمقراطيين الوحدويين الإيرلندي الشمالي لتشكيل حكومة أقلية برئاسة تيريزا ماي.

الحكومة الجديدة هي الثانية التي تشكلها ماي، بعد الحكومة الأولي التي شكلتها في يوليو 2016 عقب استقالة ديفيد كاميرون، من رئاسة الحكومة وزعامة حزب المحافظين، فور الإعلان عن نتيجة استفتاء البريكست، الذي أيد فيه 51.8% من الناخبين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كانت نتيجة الانتخابات غير متوقعة ومخيبة للآمال، فتيريزا ماي رئيسة الوزراء وزعيمة حزب المحافظين دعت في أبريل الماضي لانتخابات عامة مبكرة، لتعزيز أغلبية الحزب في مجلس العموم، ودعم موقف الحكومة في مفاوضات البريكست المقرر إجراؤها في 19 يونيو الجاري.

وكان الهدف من التعجيل بالانتخابات التي كان مقررا إجراؤها في 7 مايو 2020، وضع حد للانقسام السياسي في بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقطع الطريق أمام دعوة لاستفتاء على استقلال اسكتلندا، وتحقيق استقرار سياسي يساعد على تحسين وضعية الاقتصاد، خاصة بعد أن فقد الجنيه الاسترليني 20٪ من قيمته بسبب البريكست.

لكن نتيجة الانتخابات لم تكن في صالح حزب المحافظين، الذي ارتكب أخطاء من بينها تركيز حملته الانتخابية على قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما استفز رجال الأعمال والشركات الكبرى، الذين شعروا أن مصالحهم في خطر، وتمسكه بسياسة التقشف وزيادة الضرائب وتراجع الخدمات والتي لا تحظى بتأييد شعبي.

وفي المقابل نجح حزب العمال المعارض بزعامة جيريمي كوربين في الحصول على الترتيب الثاني في الانتخابات، وزيادة عدد مقاعده في مجلس العموم الى 261 مقعدا مقابل 232 مقعدا فاز بها في انتخابات 2015 ليصبح الفائز الحقيقي هذه المرة.

نجاح العمال في زيادة مقاعده 29 مقعدا في مجلس العموم، جاء نتيجة تركيز حملته الانتخابية على قضايا مهمة كالتعليم والصحة ورفض الخصخصة وخفض الضرائب وإلغاء الرسوم الجامعية، مما أعطاه تأييدا شعبيا خاصة في أوساط الشباب.

وبدا واضحا أن أصوات الشباب البريطاني صنعت فارقا، خاصة مع ارتفاع نسبة إقبالهم على التصويت إلى 69% مقارنة بـ43% في انتخابات 2015، فضلا عن تمكن جيريمي كوربن من تدعيم زعامته لحزب العمال بعد فترة حافلة بالانشقاقات.

وساهمت العمليات الإرهابية التي وقعت في مانشستر ولندن قبيل الانتخابات، والتي تسببت في مقتل وإصابة العشرات، وتوقف الحملات الانتخابية مرتين، في إحساس الناخبين البريطانيين بعدم الأمان، وفقدان الثقة في السياسات الأمنية.

من جهة أخرى حصل الحزب القومي الاسكتلندي الذي يدعو لاستقلال اسكتلندا على 35 مقعدا، مقابل 56 مقعدا في انتخابات 2015، مما يعني خسارته 21 مقعدا، بينما فاز حزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد لأوروبا بستة مقاعد إضافية، ليرتفع عدد مقاعده في مجلس العموم إلى 12 مقعدا، وفاز الديمقراطيون الوحدويون بـ 10 مقاعد، والاستقلال اليميني بـ 10 مقاعد، وتوزعت الثلاثة مقاعد الأخيرة على أحزاب أخرى.

يذكر أن البرلمان البريطاني يتألف من 650 مقعدا تمثل أقاليم المملكة المتحدة الأربعة (إنجلترا وأسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية)، وتتوزع كالتالي: 533 مقعدا لانجلترا الأكبر مساحة وسكانا، و59 لاسكتلندا، و40 لويلز، و18 مقعدا لأيرلندا الشمالية.

وتقتصر المنافسة في الانتخابات البريطانية، التي تجرى كل خمس سنوات، على ثلاثة أحزاب رئيسية، هي المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار، مع ظهور بعض الأحزاب الأصغر كالخضر، وحزب استقلال المملكة المتحدة، لكن تأثيرها يظل محدودا بسبب ضآلة تمثيلها البرلماني.

وفي ظل النظام البرلماني الذي يحكم بريطانيا، فللحزب الفائز بـ 326 مقعدا (50% من مقاعد مجلس العموم+ مقعد واحد) تشكيل حكومة أغلبية، مما يعني قدرته على تمرير القوانين بدون الاستعانة بأي حزب آخر، لكن الانتخابات المبكرة الأخيرة أسفرت عن حكومة أقلية محافظة يدعمها حزب الديمقراطيين الوحدويين في مجلس العموم، مما يعني أنها سوف تواجه عراقيل من قبل الأحزاب الأخرى خاصة العمال، وربما تتعرض للإسقاط مستقبلا عبر التصويت بحجب الثقة.

وهذا ما حدث مرات عديدة في بريطانيا، ففي عام 1974 شكل هارولد ويلسون زعيم حزب العمال حكومة أقلية لم تصمد إلا لمدة سبعة أشهر. وفي عام 1977 شكل جيمس كالاهان من حزب العمال حكومة أقلية أسقطت في عام 1979 بحجب الثقة، وفي ديسمبر 1996 شكل المحافظون حكومة أقلية برئاسة جون ميجور صمدت حتى انتخابات مايو 1997، وفي عام 2009 شكل جوردون براون زعيم حزب العمال حكومة أقلية مع الديمقراطيين الأحرار صمدت حتى انتخابات عام 2010.

وفي ظروف مشابهة تشكل تيريزا ماي حكومتها، في مواجهة انتقادات عنيفة داخل وخارج حزب المحافظين، فقيادات الحزب وقواعده تشعر بالصدمة جراء فقدان الأغلبية في مجلس العموم، والمجموعة البرلمانية المعروفة باسم اللجنة ١٩٢٢ تطرح تساؤلات بشأن طريقة ماي في القيادة، والمعارضة تطالبها بالاستقالة.

بل إن الانتقادات امتدت لطريقة إدارة العملية الانتخابية، وأيضا للبرنامج الانتخابي الذي وصف بأنه أسوأ برنامج انتخابي في تاريخ المحافظين مما دفع مستشاري رئيسة الوزراء المسؤولين عن إعداد البرنامج، نك تيموثي وفيونا هيل للاستقالة من منصبيهما.

كما تقرر تعيين وزراء جدد بدلا من أولئك الذين خسروا مقاعدهم في الانتخابات وعلى رأسهم: نيك كليج نائب رئيس الوزراء، وجافن بارويل وزير الإسكان، وروب ويلسون وزير الشؤون الخيرية، وجين أليسون الأمين المالي للخزانة، وبن جومر وزير مكتب مجلس الوزراء، وسيمون كيربي وزير الاقتصاد للخزانة، وإدوارد تيمبسون وزير الدولة لشؤون الأطفال والأسر، وروب ويلسون وزير المجتمع المدني.

لكن وزراء بارزين سوف يحتفظون بمناصبهم في الحكومة الجديدة وفي مقدمتهم: فيليب هاموند للخزانة، وبوريس جونسون للخارجية، وأمبر رد للداخلية، ومايكل فالون للدفاع، وديفيد ديفس لوزارة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتمت ترقية داميان جرين لمنصب الوزير الأول، (الرجل الثاني بعد ماي) بعد أن كان وزيرا للمعاشات والتقاعد، وتم اختيار مايكل جوف للبيئة.

ومن المقرر أن تبدأ الحكومة الجديدة برئاسة تيريزا ماي مفاوضات البريكست في ١٩ يونيو الجاري حول خروج بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، ما لم يتم تأجيل الموعد لوقت لاحق، وتشمل المفاوضات مشروع القانون المالي للخروج، والعلاقة التجارية المستقبلية، ووضع مواطني بريطانيا في أوروبا ومواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، وفي خريف ٢٠١٧ من المتوقع أن تصدر بريطانيا تشريعا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وتحديد وضع كافة القوانين الأوروبية المطبقة في بريطانيا (مشروع الإلغاء العظيم).

وتحاول بريطانيا إتمام عملية «البريكست» بشكل سريع ومنظم وبأقل خسائر ممكنة، وسط توقعات بأن تقتدي بالنموذج السويسري، بالتفاوض مع الاتحاد على اتفاقيات تجارية، أو النموذج النرويجي، بما يضمن انضمامها للمنطقة الاقتصادية الأوروبية، أو بالنموذج التركي، بأن تبرم اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي.

ومن المحتمل أن تسعى بريطانيا للتفاوض وفق شروط خاصة بها، من بينها القبول باتفاق انتقالي حتى عام 2022 يسمح باستمرار حرية التنقل وصلاحية السلطات القضائية لمحكمة العدل الأوروبية، وفور انتهاء المفاوضات لن يتم الخروج رسميا حتى توافق الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد على الاتفاق، وأيضا البرلمان البريطاني والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي.

إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يفقدها كل امتيازات العضوية وأهمها حرية دخول السلع والخدمات دون تعريفة جمركية، وأيضا اتفاقيات التجارة الحرة مع 53 دولة، كما ستقل حصيلة الضرائب وفق تقديرات وزارة الخزانة البريطانية بنحو 36 مليار جنيه استرليني، وانخفاض الناتج القومي الإجمالي بنسبة 6.6% بحلول عام 2030

كل الدلائل تقول: إن الاتحاد الأوروبي يريد أن تبقى بريطانيا شريكا جيدا، حتى بعد خروجها من الاتحاد، لكن عدم تمتع حكومة ماي بالأغلبية المطلقة في مجلس العموم قد يجعل مفاوضات البريكست المعقدة أكثر تعقيدا، والسؤال الآن هل تنجح تيريزا ماي في قيادة مفاوضات البريكست، أم لا؟