روضة الصائم

من واقع الحياة: الاعتزاز بالهوية

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

حمود بن عامر الصوافي -

وصلتني رسالة بشرى ولادة بنت لأحد زملائي، فأرسلت له التهنئة، فاستشارني في التسمية قائلا: أريد أن أسمي باكورة بناتي:(لمار) أعربي أم أعجمي؟ إسلامي أم غير إسلامي؟ قلت له: هو اسم ككل الأسماء لكن يعتمد على جذره اللغوي الذي به نعرف أصله أو منشأه، ومعناه؟

بدا لي أول وهلة أنه أعجمي النشأة فقلت: أتأكد من معناه فوجدت أنه اسم فرنسي معناه بريق أو بصيص، أو تألق الخ والعامة تقصد به الألماس والذهب، لذا لا عيب في معناه ولكنه اسم غير عربي أو لا يمت إلى العروبة والأسماء الإسلامية بصلة، وإن شاع بين بعض المسلمين وسموا بناتهم به وتجارتهم كأبراج لمار المشهورة في جدة بالسعودية.

قال لي ما رأيك به؟ قلت له: أنت الأب والأولى في اختيار اسم ابنتك. قال: بل أريد رأيك في هذا الاسم؟ قلت له أقترح لك أن تغيّره، ولكن لا تعجل دعني أسأل أحد علماء اللغة فلعل به نحتا أو اشتقاقا لا أعرفه، فسألت أستاذي الدكتور هادي فأجابني بقوله: «ليس في لمار إلا الوقع الموسيقي، أما المعنى فليس له في العربية أصل. يمكن أن يكون من مصطلحات النصرانية الدال على مقام مثل: مار جرجس: أي مقام جرجس وهو بلا لام. ومع اللام يقترب من معنى الترمّل وإن لم يكن دالا عليه».

فقلت لزميلي: هذا رأي علم من علماء اللغة، ولك الخيار في التسمية وشاور زوجك في اختيار الاسم وانتق الأحسن فالأحسن.

ثم سألني عن معنى «إيلاف» فقلت له: قد أصبت الاختيار فهو من الألفة والمودة فلا تتردد في تسميته.

فخلت أنه سمى به، ثم لم يلبث أن عاود الإرسال مرة عقب الأخرى يستفسر عن (لمار) فما زال يطن في رأسه هذا الاسم، ولعل شريكة حياته لم تنفك في إحباط محاولات الإجهاض على اسم (لمار)، وحجتها أن بعض أهلها قد تسمو به، وأن له جمالا موسيقيا، وأنه منتشر وذائع صيته.

وصاحبي لا يزال يرسل إلي مقاطع عدة، وجوابات لمشايخ تجيز التسمية باسم لمار وأنا أضحك بملء شدقي قائلا: ومن قال لك أنه حرام؟ كما أني لم ألزمك بعدم التسمي به؟

بل ذكرت لك وجهة نظري، ورأيت أن الأسماء العربية أو ما يرمز إلى معتقداتنا وأفكارنا وديننا أفضل من الأسماء الأجنبية، ولو بدت ذات نغم موسيقي جميل فهل تستسيغ تسمية ابنك (جورج بوش) أو (ترامب) أو (جون) طبعا ستقول: لا، وأنا أقول لك اختر لابنتك ما يعينها على تذكر أهلها ويعزز لديها الهوية الإسلامية، ولا تربطها بما لا يمت إلى عروبتها أو دينها أو هويتها بشيء.

قال لي: هناك أسماء أعجمية تسمينا بها ووردت في القرآن كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق الخ قلت له: لا حرج في ذلك فهي من تراثنا الإسلامي الذي لا لبس فيه ولا غضاضة في التسمية بها فقد صارت منا وتعربت باستعمالنا لها.

وربما كانت عربية في الأصل كما ذهب إلى ذلك الدكتور هادي حسن حمودي في موسوعة معاني ألفاظ القرآن فقد قال: «والذي نراه في هذا الشأن أن اسم إبراهيم اسم عربي صحيح فهو من اللغة العربية القديمة قبل انشطارها إلى اللغات السامية المعروفة. ويبدو لنا أنه من الصفات التي انتقلت إلى الاسمية كما هو الحال في لفظة محمد مثلا، ونرى أن معنى إبراهيم المرء الذي يطيل التفكير والتدبر. فالبرهمة: إطالة النظر في الشيء والتفكر به»اهـ. أضف إلى أن هذه الأسماء لأنبياء وأناس صالحين خليق بنا أن نتسمى بها ولو لم تكن عربية.

قال: لماذا تحرمون بعض الأسماء وتجيزون بعضها، وتضيقون على الناس في اختيار أسماء أبنائهم وبناتهم.

قلت له: ليس تضيقا في الحلال ولكن من باب المحافظة على الهوية والثقافة العربية والإسلامية في مجتمعاتنا التي نراها تتآكل في هذه الجوانب يوما بعد يوم.

فالتماهي مع الآخر وتقليده في الأسماء والشكليات لا يغير في حالتنا المرزوءة والمزكومة، ولن يرفع من قيمتنا اتجاه الآخرين بل الاستفادة من الآخرين في الجوهر وما يعود بالنفع علينا مع تمسكنا بعاداتنا الجميلة وهويتنا الناصعة هو الذي يضمن لنا تقدمنا واحترام الخصم لنا.

فلماذا ننقص من قدرنا ونغض الطرف عن أسماء علمائنا ومفكرينا وملوكنا ونرتمي في أحضان أعدائنا فنتسمى بهم ونقلدهم ونمشي كمشيتهم ونلبس كلباسهم؟ فلتكن لنا بصمتنا في حياتنا ومأكلنا وملبسنا ولنستفد من الآخرين فيما ينفعنا ويجعلنا في مصاف الدول المتطورة، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».