أفكار وآراء

الزكاة من منظور اقتصادي

10 يونيو 2017
10 يونيو 2017

سالم بن سيف العبدلي -

[email protected] -

الإسلام دين رحمة وتكافل ومعاملة فهو مثال للعطاء والتكاتف بين المسلمين بعضهم البعض وجاءت العبادات وأركان الإسلام الخمسة لتبين للمسلمين أسس ومبادئ الإسلام الصحيحة السمحة والتي لابد من أدائها فهي أركان أساسية واضحة للجميع من تلك الأركان الزكاة والتي جاءت مباشرة بعد الصلاة في الترتيب وفرض الله هذه الشعيرة على عباده المؤمنين المقتدرين ماديا والذين لديهم الأموال ويتحكمون فيها.

وقد فرضت هذه العبادة لحكمة ربانية عظيمة فهي وسيلة من وسائل التكافل الاجتماعي والاقتصادي والمساواة بين الناس بحيث تؤخذ من أموال أغنياء المسلمين وتعطى إلى فقرائهم المحتاجين بنظام ونسب محددة، والزكاة في اللغة هي البركة والطهارة والنماء والصلاح، فالمسلم الذي يزكي ماله يبارك له الله في أمواله وأرزاقه وأولاده ويعطيه خيرا كثيرا كما أن أمواله سوف تنمو وتتكاثر ويأتيه الخير الوفير من حيث لا يعلم ولا يحتسب وسميت كذلك لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه وتقي المزكي من الآفات والأمراض.

لقد جعل الله تعالى البشر متفاوتين في كل شيء في الشكل واللون والذكاء والفهم كما انهم يتفاوتون أيضا في مدى قدرتهم الحصول على المال فأعطى الله من واسع فضله ورزقه لعدد من الناس ليكونوا أغنياء ويتحكمون في الثروة وفي نفس الوقت ابتلى البعض منهم بالفقر والفاقة والحاجة وذلك لحكمة إلهية وهي ان يدرك الشخص الغني بأن المال مال الله وانه مثل ما أعطاه إياه قادر على ان يمنعه عنه.

ولنا في قصص القرآن الكريم عبرة حسنة وينبغي ان لا يغتر الإنسان المؤمن بهذا المال و إنما عليه أن ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير المختلفة فهو مؤتمن عليه ، كما أن حكمة الله تعالى اقتضت ان يكون بعض البشر فقراء محتاجين من اجل ان يتعلموا الصبر والقناعة وعدم التذمر وان يرضوا بما قدره الله لهم و أعطاهم إياه من رزق ومال.

حكمة مشروعية الزكاة أنها تصلح أحوال المجتمع ماديا ومعنويا فيصبح جسدا واحدا متكافلا متعاونا متحابا، والزكاة تطهر النفوس من الشح والبخل، وهي صمام أمان في النظام الاقتصادي الإسلامي ومدعاة لاستقراره واستمراره في الحياة، وهي عبادة مالية خالصة لوجه الله تعالى، من خلالها يساعد المسلم المقتدر أخيه المحتاج بدون منة ولا سؤال فماذا لو قام كل مسلم مقتدر ماليا بتأدية هذه الفريضة وتنقية ماله والذي هو في حقيقة الأمر ليس ملك له و إنما هو مال الله استخلفه واستودعه عليه لقوله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (سورة النور33) لا شك أننا سوف لا نرى في بلاد المسلمين شخصا محتاجا أو فقيرا، ولأصبح الجميع يعيشون في سعادة ورغد عيش وهناء.

إن إخراج الزكاة من أموال الأغنياء لمستحقيها من الفقراء والمساكين والأصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله يسهم إسهاما قويا في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي، وقد عالج الإسلام الحنيف الفقر بإخراج الزكاة بحيث يسهم الأغنياء في ذلك من خلال دفع زكاة مالهم بشكل سنوي وهي حصة ثابتة ومعروفة تقدر بربع العشر أي 2.5 % من الأموال والذهب والفضة والتجارة وغيرها من مصادر الرزق وهذه هي نعمة الإسلام التي نحن ابتعدنا عن أسسها ومبادئها الحميدة بينما الآخرون يطبقوها ربما عن علم أو من غير علم.

لدينا في المجتمعات الإسلامية العديد من الأغنياء الذين وهبهم الله الخير الكثير إلا انهم وللأسف الشديد يقترون ويبخلون حتى على أنفسهم وأهليهم ويخزنون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، البعض منهم لديه عقارات ومبان وتجارة واسعة وأرباحه السنوية تصل الى ملايين الدولارات الا انه لا يبادر الى تزكيتها أحد هؤلاء قرر سنة من السنوات أن يحسب زكاة ماله فوجد أنها تتجاوز المليون دولار أمريكي وعندما سمع الرقم تراجع قليلا إلى الخلف وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة لعله كان يقول في قرارة نفسه كيف لي أن اخسر أكثر من مليون دولار واعتبر الزكاة خسارة ولم يعلم انه هو الخاسر الأكبر فهو سوف يذهب بعد حين ويترك جميع أمواله إلى غيره.

العديد والعديد من أثرياء المسلمين يفكرون بنفس هذا المنطق فهم يجمعون المال الكثير ويرابحون به ناسين أو متناسين أنهم لم يربحوا أبدا ما لم يزكوا ذلك المال، في المقابل هناك أشخاص فقراء يعيشون في منازل من الصفيح ليس لديهم مبالغ لشراء احتياجاتهم الضرورية لأبنائهم ولا يجدون ما يسد رمق يومهم هذه الفئة موجودة في كل مكان حيث ما زال البعض منهم يعيش في بيوت متهالكة غير صالحة للإقامة ومن يبحث عنهم يجدهم موجودين في الأحياء السكنية والأزقة وسوف يرى العجب العجاب. فأين هؤلاء المصابين بتخمة المال من قصص الصحابة والتابعين الذين كانوا يتسابقون الى فعل الخير ومساعدة المحتاجين وإنفاق أموالهم في سبيل الله، وفي السلطنة لو أن أثرياء الوطن قاموا بتزكية أموالهم سوف لن نجد فقيرا أو محتاجا فهذه الزكاة سوف تخفف عن كاهلهم خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعيشها حاليا والتي لا يشعر بها إلا المحتاجون.