روضة الصائم

ليس من رأى كمن سمع «1»

09 يونيو 2017
09 يونيو 2017

حمود بن عامر الصوافي -

نتمتع في بلدنا بحقوقنا على أساس المواطنة الصحيحة، وحرية الاعتقاد التي ضمنها الشرع والقانون.

ثم انتقل مفتاح الخير بالأخ من حديث إلى حديث فقد طاب به المقام وأنس بلقائه.

يقول مفتاح الخير: فلما رأيت البشر في وجهه والخير من حديثه قلت في نفسي: هذا مغرر به، ومحذر أشد الحذر من الاختلاط بالإباضية، فلا يليق بنا أن نتركه على هواجسه القديمة وتعصباته المقيتة، فنما إلى ذهنه أن يدعوه للاختلاط بالشيخ والشباب.

فقال له: يا أخي لدينا درس عن تزكية النفس بعد صلاة الشروق. هلّا جئت معنا إلى السكن وتحلقت مع الشيخ معنا؟ حاول أن يعتذر بادئ الأمر لكنّ مفتاح الخير رغبّه وأصر على حضوره.

فوافق على الذهاب واللقاء بالشيخ والاستماع إليه، وقد كان الدرس عن تزكية النفس وتهذيبها وقد عرف هذا المسلك عن علماء الإباضية والأمة قاطبة مدى أهميته في القضاء على أمراض القلب ولأهوائها وتخليصها من الغل والحسد والضغائن.

فاستمع الرجل إلى حديث الشيخ بنهمٍ، وأخذ يهز رأسه مرة تلو الأخرى كناية عن الإعجاب وحب الاستزادة والارتشاف من علم الشيخ ولا غرو في ذلك فما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء سوى العلم، قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه/‏‏114].

وأخذ الجزر القمري يسأل ويستفسر من الشيخ بعد نهاية الدرس، والشيخ يجيبه بسعة صدر وروح المؤمن التقي.

فلما انتهى الدرس وقدم الطعام والريوق إلى الرجل خرج برفقة مفتاح الخير فلم يتمالك نفسه أن قال لمفتاح الخير: (بأن السكينة قد انحطت على نفسه من هذا اللقاء وأن الخير قد علاه من رؤيته لأولئك الطلبة متحلقين بالشيخ، فقد ذكره اللقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته جلوسا حوله، فما أجمل مراتع الذكر! وما أحلى حلقات العلم في جو هادئ لا تنفير فيها ولا تعسير).

فسارا معا حتى وصلا إلى الحرم، طافا وصليا صلاة الإحرام، فتفاجأ الجزر القمري أن صاحبه مفتاح الخير لم يرفع ولم يضم في صلاته فأتى إليه مسرعا وهو يعيد شريط ذكرياته في تلك الساعة مرة تلو الأخرى، ويتذكر الطلبة الذين التقى بهم أول وهلة وهم جلوس ضمن مجموعة الشيخ، وتساءل في نفسه: أيعقل أن يكون صاحبي إباضيا؟ والشيخ إباضيا؟ وجل الطلبة إباضيين؟ ألم أسمع عن شيوخي أنهم خوارج؟ وأنهم مبتدعة؟ وأنهم يسبون الصحابة؟ وأنهم كذا وكذا وكذا؟

جلس ينتظر فراغ مفتاح الخير من الصلاة، فلما انتهت لم يمهله ليدعو بل جاء مسرعا قائلا: أأنت إباضي؟ قال: نعم، والشيخ والطلاب؟ قال: كذلك.

دهش واستغرب من تلكم المعاملة فقال: معقول؟ قال: نعم وألف معقول أما سمعت قولهم: ما راء كمن سمع، قال: نعم، قال: فذاك ذاك.

قال: اسمح لي يا أخي قد كنت نزقا في الأيام الماضية والسنين الفارطة فقد سمعت عن شيوخي ما يسؤوكم وينفر منكم وأنا أعاهدك هذه الساعة أني لن أدع محفلا أو مناسبة أو مكانا إلا ودافعت عنكم ووضحت خطأ من نعتكم بالسوء أو اتهمكم بالكفر أو حاول أن يعتدي عليكم بالقول أو الفعل.

قال لي مفتاح الخير: يوجد أناس أتقياء كثيرون بيننا لا يمتون إلى التعصب أو الإرهاب أو التفجير بشيء سوى أنهم تأثروا بشيوخ الفتنة وسمعوا معلومات غير منصفة عنا أو عن الآخرين فعلينا ألا نبيع عقولنا لشيخ متعصب أو مفكر مدع أو عقلاني متسمم بل خليق بنا أن نتمثل قوله تعالى:» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)»[الحجرات/‏‏6].