أفكار وآراء

تحديات ضخمة تواجه إيمانويل ماكرون

02 يونيو 2017
02 يونيو 2017

جون كاسيدي -

ترجمة قاسم مكي -

نيويوركر -

في أثناء احتفال إيمانويل ماكرون ومؤيدوه بفوزه الكبير في الانتخابات الفرنسية خارج متحف اللوفر مساء الأحد 7 من مايو كانت آهات الارتياح تكاد تسمع في باقي أوروبا والولايات المتحدة. فقد تمكن الوسط في النهاية من الصمود بعد حملة انتخابية طويلة اتسمت بالشقاق وتعرض فيها للإذلال الحزبان اللذان حكما فرنسا لعقود وحققت فيها الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مستويات قياسية من التأييد. إنه خبر طيب في مجمله. ففي نوفمبر الماضي بدا كأن انتخاب دونالد ترامب الذي أعقب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مؤشر على قدوم موجة من النجاحات للأحزاب القومية اليمينية المتطرفة حول أوروبا. لكن ذلك لم يحدث، أولا في النمسا ثم في هولندة والآن في فرنسا، الموطن الروحي للديموقراطية الأوروبية. ويبدو حتى الآن، على الأقل، كأن نجاح ترامب كان علامة على بلوغ الموجة اليمينية ذروتها وليس على صعودها. في انتخابات الأحد ضاعفت ماري لوبان تقريبا حصة الأصوات التي نالها والدها في الانتخابات الرئاسية عام 2002م. ولكنها لم تقترب من نسبة الـ40% التي سبق أن تجاوزتها في بعض استطلاعات الرأي العام. وكانت المسوحات التي أجريت في الأسبوعين السابقين للانتخابات أشارت إلى أن ماكرون سيفوز بفارق يتراوح بين 20% إلى 25%. ولكن ما حدث أن هامش فوزه كان حوالى 31% (بحسب الاستطلاع السابق للتصويت الذي يفوق كثيرا في الموثوقية نظيره الأمريكي). التأييد الذي حصل عليه ماكرون من يمين ويسار الوسط بعد أن فاز بالجولة الأولى للانتخابات دعم قضيته كثيرا. وكذلك التغطية الناقدة التي خصصتها كل وسائل الإعلام الفرنسية تقريبا لمارين لوبان. ولكن حتى بعد وضع الاعتبار لهذه العوامل فقد مثلت النتيجة النهائية انتصارا مثيرا للتكنوقراطي والمصرفي السابق (39 عاما) الذي لم يسبق له أبدا أن خاض الانتخابات، وهو الذي أسس حركته السياسية المستقلة أون ماغش (إلى الأمام) في أبريل الماضي فقط. وفي مخاطبة جماهيرية بمقر حملته الانتخابية في المنطقة الإدارية الخامسة عشرة بعد فترة قصيرة من إعلان النتيجة، وسعى ماكرون إلى تصوير نفسه كزعيم رزين وناضج ومستعد تماما لدخول قصر الإليزيه. كما كرر في إيجاز بعض أطروحات حملته بما في ذلك دفاعه عن القيم الليبرالية وتأييده للاتحاد الأوروبي وإيمانه بالأمل والتفاؤل. فقد صرح بقوله «سأحمي وأدافع عن المصالح الحيوية لفرنسا. سأحمي وأدافع عن أوروبا»، وأضاف: «إنها صفحة جديدة في تاريخنا الطويل وأريد أن تكون صفحة استعادة الثقة والأمل»، وبعد أن شكر ماكرون الرئيس المغادر فرانسوا أولاند للخدمات التي قدمها لوطنه قال: إنه سيسعى إلى التغلب على الانقسامات في المجتمع الفرنسي التي كشفت عنها الحملة الانتخابية. وذكر أن هدفه الرئيسي كان «تهدئة مخاوف الشعب واستعادة ثقة فرنسا وتوحيد شعبها لمواجهة التحديات الهائلة التي تواجهنا»، ومضى قائلا «سأحارب الانقسام ..... وسأخدم نيابة عنكم بتواضع ولكن بإخلاص تام وعزم تام. فلتعش الجمهورية ولتعش فرنسا»، وكما دلل هذا الحديث فإن ماكرون أقوى بيانا حين يتحدث عن العموميات وحين يدعو إلى الوحدة منه حين يقترح سياسات محددة. ففي أثناء الحملة الانتخابية التزم بخفض الإنفاق الحكومي وإصلاح القانون الضريبي والتخفيف من تشدد أسواق العمالة في فرنسا. كل ذلك ضمن مساعي جعل اقتصاد فرنسا أكثر دينامية. ولكنه لم يوضح التفاصيل. في اليسار الفرنسي، ينظر إلي ماكرون على نطاق واسع كصنو فرنسي لتوني بلير. أي شاب عازم على إجبار النقابات والعمال على الخضوع لصرامة قواعد السوق العالمية. ويشير الساسة المحافظون المتشككون إلى أنه خدم في حكومة أولاند الاشتراكية لمدة أربعة أعوام، وأنه وعد بعدم التخلص من ركيزتين من ركائز دولة الرفاه الفرنسية هما أسبوع العمل (35 ساعة) وسن التقاعد (62 عاما)، وليس واضحا نوع التفويض الذي سيحصل عليه ماكرون لتنفيذ برنامجه الإصلاحي . لقد مثل فوزه بالمركز الأول في الجولة الأولى للانتخابات رفضا للأحزاب التقليدية وليس تأييدا قويا لأجندته. فأولاند لم يفكر حتى في دخول السباق الرئاسي لشدة افتقاره إلى التأييد الشعبي، كما انهارت حملة فرانسوا فيون مرشح الحزب الجمهوري (يمين الوسط) بسبب فضيحة فساد. وربما أن انتصار ماكرون في الجولة الثانية يوم الأحد 7 من مايو الجاري شكل على نحو مماثل إلى حد بعيد رفضا لمارين لوبان والجبهة الوطنية، وسجل نزعتها العرقية وعداءها للسامية وتبريراتها للفيشية (آيديولوجيا حكومة فيشي الفرنسية إبان الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية- المترجم)، فبحسب استطلاع آراء المقترعين صوت 43% من ناخبي ماكرون بقصد إقصاء لوبان أساسا. وعلى الرغم من أن هامش انتصار ماكرون كان كبيرا إلا أن نسبة المقترعين كانت منخفضة بالمقاييس الفرنسية. كما تم وضع أوراق فارغة عديدة في صناديق الاقتراع. فمن الواضح أن ناخبين كثيرين ما كانوا يريدون أيا من المرشحين. يعتمد الكثير الآن على الانتخابات البرلمانية في الشهر القادم، وهي التي ستقرر حجم التأييد الذي يحظى به في الجمعية الوطنية المسؤولة عن وضع التشريعات. أما حاليا، فيملك الاشتراكيون وحلفاؤهم أغلبية كبيرة. ويخطط حزب ماكرون «إلى الأمام» لتقديم مرشحين في كل الدوائر الانتخابية (عددها 577 دائرة.) ولكن ليس واضحا كيف سيكون أداؤهم الانتخابي. فعلى الرغم من انتصاره الشخصي إلا أن حركته السياسية الوسطية لا تزال فتية وغير مختبرة. كما أن هنالك قدرا كبيرا من عدم اليقين حول أثر نتيجة انتخابات الرئاسة على مستقبل الاتحاد الأوروبي. ولكن بقضائه على احتمال تولي لو بان رئاسة فرنسا يكون فوز ماكرون قد أنهى أخطر مهدد فوري للاتحاد الأوروبي يتمثل في حكومة معارضة للاتحاد تتولى الحكم في باريس جنبا إلى جنب مع أخرى مماثلة لها في لندن. وحتى قبل وصول ماكرون إلى ساحة متحف اللوفر كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد هاتفته وهنأته بالفوز. وقال الناطق باسمها: «مدحته لدفاعه عن الاتحاد الأوروبي الموحد والمنفتح على العالم»، ولكن نتيجة انتخابية واحدة لا تعني أن الاتحاد الأوروبي الذي خسر عقدا ضائعا من الناحية الاقتصادية يمكنه الآن حشد ما يكفي من دعم شعبي ليبقى ويزدهر. يؤيد ماكرون الحدود المفتوحة والتجارة الحرة وحرية انتقال العمالة وبذل المزيد من الجهود لإيواء اللاجئين ودمج الأقليات المسلمة. وهي كلها أهداف مهددة. أما فكرته الكبيرة فهي أن فرنسا، بإظهارها لقدرتها على إجراء إصلاحات داخلية جادة يمكنها إقناع ألمانيا بتوجيه الاتحاد الأوروبي نحو سياسة اقتصادية أقل تقشفا وأكثر حفزا للنمو. كانت لدى الرؤساء الفرنسيين السابقين طموحات شبيهة لكنها لم تتحقق في وجه المقاومة التيوتونية (الألمانية) فهل يمكن أن يكون أداء ماكرون أفضل؟ هذه التحديات تتعلق بالمستقبل. أما الآن فيكفي الاحتفاء بهزيمة التطرف اليميني وتحية الفائز. خاطب ماكرون الحشد المبتهج خارج مبنى اللوفر بقوله «ما فعلناه ... لا مثيل له ...... الجميع كانوا يقولون إنه مستحيل. ولكنهم لا يعرفون أي شيء عن فرنسا»، وبعد أن أكمل الرئيس المنتخب حديثه وضع قبضة يده على صدره قريبا من القلب وأغمض عينيه وقاد الحشد في أداء مفعم بالحيوية للمارسيليز (النشيد الوطني الفرنسي). لقد كان من الصعب ألا نشاطرهم الغناء ولو من بعيد.