أفكار وآراء

العالم يفيض بالغذاء فلماذا الجوع؟

31 مايو 2017
31 مايو 2017

دوج سوندرز -

ترجمة قاسم مكي -

جلوب آند ميل – كندا -

لم يشهد العالم أبدا ما يماثل الوفرة الراهنة في الغذاء. فالمزارعون أنتجوا العام الفائت ما يزيد كثيرا عما يمكن أن نستهلكه نحن سكان العالم بأجمعنا (7 بلايين نسمة.) لذلك تتراكم جبال من المواد الغذائية في عشرات البلدان بما في ذلك كندا. وتشهد أسعار هذه الأغذية هبوطا متسارعا. رغما عن ذلك يوجد جوع. ولم يحدث منذ أعوام عديدة أن وجد مثل هذا العدد الكبير من الناس الذين يتعرضون للمجاعة. فلأول مرة منذ عام 2011 تستخدم الأمم المتحدة عبارة « التضور جوعا » لوصف الوضع الذي بدأ يتكشَّف في نصف دستة من البلدان. فقد حذرت الأمم المتحدة في الشهر الماضي من أن مليونا من الأشخاص في القرن الإفريقي واليمن وأجزاء من نيجيريا «على حافة المجاعة» وأن 20 مليونا يعيشون في مناطق فشلت مواسم حصادها وتشهد تزايدا في حالات سوء التغذية. كيف يمكن أن تكون كلا هاتين الحقيقتين المتناقضتين (وفرة الغذاء والمجاعة) صحيحتين؟ فقد ورد في شريط أنباء وكالة رويترز يوم الثلاثاء 11 أبريل الماضي خبران فصلت بينهما ساعات فقط تحت عنوانين مختلفين .أولهما «الحبوب تتكدس في مدارج المطارات ومواقف السيارات والحقول وسط تخمة عالمية.» أما العنوان الثاني فهو « خطر المجاعة يتسارع في إفريقيا واليمن.» إن المجاعة لا تحدث بسبب نقص الغذاء أو الكثرة المفرطة في أعداد الناس. فهنالك وفرة من الغذاء تكفي احتياجات كل البشر في العالم. وفي الحقيقة نحن يمكننا بقليل من الجهد مضاعفة الكمية المنتجة من الغذاء. فالحكومات تدفع للمزارعين لخفض محاصيلهم ( كي يقللوا من إنتاجها ) نظرا لعدم وجود مساحات كافية لتخزينها. كما أن المجاعة لن تقع في عام 2017 لأن الغذاء باهظ الثمن. لقد كانت تلك هي الحال قبل عشرة أعوام حين أدت الأسعار المتصاعدة للسلع إلى ارتفاع أسعار الغذاء بعد أربعة عقود من تدهورها بحيث صارت حصتها من ميزانية نفقات الأسرة هي الأقل لأول مرة في التاريخ. وكردِّ فعلٍ لتلك الأسعار المرتفعة تدفق الاستثمار على الزراعة وشهدت الأراضي المزروعة توسعا كبيرا. لقد أنتجت هذه البلدان ولثلاثة أعوام على التوالي كميات غير مسبوقة من الغلال والعالم يفيض بالغذاء الآن. إحدى نتائج ذلك أن أسعار الغذاء بدأت في التراجع إلى مستويات منخفضة تاريخيا.

ففي مارس الماضي أعلنت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن الأسعار العالمية للغذاء هبطت بنسبة 2.8% خلال شهر واحد. فقد تقلصت أسعار الزيوت النباتية بنسبة 6.2% والحليب بنسبة 2.3% ( وكانت اللحوم هي المنتج الوحيد الذي شهد ارتفاعا في أسعاره.) ويملك العالم حاليا كميات من الأرز والقمح في مخازنه تزيد بحوالي الثلث عن تلك التي يتوقع أن يستهلكها ويبيعها أو يحولها إلى وقود في عام 2017. ومؤخرا تجاوز مجموع فائض العالم من الذرة الشامية والأرز وفول الصويا 670 مليون طن. وهو ما يكفي لإطعام كل سكان الصين لمدة عام كامل. فلماذا لا يشرع أحدهم في شحن كل هذا الغذاء الفائض إلى اليمن والصومال ونيجيريا وجنوب السودان؟ إن هذا، بعد كل شيء، هوما يحدث عادة حين يتسبب الجفاف أو طارئ ما في فشل الموسم الزراعي. فمثلا تواجه سيريلانكا أيضا حالة من الجفاف هذا العام نتج عنها أسوأ نقص في المياه خلال أربعة عقود مما أدى إلى القضاء على كامل محصول العام من الأرز. رغما عن ذلك لم يتعرض أحد إلى الجوع في سيريلانكا التي تعتمد في غذائها على الأرز. فالحكومة ببساطة أنفقت 350 مليون دولار لاستيراد ما يكفي من الأرز للتعويض عن خسائرها من الجفاف. إن هذا يؤذي العملة السريلانكية ولكن الاقتصاد واصل نموه والناس هناك يأكلون. هذا هو الذي يحدث حين يضرب الجفاف بلادا يسود ربوعها السلام. فهي تستورد المزيد من الطعام. ولكن البلدان الإفريقية والآسيوية التي تواجه المجاعة هذا العام لا يوجد أي منها في حالة سلام. وفي حالات عديدة لا تكون هنالك أية صلة بين المجاعة وبين الجفاف أو فشل الموسم الزراعي. ففي شمال شرق نيجيريا منعت الحرب مع «بوكو حرام « الإرهابية» الفلاحين من زراعة محاصيلهم. وإذا تسبب القتال في حرمانهم من الاستفادة من موسم بذر الحبوب خلال شهري مايو ويونيو، سيواجه 7 ملايين منهم خطر المجاعة. وفي الصومال تواصل جماعة الشباب الإرهابية المتمردة إغلاق المنافذ أمام المساعدات الغذائية والمنظمات التي تقوم بتوصيلها وتعرقل توزيع شحنات الغذاء أو تبيعها لمقابلة احتياجاتها الخاصة بها. وفي جنوب السودان، منعت الحكومة والأجهزة الأمنية العون الإنساني وقدَّمت حربَها الأهلية المرعبة على حياة شعبها. فالحرب والتطرف فقط هما اللذان يمنعان الناس من الأكل في عام 2017 . ويجب أن تكون الأولوية لأية حكومة من حكومات البلدان المتقدمة كسر الحواجز ومنح هؤلاء الناس حصة من مخزوننا العالمي من الغذاء حتى يتمكنوا من عبور هذه الأزمة. ثم بعدها سيلزمهم العمل على إعادة ربط بلدانهم بالأسواق الزراعية. إن معظم ضحايا المجاعة هم أطفال المزارعين. وسيكون موتُهم أسهلَ الكوارث المفجعة التي يمكن للعالم منع حدوثها.