العرب والعالم

القمة الخليجية - الأمريكية.. ترسيخ لشراكة استراتيجية جاوزت نصف قرن

20 مايو 2017
20 مايو 2017

مناقشة التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار في المنطقة -

الدوحة - قنا - تعكس القمة الخليجية الأمريكية التي تنطلق اليوم الأحد مدى عمق الشراكة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية، والعلاقات الوطيدة بين الجانبين في مختلف المجالات والتي تمتد لأكثر من نصف قرن، إذ تعد هذه القمة الثالثة خلال عامين، فقد سبقتها قمة كامب ديفيد في عام 2015 والتي ناقشت أبرز القضايا والملفات في منطقة الشرق الأوسط، ثم القمة الثانية في العاصمة السعودية الرياض أبريل 2016 والتي جرى خلالها تبادل الآراء والعمل على تقارب وجهات النظر في عدد من الملفات.

وما يميز قمة اليوم أنها ستكون الأولى في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي يقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في أول جولة خارجية له منذ توليه منصبه بداية العام الحالي، ليكسر العرف الذي اعتاد عليه الرؤساء السابقون للولايات المتحدة بأن تكون أولى جولاتهم الخارجية إلى دول الجوار، كندا أو المكسيك، كما جرت العادة.

وترفع القمة شعار «العزم يجمعنا»، وهو الشعار الذي جاءت تحته ديباجة «إنه في الوقت الذي نجمع العالم لمحاربة التطرف والإرهاب نعمل مع شركائنا في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي على تحسين المستوى المعيشي لأبناء أمتنا وتقوية اقتصاداتنا المشتركة»، الأمر الذي يؤكد أن القمة سوف تركز على مناقشة التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار في المنطقة، ومكافحة الإرهاب، وبناء علاقات تجارية بين الولايات المتحدة ودول المجلس، التي تعتبر شريكا استراتيجيا لواشنطن.

وتعد قمة الرياض فرصة أمام إدارة الرئيس ترامب لتبني مواقف جديدة من القضايا الخليجية والعربية، غير تلك التي كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تتبناها، خاصة أن الوضع الدولي والإقليمي قد تغير بشكل كبير، وأن دول مجلس التعاون لن تقف متفرجة على الأزمات التي تشهدها المنطقة من حولها، وتؤثر عليها بشكل مباشر، بل ستتحرك بفاعلية؛ نظرا لكونها لاعبا أساسيا إقليمياً ودولياً لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنها.

كما أن القمة الخليجية الأمريكية بمثابة مراجعة لأولويات السياسة الأمريكية في المنطقة، خاصة مواجهة المحاولات المستمرة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، والتصدي لها من قبل قوى إقليمية محددة، ومناقشة الأزمة السورية التي دخلت عامها السابع ومصير الأسد في التسوية السياسية، فضلا عن القضية المحورية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم «داعش»، والقضية الفلسطينية، وكذلك دعم الشرعية في اليمن، والمساعدة في إنهاء الأزمة الليبية.

ويرى مراقبون أن القمة الخليجية الأمريكية أمامها فرصة تاريخية لتعزيز وتقوية العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين بصورة كبيرة، والعمل على تأسيس حوار إيجابي وإيجاد مقاربات لعدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن توثيق العلاقات الاقتصادية والثقافية بين مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية بصورة أكبر.

وتحظى مناقشة الأوضاع في المنطقة، خاصة الأزمة السورية، وموقف الإدارة الأمريكية منها، بحضور قوي خلال قمة الرياض، فقد أعلن الرئيس ترامب مؤخرا ضرورة إقامة مناطق آمنة في سوريا، والتأكيد على سعيه لإنهاء هذه الأزمة ووضع حد لمأساة الشعب السوري التي تدخل عامها السابع، وهو الأمر الذي يلقى قبولا وتأييدا أيضا من جانب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

كما تناقش القمة الخليجية الأمريكية جهود دعم الشرعية في اليمن، والوضع في ليبيا، فضلا عن التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، وأهمها أزمة اللاجئين والنازحين من مناطق الصراع الدائر في المنطقة وانتشار الإرهاب، مع البحث عن حلول ناجعة لمواجهة هذه الظاهرة.

وما يميز قمة اليوم أنها تحظى دائما بمقاربات كثيرة في العديد من الملفات، ولعل الأمن في منطقة الخليج والعمل على استتبابه بصورة أقوى يعد ملفا يلقى اتفاقا بين الجانبين، ولا يختلف مطلقا في أهميته عن الاقتصاد الخليجي والتعاون مع الولايات المتحدة في هذا المجال.. فمع إعلان «مبدأ نيكسون» عام 1969 و«مبدأ كارتر» عام 1980، أصبحت أهمية الأمن في منطقة الخليج العربية للمصالح الاستراتيجية واضحة سواء لدول مجلس التعاون أو الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد دعا نيكسون حلفاء الولايات المتحدة إلى المساهمة في أمنهم بأنفسهم بمساعدات أمنية أمريكية، وعليه كانت سياسة «حجري الأساس» نتيجة طبيعية لجهود إدارة نيكسون لحماية القوة الأمريكية.. وفي إطار هذه السياسة، اعتمدت الولايات المتحدة على دول الخليج لتوفير جزء كبير من الأمن في المنطقة.

ولا شك أن الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج بدأت في تزايد، وأصبحت دول مجلس التعاون رقما فاعلا ومؤثرا في أحداث المنطقة وما تشهده من تطورات، لاسيما بعد انطلاق «عاصفة الحزم» في مارس 2015 بالعمل على إعادة الشرعية في اليمن، ومدى الدور الواضح والمؤثر الذي تقوم به دول مجلس التعاون لعودة الشرعية في هذا البلد، كذلك دور دول المجلس في التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، ومنها أيضا البرنامج النووي الإيراني ومدى انعكاساته على أمن منطقة الخليج.

وفي قمة الرياض الأخيرة، بحث قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة إيجاد رؤية مشتركة للتعامل مع الصراعات الأكثر إلحاحاً في المنطقة، معربين عن إدراكهم المشترك بأن الصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة لا يمكن حلها إلا من خلال السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة جميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مع ضرورة إيجاد حوكمة تشمل حماية الأقليات واحترام حقوق الإنسان في الدول التي تمر بتلك الصراعات.

ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ثارت الشكوك من جديد حول مستقبل العلاقة بين الجانبين، خاصة في ظل التصريحات التي كان ترامب يطلقها أثناء حملته الانتخابية، لكن الرئيس الأمريكي الجديد أبدى حرصا على تحسين علاقات بلاده مع دول مجلس التعاون، وعبر عن ذلك في أكثر من مناسبة، كما استقبل عددا من المسؤولين الخليجيين في البيت الأبيض، ثم جاء إعلانه أنه سيبدأ زياراته الرسمية الخارجية بزيارة المملكة العربية السعودية وعقد قمة مع قادة دول مجلس التعاون ليكون بمثابة رسالة لدول مجلس التعاون بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تفرط في علاقاتها الاستراتيجية مع دول المجلس، بل ستعمل على الحفاظ عليها وتطويرها.

تاريخ العلاقات الخليجية - الأمريكية كبير وممتد حتى قبل إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981، ويمكن القول إن فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها قد تكون منطلقا تاريخيا لتلك العلاقة الاستراتيجية.

ويعود وجود الولايات المتحدة في الخليج إلى اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البحرين عام 1932، وتبع ذلك وصول شركة «ستاندرد أويل» للنفط للخليج عام 1933، لتبدأ المنطقة بذلك تحولا على الصعيد الإقليمي، حيث أصبحت مزوداً عالمياً للطاقة.

ويعد تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» في بغداد عام 1960 تحولا تاريخيا في علاقات دول الخليج تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة، وإذا كان البيان التأسيسي للمنظمة يضم اثنتين من دول الخليج (المملكة العربية السعودية والكويت)، لكن سرعان ما انضمت إليهما قطر عام 1961، ثم الإمارات العربية المتحدة عام 1967، وذلك كنتيجة مباشرة للهيمنة التي كانت تمارسها شركات النفط العالمية في ذلك الوقت، مما دفع الدول المنتجة، ومن بينها دول الخليج العربية للتخلص من هذا الاحتكار.

وقد سطرت حرب أكتوبر 1973 فصلا جديدا من العلاقات الخليجية - الأمريكية؛ إذ تنبهت دول الخليج لسلاح النفط كوسيلة فعالة للضغط على صانع القرار في الولايات المتحدة من خلال حظر تصدير النفط مقابل وقف تزويد اسرائيل بالسلاح لترجيح كفتها على حساب القوات المصرية، ونجح السلاح الخليجي في تحقيق أهدافه وتحولت دفة تحديد الأسعار والتحكم في السوق النفطي العالمي إلى يد المنتجين وعلى رأسهم دول الخليج العربية.

وانعكست واردات النفط الهائلة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي في شكل نوع جديد من الشراكة الخليجية - الأمريكية والقائم على تطوير القدرات الأمنية والعسكرية لدول المنطقة، ثم التعاون في مجالات الحفر والتنقيب وتكنولوجيا النفط والغاز مع كبريات الشركات الامريكية للعمل بالخليج العربي.

وقد أعلن الرئيس جيمي كارتر في خطابه الاتحادي عام 1980، «أن أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة علي الخليج العربي هي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية».

وفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1989، اتخذت الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية بعدا آخر قائما على ضرورة التعاون الجاد لحفظ الأمن بمنطقة الخليج في وجه التحديات الأمنية التي تؤثر على استقرارها.

وشهدت تلك الفترة توقيع اتفاقيات الدفاع المشترك بين الدول الخليجية، كل على حدة، مع الولايات المتحدة، منها على سبيل المثال الاتفاقية الأمنية العمانية - الأمريكية عام 1981 والتي تم تجديدها حتى نهاية عام 2010 وتسمح بتعاون شامل بين الدولتين لحفظ الأمن والملاحة في منطقة الخليج.

وفي عام 1991، بعد حرب تحرير الكويت وقعت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت اتفاقيات مماثلة مع الجانب الأمريكي تتضمن شراكة استراتيجية ودفاعية طويلة الأمد تعززها العلاقات المتينة بين الدولتين وبين الولايات المتحدة.. ثم في عام 1992، وقعت دولة قطر مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية أمنية لتقوية التعاون بين الدولتين في الشؤون العسكرية.

وشهدت فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ملمحا جديدا في العلاقات الخليجية - الأمريكية من خلال ما يعرف باسم «حوار الأمن الخليجي» الذي انطلق عام 2005 تجسيدا للجهود التي بذلتها واشنطن من خلال تعزيز قدرات الردع العسكرية لدول الخليج العربية.