أفكار وآراء

قطاع الصناعات التحويلية ومرحلة «تنفيذ»

20 مايو 2017
20 مايو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

يهدف برنامج «تنفيذ» المنبثق عن خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016-2020) إلى المساهمة في تحقيق رؤية السلطنة نحو التنويع الاقتصادي من خلال الوقوف على التحديات والصعوبات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية والجهات الحكومية والخاصة والمدنية في سبيل تحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة. وقد تم إدراج قطاع الصناعات التحويلية في هذه الخطة كأحد القطاعات المعززة للتنويع الاقتصادي، إذ ساهم القطاع بنحو من إجمالي الناتج المحلي وبمبلغ 3 مليارات ريال عماني في عام 2013 وبمعدل نمو سنوي بلغ 10.3% في الفترة بين 2009-2013 وفق بيانات كتاب «تنفيذ». فهذا البرنامج يتبنى خطة عمل منهجية تقوم على جمع وتحليل البيانات والمعلومات، وتصنيف تحديات ومعوقات نمو القطاعات ومنها قطاع الصناعة التحويلية، ووضع الحلول الكفيلة بمعالجتها، فضلا عن تحديد الجهات المسؤولة عن التنفيذ وإدارة المشاريع، ومتابعة وتقييم مؤشرات الأداء الرئيسية. ونظراً لكون السلطنة إحدى الدول المصدّرة للنفط، فضلا عن امتلاكها موارد طبيعية متنوعة، ومساحة جغرافية واسعة؛ فإنها بحاجة إلى استغلال هذه المقومات، والتركيز على تعزيز الصناعات التكميلية في مجال (البتروكيماويات، والمعادن، والمواد غير المعدنية، والصناعات الغذائية)، حيث عادة ما تتوقف سلسة الإنتاج للمواد المصدّرة خارج السلطنة عند المراحل الأولية الرئيسية للتصنيع أو مراحل التصنيع الوسيطة دون التركيز على أنشطة قطاعاته الفرعية.

ومن خلال إعداد تقييم مفصل لمعدل نمو الصادرات وحصة السلطنة من السوق العالمي، تم تحديد القطاعات الفرعية سابقة الذكر كأهم المجالات الواعدة في عملية التنويع الاقتصادي لقطاع الصناعات التحويلية بالسلطنة. فقد ساهمت القطاعات الفرعية لقطاع الصناعات التحويلية متمثلة في البتروكيماويات والصناعات المعدنية وغير المعدنية والأغذية والمشروبات بنسبة تقارب 10% في الناتج المحلّي الإجمالي للسلطنة.

ومن أبرز التحديات والتوجهات التي نوقشت في المختبرات التي عقدها برنامج «تنفيذ» للقطاعات الفرعية أن مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلّي الإجمالي شهدت هبوطًا تدريجيًا، لا سيما مع تركيز النمو الحالي على البتروكيماويات فقط. كما تراجع نمو قطاعات الصناعات التحويلية مقارنة بالنمو في الناتج المحلّي الإجمالي حيث يركز قطاع الصناعات التحويلية بشكل كبير على البتروكيماويات، وأن مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلّي الإجمالي خلال الأعوام 2009-2014 بلغ مليار ريال عماني فقط . كما أن القطاع بحاجة إلى تعزيز مصادر الطاقة غير التقليدية (البديلة والمتجددة)، فضلا عن إمدادات الغاز الذي تؤدي محدوديته إلى عدم تحقيق مستويات الإنتاج المثلى في مجالات الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى إجراء مزيد من البحوث والدراسات الصناعية الممكّنة للابتكار والتطوير.

وكشفت تفاصيل التحديات أن هناك سهولة في ممارسة الأعمال التجارية وارتفاعا طفيفا في مؤشر أداء ممارسة الأعمال التجارية والمؤشر العالمي للتنافسية فيما يتعلق ببدء ممارسة الأعمال، كما ان هناك فرصا أكبر لتحسين الأداء في المجالات الأخرى ذات الصلة، الأمر الذي سيؤثر بدوره على جاذبية السلطنة للاستثمار المحلي والأجنبي، إلا أن هناك محدودية جهود تسويق وترويج لقطاع الصناعات التحويلية، خاصة فيما يتعلق بصادرات القطاع. كما يعاني القطاع من محدودية الشفافية في اللوائح المنظمة والقوانين، وهناك تعدد في الجهات المعنية بمنح الرخص والتصاريح. ومن واقع التكاليف التشغيلية في هذا القطاع، فقد أدى ارتفاع الحد الأدنى للأجور وغيرها من التكاليف التشغيلية إلى انخفاض الميزة التنافسية للسلطنة مقارنة بالدول المجاورة، وهناك نقص في إمدادات الغاز مقابل زيادة معدلات الطلب عليه في القطاع وارتفاع سعره، مما يؤثر على الكفاءة الإنتاجية للمصانع ومرافقها، وخصوصا مع ارتفاع نسبة الاعتماد على الغاز الطبيعي المدعوم لتوليد الطاقة وبنسبة 97%. أما من حيث الإنتاجية فقد ورد في كتاب «تنفيذ» أن إنتاجية القوى العاملة في السلطنة تشهد انخفاضا نسبيا وتؤثر سلبا على إنتاجية القطاع. وأن قطاع الصناعات التحويلية ساهم باستيعاب ما نسبته 12.5 % من إجمالي القوى العاملة بالسلطنة، إلا أن نسبة التعمين في القطاع لم تتجاوز 18% وهي نسبة متدنية مقارنة ببعض بالقطاعات الأخرى.

أما أبرز الفرص والإمكانيات في القطاع الصناعي فان معدل الدخل القومي والفردي يرتبط بزيادة درجة التحول الصناعي في البلاد، كما يوفر قطاع الصناعات التحويلية فرصًا جيدة للاستفادة من اقتصاديات الحجم التي تتسم بانخفاض متوسط التكلفة الكلية للسلع والمواد الخام في القطاع الصناعي كلما ارتفع حجم الإنتاج. ومن حيث التقدم التكنولوجي فان قطاع الصناعات التحويلية يوفر فرصًا للتقدم التكنولوجي المرتبط بالإجراءات الرئيسية للقطاع والإجراءات المساندة لها ليشمل القطاعات الأخرى. كما أن التركيز على التقدم التكنولوجي الصناعي سيعزز من أوجه الابتكار والتطوير في القطاع. أما الآثار المضاعفة لذلك فان تحسن إنتاجية قطاع الصناعات التحويلية، وترابط مكونات سلسلة القيمة وسلسة الإمداد ستؤدي إلى تنمية وتعزيز القطاعات الأخرى. فمؤشرات القطاع العامة المستهدفة ضمن هذه المرحلة من البرنامج تهدف إلى زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.6 مليار ريال عماني بحلول 2020م بالإضافة إلى ضخ استثمارات أجنبية ومحلية مباشرة بما لا يقل عن 9 مليارات ريال عماني بحلول 2020 م. كما تهدف المرحلة المقبلة لزيادة عدد الشاغلين للوظائف الجدد التي يوفرها قطاع الصناعات التحويلية من 267400 عامل في عام 2016 م إلى 280600 عامل بحلول عام 2020 م.

ومن المقرر أن تشهد المرحلة المقبلة التركيز على القطاعات الفرعية ضمن هذه المرحلة من البرنامج والمبادرات والمشاريع المتعلقة بها تتمثل في مجال البتروكيماويات، والأسمدة ، والألمنيوم وأغشية العزل المائي الحجري، والمواد المعدنية، والسقالات ومنتجات الصلب، وأدوات القطع المعدنية والقوالب، والمواد غير المعدنية، والإسمنت، والصناعات الغذائية، بجانب صياغة سياسة بيئية وطنية لقطاع الطاقة، ومراجعة سياسة دعم أسعار الغاز فيما يتعلق بالاستخدامات الصناعية، وتنويع مصادر الطاقة.

وفيما يتعلق بمراجعة سياسة دعم أسعار الغاز في الاستخدامات الصناعية فقد تم التركيز على مراجعة سياسة أسعار الغاز المتعلقة بالاستخدامات الصناعية، باعتباره مصدرا أساسيا لنمو قطاع الصناعات التحويلية. وستعمل هذه المبادرة على تعزيز الطلب على الغاز وإعادة توزيعه، بما يضمن زيادة القيمة المضافة منه في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 300 مليون ريال عماني. وقد تم تحديد ثلاث خطوات رئيسية لتحقيق الاستخدام الفعّال للغاز، تتمثل في الانتقال إلى التوزيع المعتمد على السعر الأعلى لبيع الغاز.، وتوزيع الغاز المدعوم لمشاريع استراتيجية «تكون مبنيا على مدى توفير هذه المشاريع للوظائف، أو تطوير قيمة اقتصادية، بالإضافة إلى دمج المؤسسات المعنية بالطاقة في كيان حكومي واحد، علماً بأن هنالك الكثير من الدول سواء النامية أو المتقدمة، تتجه لإلغاء الضوابط التنظيمية في قطاع الغاز، وبالتالي يمكن للسلطنة أن تستفيد من هذه الممارسات. ويمكن في هذا الجانب إيجاد ضوابط أخرى جديدة، من بينها التعامل مع طرف ثالث لبيع الغاز للمستهلكين (المصانع)، أو تسليم الغاز للموردين الموجودين في أدنى سلسلة القيمة المضافة، مما يخلق منافسة فيما بينهم، وغير ذلك من الضوابط.

كما خرجت حلقات العمل بعدد من النتائج التي تهم قطاع توليد الطاقة المدعم للصناعة التحويلية في البلاد، وكذلك التعرف على المعوقات التي تواجه هذا القطاع حيث هناك المعايير البيئية التي تقيّد تقنيات توليد الطاقة، مما يحدّ من قدرة المشاريع الاستثمارية على إيجاد مصادر بديلة لتوليد الطاقة، وتعزيز مجالات الابتكار الصناعي، وتطوير رأس المال البشري المطلوب في هذا القطاع وتفعيل التعاون التكاملي بين القطاع الصناعي والأكاديمي، والحكومي لإيجاد قاعدة للمعرفة الصناعية، وتطوير قطاعات صناعية واعدة انتقائيا للنهوض بها نحو التنافسية من خلال إيجاد حلول مبتكرة للتحديات والمشاكل ورفع مستوى التصدير وتبني نماذج عمل قادرة على الدخول للأسواق، بجانب دعم المصانع القائمة بشكل فردي حسب الطلب للابتكار في المنتج أو العمليات الإنتاجية أو الخدمات أو استثمار الملكيات الفكرية وبراءات الاختراع وتبني نقل التكنولوجيا والمعرفة.