الملف السياسي

تحول نوعي .. وتأثيرات إيجابية محدودة

15 مايو 2017
15 مايو 2017

د.أحمد سيد أحمد -

،، شكلت وثيقة حماس الجديدة تطورا مهما في إطار القضية الفلسطينية سواء على مسار العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية أو على مسار العلاقات بين فتح وحماس، لما حملته من أطروحات جديدة خاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني وقضايا مهمة مثل المقاومة وحدود الدولة الفلسطينية والتفاوض بما قد يؤثر نسبيا على مستقبل القضية الفلسطينية وفرص حلها،،

وبغض النظر عن التوقيت والدوافع من وراء إصدار الوثيقة فإنها قد أحدثت زلزالا سياسيا فيما يتعلق بثوابت حركة حماس ومواقفها منذ نشأتها من رحم الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، حيث ظلت الحركة تتبنى نهج المقاومة والجهاد لتحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وعدم الاعتراف بمفاوضات السلام، ثم عدم الاعتراف بشرعية كل الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل وأبرزها اتفاق أوسلو الذي نشأت السلطة بموجبه في الضفة الغربية.

غير أن الوثيقة الجديدة مثلت تطورا سياسيا مهما فيما يتعلق بقضايا ظلت تمثل ثوابت وركائز أساسية للحركة على مدار ما يقارب ثلاثين عاما، حيث اعترفت الوثيقة بقبول ما يعرف بالحل المرحلي وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أي في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية بما يعني الاعتراف ضمنيا بقرار مجلس الأمن 242، لكن مع عدم الاعتراف بإسرائيل وكل ما قامت به والعمل على تحرير كامل فلسطين ، كما أنها قبلت لأول مرة بالتفاوض كوسيلة لتحقيق حل الدولة الفلسطينية مع استمرار المقاومة المسلحة باعتبارها حركة مقاومة وتحرر وطني ، إضافة إلى انها ميزت بين الكيان الصهيونى المحتل للأرض الفلسطينية وبين اليهود التي تؤكد على عدم معاداتهم.

وتمثل هذه الأطروحات الثلاث نقلة نوعية في فكر الحركة وفي انتهاجها ما يعرف بالبراجماتية السياسية خاصة في ظل الظروف الدولية والإقليمية غير المواتية لها بعد انحسار جماعات الإخوان المسلمين في كثير من الدول وعلى رأسها مصر، حيث سعت الحركة لتأكيد أنها حركة فلسطينية وطنية مستقلة غير تابعة لأي تنظيم آخر ، وإن كانت تنتمي للمدرسة الإخوانية فكرا وليس تنظيما، كذلك في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى لإيجاد تسوية تاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن ما يعرف بصفقة القرن ولقائه بالرئيس أبو مازن في واشنطن.

الأطروحات الجديدة في وثيقة حماس وإن لم تختلف كثيرا عن جوهر ميثاقها عام 1988 إلا أنها تميز بين المبادئ والثوابت وبين مسارات العمل، حيث تقترب كثيرا من أطروحات حركة فتح خاصة فيما يتعلق بقبول الدولة الفلسطينية المستقبلية على حدود 1967 في إطار حل الدولتين وانتهاج التفاوض كوسيلة أساسية لتحقيق ذلك الهدف مع الاعتراف بإسرائيل، وهنا تبرز الإشكالية حول إيجاد ما يعرف بموقف ورؤية فلسطينية موحدة بين حركتي فتح وحماس تجاه الموقف من المفاوضات ومن الاعتراف بالكيان الصهيوني.

ففي الوقت الذي يتلاقى الجانبان على قبول الحل المرحلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 تحت منطق الواقعية السياسية والخيارات المتاحة في ظل الخلل في موازين القوى لصالح إسرائيل،فإن فتح ترتكز على المفاوضات سواء المباشرة أو غير المباشرة كنهج أساسي في تحقيق حلم الدولة، بينما ترفض حماس المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وبينما اعترفت حركة فتح عبر منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل ترفض حماس الاعتراف بها وتؤكد على خيار المقاومة حتى التحرير، وهو ما يعني تحديات كبيرة في إيجاد أرضية مشتركة بين الجانبين وإعطاء الذريعة لإسرائيل بالزعم بغياب شريك فلسطيني قادر على صنع السلام. وقد اعتبرت إسرائيل في رد فعلها على الوثيقة على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو أنها عديمة القيمة بل قام بتمزيقها على الهواء وردد مزاعمه بأن حماس تسعى لتدمير بلاده. كما اعتبرت الإدارة الأمريكية أنها لم تضف شيئا وظلت على موقفها بتصنيف حماس « كحركة إرهابية» . ثم فإن الوثيقة وإن كانت تعد خطوة مهمة وتطورا في فكر الحركة ومرونتها السياسية إلا أن تداعياتها سواء على علاقة حماس بالسلطة الفلسطينية أو على مسار التسوية لن يكون ذي أثر كبير من عدة نواح:

أولا: إنه رغم قبول حماس بحدود الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وهو ما يعني اعترافها بقرارات الشرعية الدولية ويهيئ لانخراطها في التسوية، إلا أن قضية التسوية أعقد وأكبر من مجرد تغيير الحركة لمنهجها وأساليبها، فحتى لو اعترفت حماس بإسرائيل وتخلت عن مفهوم التحرير الكامل، فإن هذا لا يعني قبولا إسرائيل بتحقيق تسوية عادلة وشاملة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، فإسرائيل تريد فرض السلام على طريقتها ووفق رؤيتها وهي إقامة سلطة حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة أشبه بكانتونات متقطعة في ظل استشراء المستوطنات في الضفة الغربية واستمرارها في سياسة تهويد القدس وتغيير معالمها وهويتها العربية والإسلامية.

وبالتالي عدم التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، وكذلك رفض حق العودة للاجئين والنازحين الفلسطينيين. وهذه القضايا، إضافة لحدود الدولة والمعروفة بقضايا الوضع النهائي، شكلت ألغاما فجرت كل مفاوضات السلام السابقة و أفشلت كل مبادرات السلام والجهود التي بذلتها الدول العربية أو الأوروبية ، ومنها المبادرة الفرنسية الأخيرة لإحياء مفاوضات السلام ، حيث انتهجت إسرائيل سياسة توظيف ما يعرف بمفاوضات السلام للظهور أمام المجتمع الدولي بأنها ترغب في السلام، وتوظيف الانقسام الفلسطيني وأطروحات حماس، بينما تقوم بسياسة فرض الأمر الواقع عبر إقامة المستوطنات وتهويد القدس والقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية في ظل الظروف التي مرت بها المنطقة العربية بعد الانتفاضات العربية وانشغال الدول العربية بمشكلاتها الداخلية، وانشغال المجتمع الدولي بمحاربة الإرهاب، ومن ثم تراجع القضية الفلسطينية من الأجندة الدولية والإقليمية.

ثانيا: إن الفاعل الرئيسي القادر على لعب دور فاعل في عملية السلام والتأثير والضغط على الجانب الإسرائيلي هو الجانب الأمريكي، الذي طرح الكثير من المبادرات عبر الإدارات المختلفة ومنها خريطة الطريق التي طرحها الرئيس بوش الابن وتحدثت لأول مرة عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وشكلت القضية الفلسطينية بندا أساسيا في أجندات الرؤساء الأمريكيين إلا أنهم فشلوا جميعا في تحقيق تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، نتيجة للانحياز للرؤية الإسرائيلية ودعم إسرائيل عسكريا وسياسيا ومنع صدور أية قرارات من مجلس الأمن الدولي تدين العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. ورغم أن ترامب أعلن حماسه ورغبته في تحقيق تسوية تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إلا أنه في ظل غياب رؤية واضحة حول سبل وآليات تحقيق تلك التسوية، وفي ظل إعلانه انحيازه الكامل لإسرائيل واتهام الإدارة السابقة بقيادة أوباما بالعمل ضد إسرائيل، فمن المستبعد أن يقوم ترامب بالعمل على تحقيق التسوية العادلة التي تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأقصى ما يقوم به اتخاذ بعض الخطوات مثل تقليل الاستيطان وإرجاء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الفلسطينيين، وطرح مفهوم ما يعرف بحل الدولة الواحدة التي يكون للفلسطينيين سلطة حكم ذاتي ضمن السيادة الإسرائيلية.

ثالثا: لن يكون لوثيقة حماس الجديدة تداعيات إيجابية مهمة مع استمرار حالة الانقسام الفلسطينيي وحالة عدم الثقة بين الجانبين، وصعوبة إيجاد سلطة فلسطينية موحدة تعبر عن كامل الشعب الفلسطيني والتفاوض باسمه أمام المجتمع الدولي، ولذلك فإن توظيف الوثيقة في الاتجاه الذي يقوي الموقف الفلسطيني تجاه إسرائيل والمجتمع الدولي يتطلب خطوة أخرى تتمثل في إنهاء الانقسام وإجراء مصالحة فلسطينية فلسطينية وتوحيد الرؤية والمزج بين التفاوض والمقاومة من أجل تحقيق هدف أساسي وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس لشرقية وعودة اللاجئين والنازحين، وهو ما يمهد لتوحيد الموقف الفلسطيني والتفاوض بشكل أقوى خاصة في ظل المكتسبات الكبيرة التي حققها الفلسطينيون سواء في نيل صفة العضو المراقب في الأمم المتحدة واعتراف الكثير من برلمانات العالم بالدولة الفلسطينية وتأكيد اليونسكو على عروبة وإسلامية القدس والأهم يفند المزاعم الإسرائيلية والأمريكية بغياب شريك فلسطيني، وهنا تصبح وثيقة حماس ذات جدوى وتطورا نوعيا إيجابيا على مسار النضال الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة.