1011058
1011058
المنوعات

منصور الزعابي.. حرفي يقاوم الزمن في صناعة السفن والخناجر

14 مايو 2017
14 مايو 2017

مازالت حاضرة في المجتمع رغم تراجعها -

صحم – أحمد البريكي -

في عصر التكنولوجيا والبحث عن الراحة والرفاهية، يعد منصور الزعابي من ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة نموذجاً متفرداً بين أبناء جيله، في صناعة السفن التقليدية والتي تعد من الصناعات التي اشتهر بها أبناء السلطنة منذ القدم، تلك الصناعة التي برعوا فيها وكانت لهم بصماتهم الواضحة عليها أيا كان نوعها حيث كانت تختلف باختلاف استخداماتها، فمنها البانوش والشوعي والبوم والبغله وغيرها من الأنواع التي تستخدم في صيد الأسماك والغوص لصيد اللؤلؤ ونقل الركاب والبضائع. وقد كانت صناعة السفن تتركز في ولاية صور والباطنة وتقوم هذه الصناعة على الأخشاب المستوردة من الهند وهي أنواع خاصة من خشب الساج والصنوبر المقاوم للرطوبة ويعتمد في صناعتها على أدوات النجارة مثل المجدح والقدوم والمنشار وغيرها.

«$» التقت منصور بن محمد بن سالم الزعابي أحد أصحاب الأيادي العمانية الطيبة التي ما زالت تحتفظ بالمهن والحرف التراثية الأصيلة واستطاعت نقل أصالة الماضي لأجيال اليوم، أياد لم تنجذب لمغريات العصر ولم تكترث لمادياته الصماء من كل روح، وعزمت وصممت على نقل التراث إلى الأجيال الجديدة.

مهنة القلاف

بداية أوضح منصور الزعابي أن «القلاف» هي مهنة صانع السفن التقليدية والقوارب الخشبية، وقال: «هي شريان منذ الطفولة، تعلمت الصناعة على يد والدي منذ أن كان عمري 12 عاما وكانت بدايتي هي عبارة عن رسومات كنا نرسمها للسفن الموجودة في المنطقة ولقد اكتسبت كل هذه المعرفة من خلال احتكاكي بالنواخذة والجلافين وجلساتي معهم، وهذه الحرفة تعد من أصعب المهن، ولها أسرار وخبايا لا يعرفها سوى أهالي المنطقة التي تصنع فيها السفن، وكانت قديماً تصنع يدوياً باستخدام الماء والنار ودهن الحوت، ويستغرق العمل فيها عاماً كاملاً او أكثر، قبل ان يستخدم في صناعتها الآلات الحديثة والخشب المستخدم من الهند وتنزانيا، ومن أدوات صناعة السفن «المنقر» المستخدم لنقر الخشب وتنظيفه، و«منقر كلفات» وهو عبارة عن قطعة حديدية يتشعب أحد طرفيها إلى شعبتين لإدخال الخيوط بين الأخشاب، و«الجدوم» وهي أداة يستخدمها عامل السفينة لنحت الخشب، إضافة إلى المنشار المعتاد الذي يستخدم في قطع الأخشاب، وغالباً ما يكون بأحجام متنوعة بحسب استخداماته، ويحتاج صانع السفينة إلى «الشبا» وهي أداة تمسك الخشب و”المجدح” ويستخدم في ثقب الأخشاب بواسطة القوس الذي هو عبارة عن خشبة أسطوانية مستطيلة يربط بطرفيها “وتر” رفيع يستخدم في تشغيل المجدح لثقب الأخشاب التي تصنع منها السفن، إضافة إلى ذلك يستخدم “الرندة” أو الفارة لتنعيم الأخشاب التي ، و”الشاكة” هي طباشير يستخدمها الصناع في وضع علامات على السفينة ، إضافة إلى استخدام “البلد” وهو عبارة عن كتلة من الرصاص لها عزوة يربط فيها حبل به علامات للقياس، ولصناعة السفن في السلطنة تقاليد وطقوس تناقلتها الأجيال والأيادي التي مارست تلك المهنة الشاقة، ومن أشهر السفن ما يسمى” البوم “ وكانت تنقل السلع والبضائع عبر موانئ الخليج العربي وموانئ الهند وباكستان وإفريقيا، ويصل طولها إلى 150 قدماً، وتتراوح ما بين الـ 300 و 750 طناً، وهناك نوعان لسفن البوم، منها ما يبحر إلى البعيد ويعرف باسم “السفار” ، ونوع آخر يعرف باسم “القطاع” ، ويستخدم في الإبحار لوجهات قريبة من موانئ الخليج العربي، وهناك العديد من السفن التقليدية القديمة المصنعة من الخشب الصلب، تشق عباب البحر ومنها ما يعرف باسم “الشوعي”، وتستعمل للبحث عن اللؤلؤ وصيد الأسماك».

فتح الباري

وعن بدايته في صناعة أول سفينة قال الزعابي: «قمت بصناعة أول سفينة في عام 2009 بطول 12 مترا واستغرقت سنة وثلاثة أشهر وهي أول سفينة صنعتها وكانت بعض المواد غير متوفرة في السلطنة ولمدة عامين وأنا اجمع الأخشاب لبناء السفينة والحمد لله تكللت الجهود بالنجاح وتم تدشين السفينة في عام 2011 وأسميتها سفينة فتح الباري».

ألقاب ومعان

ويؤكد الزعابي بأن العاملين في السفن الشراعية حملوا أسماء تبرز دور كل واحد منهم، وأول هذه الأسماء هو “السردال” وهو قائد أسطول السفن الذي يملك القرار النافذ، و”النواخذة” قائد السفينة الذي يدير الطاقم، وهو المطاع فيها دون اعتراض من أحد، و”المقدمي” وهو الذي يجلس أمام السفينة كمرشد لها، و”الغواص” الشخص الذي يغوص البحر لاستخراج المحار والأصداف من البحر، و”السيب” وهو المساعد المباشر للغواص، وتقع عليه مسؤولية سلامة الغواص، وهو الذي يمسك بحبل متصل بينه وبين الغواص، فإذا حرك الغواص الحبل سحبه السيب الى الأعلى.

و”السكوني” الممسك بدفة السفينة ، و”الرضيف” ويطلق على الصبية الذين أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشرة، ويقومون ببعض الأعمال ومنها مساعدة السيب في سحب الغواص، و”التباب” الصبي الحدث ومهمته مساعدة من على ظهر السفينة، و”الجلاسة” وهم الرجال الاحتياط الذين يحلون في أي طارئ يحدث لأحد الغواصين، و”النهام” وهو المنشد في السفينة الذي ينشد الأشعار بصوت شجى ، و”الطباخ” ، و”الكيتوب” الذي يرصد كل شيء يدور على السفينة وكمية اللؤلؤ التي يحصلون عليها.

المشاركات

وحول المشاركات قال: «على مستوى السلطنة شاركت في العديد من المهرجانات والأعياد الوطنية ومهرجان أصالة في مسقط على مستوى السفن التقليدية ومهرجان صحار التراثي والمعرض الدولي وإبداعات عمانية والعديد من المهرجانات، وأما على المستوى الخارجي شاركت بالسفينة “فتح الباري” في مهرجان كتارا في دولة قطر 2011 وحصلنا على المركز الثاني، وشاركنا في معرض للسفن التقليدية بإمارة رأس الخمية بدولة الإمارات العربية المتحدة».

زيارات

وتابع: «قمت بالتنسيق مع مديري المدارس بالولاية من أجل عمل زيارات لطلبة المدارس للاطلاع على السفن الموجودة لدينا لمعرفة أنواعها وكيف صنعت وكم استغرق الوقت لصناعتها وما هي المواد التي صنعت منها السفينة والحمد لله كان التجاوب إيجابيا من قبل المسؤولين في التربية وشرحنا للطلبة كافة التفاصيل المتعلقة بصناعة السفن وتاريخ أجدادهم الذين جاهدوا من أجل لقمة عيشهم وهم يحملون البضاعة على اكتفاهم لتصدريها للبلدان المجاورة وكانت ولاية صحم تشتهر بالليمون وتشاهد السفن والبواخر راسية على شاطئ صحم لتحميل البضائع التي تأتي من مختلف مناطق السلطنة ويعتبر سوق صحم من اشهر الأسواق للحركة التجارية النشطة وكان الأهالي يحملون البضاعة على الجمال ولم تكن وسائل النقل الحديثة متوفرة آنذاك وحصن صحم يعتبر معلما من معالم الولاية وحركة تجارية رهيبة في الولاية».

مناشدة

ويناشد الزعابي الجهات المعينة متمثلة في بلدية مسقط بتخصيص موقع في ميناء السلطان قابوس السياحي لعرض السفن التقليدية وإقامة مهرجان سنوي للسفن، قائلا: «الأفكار موجودة وأتمنى من خلال جريدة عمان ان تصل رسالتي للمسؤولين بفتح المجال لنا بالمشاركة وإقامة معارض بحرية لتطوير الاقتصاد العماني واستغلال صناع السفن التقليدية واستقطاب صناع السفن القدامى ومن كان لهم باع طويل في صناعة السفن الموجودة في المهرجانات والاحتفالات التي تقام على ارض السلطنة ومولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – حريص على المحافظة على التراث والداعم له متمثلاً ذلك في الهيئة العامة للصناعات الحرفية».

الخناجر والسيوف

إضافة لصناعة السفن امتهن منصور الزعابي حرفة صناعة الخناجر والسيوف وهو في سن العاشرة فبدأ الزعابي حياته في الارتباط والاحتفاظ بأنواع مختلفة من الموروثات التي وجدها عند الآباء والتي وصلت اليوم الى مخزون كبير لا يقدر بثمن بالنسبة له، هذه الهواية دفعت الزعابي الى تعلم صناعة الخناجر والفضيات وقد اصبح اليوم من الذين يشار لهم بالجودة والتميز في إنتاج افضل أنواع الخناجر العمانية ومن خلال زياراتنا له اتضح لنا جلياً بأنه يحرص كل الحرص على الارتباط بحياة الآباء والأجداد.