humada
humada
أعمدة

هل يشهد العصر نهاية التقاعد؟

07 مايو 2017
07 مايو 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

هل يرى هذا العصر نهاية مصطلح التقاعد كما عرفناه خلال العقود الماضية، بعد أن أدركت البشرية على ما يبدو الخطأ الفادح الذي وقعت فيه، بالخروج عن الفطرة الإنسانية ووضع عمر محدد للإنتاج للأفراد دون مراعاة للفروقات الفردية وأوضاع كل إنسان وقدراته وحالته الصحية، بعد أن ظهرت آراء اليوم على الساحة تصنف التقاعد على انه أحد أسوأ ما أنتجه عصر الصناعة، ولعل العالم بدأ بالفعل يدرك الكارثة التي تسبب فيها تحديد سن للتقاعد، كونه أمرا يناقض الفطرة البشرية السوية، كون الإنسان خلق للعمل، فالعمر الوظيفي ليس من المفترض أن يكون أقل من عمر الفرد، لكن للأسف الشديد أصبح العمر الوظيفي يقل بمعدل 30 سنة عن السن الطبيعي، وهو ما يعني انتقال البطالة من سن الشباب إلى سن الشيخوخة، وهي السن التي يكون فيها المرء أحوج للعمل من أي وقت مضى، وذلك لما للتقاعد من تأثير مدمر على صحة الفرد الجسدية والنفسية، والتي جعلت هذه الشريحة فريسة للأمراض المزمنة والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى إعاقات جسدية يصبح المسن فيها عالة على أفراد أسرته ومجتمعه، وهو ما يؤدي إلى تدهور في حالته النفسية، نتيجة الشعور بانعدام الحيلة، وانخفاض تقديره لذاته، وهو ما أدى إلى ارتفاع فاتورة الرعاية الصحية لهذه الفئة، ذلك أن الفراغ قاتل، وعدم النشاط كذلك، سواء كان النشاط ذهنيا أو بدنيا وهو ما يفتقده المتقاعد الذي يترك وظيفته، ناهيك عن إخراج شريحة كبيرة من المجتمع من الإنتاج، وحرمان صناديق التقاعد من تدفع الإيرادات من مساهمات هذه الفئة، وصرف معاشات لفترات طويلة أدركت الأنظمة القديمة تأثيرها اليوم وهي تقف عاجزة أمام كارثة شيخوخة الشعوب وانخفاض معدل المواليد وارتفاع فاتورة الخدمات الصحية التي باتت تستنزف الأموال العامة.

في المقابل فإن كثير من الدراسات اليوم تشير إلى أن العمل هو أفضل وسيلة علاجية لما له من تأثير في رفع معنويات المسن، وإعادة هيبته وإحساسه بالجدوى والأهمية بين أفراد أسرته ومجتمعه، فالعمل هوية قبل أن يكون مصدر رزق، ويكفي أن ترى باحث عن عمل وتقارن معنوياته بعد أن يحصل على وظيفه، لذا لجأت كثير من الدول المتقدمة اليوم إلى إعادة دمج المسنين في بيئة العمل من خلال رفع سن التقاعد من جهة، وإعادة المسنين من ذوي الخبرات إلى سوق العمل.

في كل الأحوال، لا يجب أن يكون التقاعد برأيي هو نهاية المسير على الإطلاق، بل يجب أن يكون بداية حياة جديدة في حال وجد المرء نفسه مجبرا عليه بحكم الأنظمة السائدة في بلاده، وإن كان سوق اليوم للمشاريع الصغيرة والمتوسط بين فئة الشباب، إلا أن الكبار يجب أن يكونوا أول من يفكر بها، خاصة وإن هناك كثيرا من الدراسات التي تشير إلى أن نسبة نجاح المشاريع لفئة كبار السن تجد فرص نجاح أكبر، وذلك بسبب الخبرة والحكمة وطول البال الذي يتميز به الكبار إضافة إلى ميلهم لعدم المخاطرة، حتى فيما يتعلق بالهوايات فالتجارب أثبتت أنه لا يوجد سن محدد ليبدأ المرء فيه باكتساب هواية جديدة، وحتى بناء جسد جديد، فالمرء يفقد 5% من عضلاته كل 10 سنوات من تقدمه في العمر، وبناء العضلات حتما تعني جسد سليم قادر على العطاء والمقاومة فترة أطول، وهي باتت ضرورة ملحة في عالم قلت في الحركة أو تكاد تكون انعدمت، مؤدية إلى تدهور في صحة الفرد نتيجة الخمول والإفراط في تناول الأطعمة، وهو الثمن الذي تدفعه الشعوب اليوم للرفاهية وتحسن مستوى المعيشة، إذن فالتقاعد مصطلح يجب أن يتم حذفه من حياتنا في حال أردنا مجتمعات سليمة.