أفكار وآراء

تداعيات استراتيجية لهزيمة داعش

07 مايو 2017
07 مايو 2017

د.أحمد سيد أحمد -

,, أضحى الإرهاب أحد مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين في العقد الأخير خاصة مع انتشار الحروب الأهلية في الكثير من دول العالم في إفريقيا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط، وازدادت مخاطر الإرهاب مع اتساع مساحته لتشمل العديد من مناطق ودول العالم,,

طال الإرهاب العديد من الدول الأوروبية ودول منطقة الشرق الأوسط، كما ازدادت عدد التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش الإرهابي وفتح الشام (جبهة النصرة) في سوريا والعراق، وجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا وحركة «شباب المجاهدين» في الصومال وتنظيم «القاعدة» وفروعه المختلفة ، سواء في جزيرة العرب في اليمن، أو في شمال المغرب العربي ، في تونس والجزائر، ودول الساحل والصحراء، كما تطورت أساليب الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وأصبحت أكثر ضراوة ، مع استخدام الأساليب التكنولوجيا الحديثة سواء في تجنيد المزيد من الأعضاء أو في تنفيذ العمليات الإرهابية ذاتها عبر ما يعرف بالذئاب المنفردة والتنظيمات العنقودية وهي خلايا نائمة تقوم بعمليات انتحارية وتتعاطف مع أفكار التنظيمات الإرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة وقد لا ترتبط بها بشكل مباشر أو تتلقى الأوامر منها.

لكن تنظيم داعش شكل أحد أخطر صور الإرهاب خاصة بعد تصاعد نفوذه بعد ثورات الربيع العربي وسيطرته على مساحات شاسعة في كل من العراق وسوريا وانتشاره في العديد من الدول الأخرى مثل ليبيا واليمن ومنطقة القرن الإفريقي، وارتكابه العديد من جرائم القتل والذبح والتشريد ضد السكان المدنيين تحت زعم إقامة الخلافة الإسلامية، كما قام التنظيم بالعديد من العمليات الإرهابية والتفجيرات في الكثير من الدول مثل مصر والدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهو ما شكل تحديا كبير للمجتمع الدولي والمنطقة العربية.

وقد شهد العامين الآخرين انحسارا كبيرا لتنظيم داعش بعد تعرضه لهزائم كبيرة في العراق وسوريا وفقدانه الكثير من المناطق التي كان يسيطر عليها، ففي العراق تعرض التنظيم لهزيمة ساحقة في الفلوجة وتكريت والرمادي وفي الموصل معقله الأخير و الرئيسي بالعراق بعد نجاح القوات العراقية والقوات الحليفة لها في تحرير معظم محافظة نينوى. كما يتعرض التنظيم في سوريا لهزائم كبيرة أيضا وتم تحرير معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها مثل عين العرب (كوباني) وجرابلس ومنبج. ولم يعد التنظيم يسيطر سوى على مدينة الرقة عاصمته الأساسية، وقد اقتربت معركتها مع احتشاد كافة القوى في سوريا لتحريرها من قبضة التنظيم. ولذلك يلفظ داعش أنفاسه الأخيرة مع تزايد الانتباه الدولي لمخاطر التنظيم ودوره في نشر الإرهاب في العالم وضرورة العمل على استئصاله خاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد ترامب وعزمها على القضاء عليه وحدوث العديد من التفاهمات بين القوى الدولية والإقليمية للتخلص منه والقضاء عليه.

ولذلك فإن هزيمة تنظيم داعش وتراجعه تحمل العديد من التداعيات الاستراتيجية والأمنية على ظاهرة الإرهاب خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل في:

أولا: تمثل هزيمة داعش والضربات الساحقة التى تعرض لها خطوة مهمة على طريق محاربة الإرهاب واندثاره في منطقة الشرق الأوسط، فمن ناحية فقد انهار النموذج الذي كان يطرحه داعش في سوريا والعراق ويتمثل في إقامة خلافة إسلامية مزعومة، حاول من خلالها جذب المزيد من المقاتلين وتجنيدهم ، عبر الترويج لما حققه من تقدم في السيطرة على مدن بكاملها ومحاولة إقامة نظام سياسي وإداري واقتصادي . ولذلك فقد أدت هزيمة التنظيم إلى انشطار حالة الإحباط واليأس لدى العديد من الأفراد المتعاطفين معه والذين بدأوا ينفضوا عنه. ومن ناحية ثانية فإن حرمان التنظيم من مصادر قوته في العراق وسوريا ، خاصة منابع النفط ، التي كان يسيطر عليها، وتعد المورد الأساسي لتمويل عملياته، تشكل ضربة قاصمة له وعدم قدرته على الاستمرار في تجنيد الأشخاص وتقديم الوعود السخية لهم بتوفير حياة اقتصادية جيدة لهم، وتقديم الأموال الطائلة لهم، ثم تراجع أعداد المنضمين إلى التنظيم في الشرق الأوسط، كذلك فقدانه لمصادره من المياه من نهر والفرات.

ثانيا: أدت الهزائم الأخيرة للتنظيم إلى حصاره فى مناطق محددة يمكن السيطرة عليها بعد أن فقد غالبية المدن والمناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، ثم أصبح من السهل اصطياد عناصره التي تحاول الفرار أو الهروب خارج سوريا والعراق أو إلى المناطق الداخلية في البلدين والقضاء على ما تبقى من التنظيم بعد مقتل غالبية أعضائه ومعظم قياداته، والعقول المدبرة في التنظيم مما أفقدها القدرة على شن هجمات إرهابية جديدة في البلدين أو نقل عملياته الإرهابية إلى خارج سوريا والعراق لدول المنطقة، وهو ما يساهم بشكل كبير في تراجع التهديدات القادمة من العراق وسوريا كمصدرين كبيرين لتصدير الإرهاب والعنف إلى دول المنطقة كما كان يحدث في السابق.

ثالثا: هزيمة داعش تمثل خطوة مهمة فى تراجع الظاهرة الإرهابية لأنه نزع الورقة التى كانت توظفها بعض الدول الإقليمية والعالمية في التدخل في العراق وسوريا تحت زعم محاربة الإرهاب ، وهو ما فاقم من تعقد الصراعات والأزمات، بل ساهم في تزايد الظاهرة الإرهابية ذاتها نتيجة لأن داعش استغل تدخل بعض الدول الإقليمية لاستقطاب عطف بعض الفئات المحلية ، بحجة الدفاع عن طائفة أو فئة معينة في مواجهة فئة أخرى مدعومة من الخارج. كما أن الدور الخارجي كان واضحا في صناعة «داعش» وانتشاره وتصاعد مخاطره، مع ارتباط بعض الأجهزة الأمنية للدول الكبرى بتنظيم «داعش» وتوظيفه ورقة في الصراع السياسي للأزمتين السورية والعراقية لتحقيق مصالحها وأهدافها، ويؤكد ذلك أنه خلال سنوات عديدة لم تكن هناك رغبة جدية من جانب بعض الدول للقضاء على التنظيم، بل إن غارات التحالف الغربي في سوريا والعراق كانت تتجنب قصف مواقع التنظيم، وهو ما أثار التساؤلات حول الارتباط بين تلك الدول، أو بعضها على الأقل ، وبين التنظيمات الإرهابية كداعش. وبالتالي فقدت تلك الدول أهم ورقة لها بعد هزيمة التنظيم وهو ما يهيئ البيئة أمام التحرك الجاد لإنهاء الأزمتين السورية والعراقية بعد زوال أكبر عقبة أمام التسوية السياسية خلال السنوات السابقة في ظل سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة في العراق وسوريا ، وعدم شموله ضمن اتفاق الهدنة في سوريا الذي تم برعاية روسية وتركيا وبآلية مراقبة ثلاثية إيرانية روسية تركية.

لكن التساؤل هل ستتجه بعض الدول إلى دعم تنظيمات إرهابية أخرى أو إنشاء تنظيمات جديدة كبديل عن «داعش» واستخدامها كأوراق ضغط ، للتدخل في أزمات المنطقة واستمرار حالة الصراع والتوتر فيها بما يحقق مصالح دول إقليمية معينة مثل إسرائيل ، التي استفادت من تفاقم تلك الأزمات واستمرارها بدون حل. وهل هناك رغبة حقيقية من جانب الدول الكبرى في محاربة الإرهاب واستئصاله من جذوره بعد هزيمة داعش ؟ ، أم أنها مرحلة مؤقتة لتعود التنظيمات الإرهابية مجددا بأشكال و صيغ أخرى ؟ كما حدث من قبل مع تنظيم «القاعدة» الذي دعمته الدول الغربية في البداية ثم انقلب عليها بعد أن وجه عملياته الإرهابية إليها كما حدث في 11 سبتمبر عام 2001 واضطرت إلى تغيير سياساتها ومحاربته في أفغانستان والعراق.

رابعا: إن هزيمة داعش لا يعني انتهاء الظاهرة الإرهابية تماما في الشرق الأوسط، فهناك العديد من السيناريوهات لما بعد داعش وأبرزها أن يتحول التنظيم والتنظيمات الأخرى إلى خلايا متفرقة ونائمة ، تتحين الفرصة والظروف ، لكي تنشط مرة أخرى ، لتهدد الاستقرار والأمن في البلدين، وهناك سيناريو أن تقوم تلك التنظيمات بعد فرارها من العراق وسوريا بعمليات إرهابية وانتحارية متنوعة في دول المنطقة عبر ما يسمى بالذئاب المنفردة تقوم بها بقايا المقاتلين من عناصر داعش في سوريا والعراق خاصة المقاتلين الأجانب بعد عودتهم إلى بلدانهم، أو يقوم بها بعض المتعاطفين مع داعش والمؤيدين لأفكاره.

ولمنع حدوث تلك السيناريوهات لما بعد «داعش» واستئصال الإرهاب من الشرق الأوسط فإن الأمر يتطلب البحث في الأسباب والعوامل التي شكلت البيئة الحاضنة لتصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط وتجفيف منابعها والعمل على تحقيق تسوية سياسية توافقية شاملة لحل الأزمة في سوريا والعراق، والعمل على التنسيق العربي لضبط الحدود ومنع تسلل عناصر داعش للقيام بعمليات إرهابية، كذلك المواجهة الفكرية والثقافية وتفنيد خطاب التنظيمات الإرهابية ومنع قيامها بعمليات تجنيد أعضاء جدد، إضافة لإخراج كافة المليشيات والقوى الأجنبية من سوريا والعراق. ولذلك فإن مرحلة ما بعد داعش هي الأخطر والأهم نحو القضاء على الإرهاب واستئصاله من المنطقة العربية.