yesra
yesra
أعمدة

ربما: البحث العلمي

03 مايو 2017
03 مايو 2017

د. يسرية آل جميل -

[email protected] -

واقعٌ أليمْ يكشف عن غيابِ عقلية الفرد العربي غير المُدرك تماما لأبعاد المسؤولية المُلقاة على عاتقه، إذا ما قصده أحد الباحثين لتعرُّف استجاباته التي تعبر عن وجهة نظره بكل أمانةٍ علمية حيال موضوعٍ ما.

وما يؤسف أكثر، إن ردة الفعل السلبية هذه تأتيكَ من حملة الدرجات العِلمية من الجامعيين، والموظفينَ العاملينَ في قطاعاتٍ مُختلفة في مؤسسات الدول العَربية وهيئاتها الحكومية أو الخاصة.

إذ يتم الاستهانة بالبحثِ العلمي وبالباحثين وأدواتهم ممَن التمسوا فيهم الأمانة العِلمية، لتعبئة الاستمارات أو الاستبانات، أو البطاقات ..إلخ هذه الأدوات، التي يرتبطُ مصيرها - بكل أسف – في بعض الأحيان بيدِ مَن يجهلْ قيمة كُل كلمة تمَّ تدوينها.

على الرُغمِ من أن البحثِ العِلمي يُعد معيارا من النوعِ الثقيلِ جداً لقياسِ مُستوى النهضة الفكرية في أي دولةٍ من دول العَالم.

وقد تبدو أهميته بشكل أوضح في دولِ العالم العربي بالذات ـ إذا ما أدركنا أنه الكفيل بتهيئة رُقعتها الجُغرافية، وتحسين مناخاتها الإنسانية، لردم الفجوة العلمية والثقافية بين دُولنا المنعوتةِ بالناميةِ حيناً، و(النايمة) أحيانا أخرى!

يقضي الباحث شُهورا، وربما يتجاوز الأمر معه عاما ونيفا، من أجلِ بناء، أو تصميمِ القالب النهائي لأداة بحثه، التي سوفَ تكشف له في الأخير عن نتائج لن تخدمه بالقدر الذي تخدم به المُجتمع بأكمله.

ثمَّ يأتيك من يُلقي بهذا الجُهد المبذول تحتَ أقدامِ الجَهلْ والاستهتار، أو رُبمَّا عندَ عتبةِ نارِ الغيرة التي تشتعل في قلوبِ البعضْ(أنا أتَّعب نفسي، أجلس أعبِّي هذه الاستبانات، وحضرته يأخذ ماجستير أو دُكتوراه !)

تعِبنا من هذه العقول ومعها!

متى سيُدرك هَؤلاءْ قيمة الـ والـ ؟

ألا يعلمون أن هذه العلامة البسيطة في شكلها قد تُؤدي إلى تغيير الكثير من الحقائق بدرجة قد تشكِّل خطرا على المُستهدفين ذاتهم، وعلى الذينَ يلونهم، ثم الذين يلونهم، وعلى الأمَّة بأكملها دونَ مُبالغة؟

علما بأن كثيرا من البحوث المُستندة على الـ و الـ ، كما أطلقت عليها إحدى الصديقات (بحوث التيك تيك) بدأ يُسحب من تحتها البُساط؛ بسببِ عدمِ مِصداقية الذين يحمَّلون أمانة (التيك التيك) في أعناقهم إلى يومِ الدينْ.

إن المنطق يقول: إنه على المُستهدفين إدراك أهمية الدراسات، وكُل البحوث العلمية التي تُجرى في مختلف الميادين.

لماذا نقوم بالأبحاثِ العِلمية؟

البعض يقول: «يا عمِّي .. الباحثين هذيلي ناس فاضية ما وراها شيء!»

هل حقا نحنُ «ناس فاضية»؟

هل البحثِ عن المَعرفة، وتقصَّي الحقائق، وتصحيحِ الأفكار، والمُعتقدات، والتصورات نحوَ الإنسان، والكون والحياة.. فضاء!

هل خلقِ الحلول الكفيلة بالتغلب على الصعوبات السياسية أو البيئية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية.. فضاء!

هل التفسير النقدي للآراء، والأفكار، والقوانين، والظواهر الطبيعية فضاء!

هل تقصي الحقائق التي يستفيد منها الناس في التغلب على الأمراض والأوبئة والفقر.. فضاء!

هل الوصول إلى أفضل الحلول للتغلب على مشكلات الماء والطُرق، والنقل، والبيئة والإنتاج، والتنمية، والتسويق، والانتخاب، والفن.. فضاء!

هل بعد كُل هذا يُنكر أحدكمْ فضلِ الباحثينْ على الأمَّة والعَالمِ أجمع!

أما زالَ فيكم من يرى أن البحث العلمي رفاهية أكاديمية تمارسها مجموعة من الباحثين «الفاضين»، القاعدينَ في أبراجٍ عاجية؟

بعض الدُول قامت بتغيير سياستها العامة في إدارة شؤون رعيتها؛ لأن دراسات الباحثين الفردية، أو حتى المُنتسبة إلى مراكز للبحوث فيها، جاءت بنتائجٍ خطيرة رصدتها من واقع استجابات المفحوصين على الأدوات تلك، وفي ضوئها تنبأت بما يُمكن أن يحدث مُستقبلاً، فأنقذت ما يُمكن إنقاذه.

عِدة دراسات أكاديمية وسياسية واستراتيجية أجريت، وكانت تقوم في معظمها على الافتراضات والتوقعات، و الظنْ - الذي يصنع المُستقبل في أغلب الأحوال -، وهي التي يتم الاستناد الآن على نتائجها الأكاديمية الُمخزَّنة في ذاكرةِ أجهزة الكمبيوتر؛ كي يطلِّع عليها المسؤولون مَتى دعت الضرورة، ومتى أصبحت التوقعات البحثية المفترضة حقيقة، ينبغي إيجاد الحلِّ السريعِ لها دونِ تجاوزِ سطرْ واحدْ.

دعوني أضرب لكم مثلاً في السياسة:

في الولايات المُتحدة الأمريكية نُشرت عام 1985م دراسة في بعض المجلات الأمريكية، ونشرتها جريدة الوطن الكويتية في العام 1987م – أي قبل الغزو العِراقي بثلاثِ سنواتْ -، عمَّا إذا غزت العِراق دولة خليجية ما الحَلْ؟

هل تعلمون أن الرئيس الأمريكي «جورج بُوش الأب» قد تتبَّع تماما التوصيات والنتائج التي كشفت عنها نتائج هذه الدراسة، وأن هذه الدراسة «القائمة على التوقُّع» كانت نتائجها سببا في تحريرْ دولة الكويت – بعد فضل الله تعالى - !

هل بعدَ كُل هذا:

ستستمر الفئة التي «على رأسها ريشة» في اتبَّاع نفس المَنهجية التي وضعتها قاعدة لنفسها في تعبئة أدواتِ البحوث العلمية والإجابة عنها.

أمَّ إنها أدركتْ أمانة العَمل الذي تراه صغيراً، وهوَ عندنا، وعند الله عزَّ وجل كبيرا.

-إليه حيثما كان:

لماذا تنتهي كُل التجارب العلمية بنجاحٍ يُبهر البشرية

وتنتهي كل التجارب العاطفية بفشلٍ لا مثيل له؟!