998159
998159
شرفات

هل هو موجود أم غير موجود؟ النادي الثقافي يفتح سجالا حول الأدب الرقمي.. لكن الأسئلة بلا إجابات!

01 مايو 2017
01 مايو 2017

عاصم الشيدي -

لم يخرج حضور «ندوة الأدب الرقمي» التي نظمها النادي الثقافي مساء الأربعاء الماضي بغير أسئلة تائهة وملتبسة لا إجابات لها، لا لأنها أسئلة فلسفية من تلك التي لا إجابات لها بالمطلق ولكن لأن المتحدثان في الندوة بدآ وكأنهما غير مستوعبين للفكرة التي يتحدثان عنها للضباب الذي ما زال يحيط بها أو لأنهما لم يستطيعا إيصال ما يؤمنان به في «الأدب الرقمي» للحضور ولذلك لم تستطع «الندوة» أن تعطي إجابات ولو بسيطة جاء يحملها الحضور أو ولدتها النقاشات التي طرحت في الندوة.

وإذا كان الدكتور حبيب بن اللطيف أحد المتحدثان في الندوة قد بدا من أول مداخلة له في الندوة غير مقتنع بما جاء للتحدث عنه «الأدب الرقمي» ويطرح أسئلة أكثر مما يحاول أن يجيب حتى أنه عندما بدأت النقاشات في نهاية الندوة قال بصراح «الحمد لله أنني وجدت من يساندني في رأيي» خلال رده على نور الدين الهاشمي الذي قال إن مصطلح الأدب الرقمي يبدو كثير «الضبابية» وغير واضح من خلال ما جاء في الندوة، إلا أن المتحدثة هدى الدغفق دافعت بضراوة في بداية الندوة وفي وسطها عن الأدب الرقمي وقالت إنه شيء واقع وعلينا أن نتعامل معه قبل أن تعود في نهاية الندوة وتقول في سياق أحد ردودها على المتداخلين «ليس شرطا أن أكون مستمتعة بهذه الأجناس من الأدب الرقمي»!!.

وطرحت مديرة الجلسة ميساء الهنائية أربعة محاور على ضيفي الندوة حاول الأول استقصاء «مفهوم الأدب الرقمي واصطلاح إطلاقه»، والثاني حول «الثقافة الرقمية ودورها في تشكل الأدب الرقمي» والثالث «الأنواع الأدبية التي أفرزتها الثورة الرقمية» والمحور الرابع والأخير كان حول «دور الروابط الرقمية في دعم الأدب الرقمي». لكن بقيت المحاور الأربعة مبهمة حتى نهاية الندوة دون أن يستطع الحضور تشكيل فكرة تتوسل الكمال حول المحاور الأربعة.

وعلل البعض ومنهم الدكتور عائشة الدرمكية في مداخلتها الأخيرة في ختام الندوة السبب إلى أن الأدب الرقمي ما زال في بداياته الأولى ولذلك يبدو عصيا على الباحثين وضع قواعد أو اصطلاحات مانعة له كما هو الحال مع بقيت الفنون الأدبية المعروفة.

وبين من اعترف وأقرّ بوجود الأدب الرقمي وبين من أصر أنه لا حضور له حلقت الندوة بعيدا عن تعريفنا ما هو هذا الأدب الرقمي؟

ومنذ البداية قالت الدكتور حبيب بن اللطيف خلال مداخلته في محور مفهوم الأدب الرقمي واصطلاح إطلاقه أنه يفضل استخدام مصطلح الأدب الافتراضي أكثر من الأدب الرقمي.. ثم طرح سؤال ما هو الأدب؟ وما هي مكوناته؟ مشيرا أن هذا المفاهيم جاءت من الغرب ول تتأسس في الأساس من عمق الأدب العربي.

مؤكدا أن أي حديث في محور مفهوم الأدب الرقمي لا بد أن ينطلق من سؤال ما هو الأدب، وابن خلدون عندما تحدث عن علم الاجتماع في كتابه بدأ أول ما بدأ بالتنظير لعلم الاجتماع.

ولم تخرج مداخلة الدكتور حبيب ببلورة مفهوم للأدب الرقمي. أما هدى الدغفق فقالت إن الأدب الرقمي محير جدا وليس من السهل إيجاد تعريف له، وليس حول مسماه أي اتفاق فالبعض يسميه أدب تفاعلي، وآخر يمسيه أدب مترابط، وآخر أدب رقمي، إلا أن المنتشر على نطاق واسع أنه أدب تفاعلي.

وترى هدى الدغفق إن أهم ما يميز الأدب الرقمي أو التفاعلي هو حضور المتلقي وبقوة إضافة إلى وجود تفاعل من هؤلاء المتلقين.. وتحدثت الدغفق عن فكرة موت المؤلف لصالح حضور طاغ وأساسي للمتلقي.

ورأت الدغفق أن عدم استقرار التسمية وعدم وجود تعريف لمصطلح الأدب الرقمي عائد إلى مشكلة عدم وجود ناقد رقمي في الأساس يقوم بوضع قواعد لهذا النوع من الإبداع.

كما رأت أن السبب عائد أيضا إلى عدم استقرار نظرية التلقي وهو ما أثر في الأدب الرقمي المعتمد في أساسه على التلقي.

وكانت الناقدة المغربية المعروفة زهور كرام من بين النقاد العرب القلائل الذين تحدثوا عن الأدب الرقمي وحاولوا التنظير له.. ورغم ذلك فإنها ترى أن مفاهيم هذا الأدب «لا تزال ملتبسة بعض الشيء لكونها حديثة العهد سواء في التجربة العربية أو في التجربة الغربية الرائدة وتعرفه بأنه حالة تطويرية لمسار الأدب في علاقته بالوسيط التكنولوجي الذي يغير من طبيعة النص اللغوية وكذا في مفاهيمه المتعلقة بمنتج النص ومتلقيه ومن ثم يؤسس لشكل أدبي مغاير تبعا لطبيعة اللغة الجديدة». كما استشهدت الدغفق بما كتبته الإماراتية فاطمة البريكية حول الأدب الرقمي التي ترى أن هذا الأدب لا بد له أن يعتمد ويأتي عبر الشاشة وعلى التفاعل، وهو لا يكون تفاعليا إلا إذا أعطت المتلقي المساحة التي يحتاجها ليتفاعل مع النص، والبريكية تركزا أيضا على فكرة المتلقي في الأدب الرقمي.

وفي محور الثقافة الرقمية ودورها في تشكيل الأدب الرقمي كان رأي الدكتور حبيب بن اللطيف إنه ليس متخصص في الأدب الافتراض مشيرا أن تدريسه في الجامعات أو المدارس يتطلب تخصص وإعداد علمي، طارحا سؤال كيف ندخل هذا النوع من الأدب في المدارس والجامعات وكيف ننظر له تنظيرا ثقافيا وأيديولوجيا أيضا، لأنه لا توجد له أهداف واضحة خاصة لمتلقي هذا النوع من الأدب.

وقال الدكتور حبيب: إن الأدب القديم معروف ومتداول ونعرفه وآليات تحليله معروفة لدى النقاد والمشتغلين بالأدب، لكن الأدب التفاعلي أو الرقمي يقال أنه يعتمد على التصميم.. ويشير قرأت كتابا عن هذا النوع من الأدب لناقد مغربي مهم ولكن وجدت أن الكتاب يعتمد على مقولات ومفاهيم أدبية معروفة من أرسطو إلى البنيوية وما بعد البنيوية. حتى مسألة أن الأدب الرقمي يعتمد على التشارك والتحاور فإن الأدب المقارن أيضا يعتمد على هذه الفكرة.. ماذا أضاف الأدب الرقمي إذن؟!

من جانبها قالت هدى الدغفق إن الثقافة الرقمية لا تعني أن نقرأ باستخدام الحاسوب فقط، ولكن لا بد أن نعرف التعامل مع الروابط التشعيبية (المقصود هنا روابط المواضيع على الشبكة المعلوماتية) ونعرف طريقة تنزيل الصور، وتحميل البرامج، وكمبدع رقمي لا بد أن تعرف كل هذا وتتسلح بهذه الثقافة وكذلك المتلقي الذي هو في عرف الأدب الرقمي أهم من المبدع.. وتساءلت الدغفق كيف تتحقق الثقافة الرقمية بدون مرجعية رقمية؟ لابد أن نطلع على كل رقمي جديد.

وحول الأنواع الأدبية التي أفرزتها الثورة الرقمية تقول هدى الدغفق إن عدم استقرار نظرية التلقي كانت سببا في تعدد الأشكال والأنواع في الأدب الرقمي، وكل فترة تظهر أنواع جديدة من أنواع الأدب الرقمي، هناك الرواية التفاعلية وهناك الشعر والمسرح الرقمي وتتعدد أشكال الشعر الرقمي، وهناك الفلاشات الإسلامية، وهناك القصة التويترية التي تكتب باستخدام 140 حرفا فقط.. وهذا النوع من الروايات قامت عليها دراسات.

وتحدثت هدى عن الخواطر الرقمية التي يتشارك في كتابتها أكثر من ثلاثة «مبدعين» عليها دراسات ومن هذه الأشكال الكثيرة جدا والغريبة جدا صار فيه الخواطر الرقمية . وعند حديثها عن القصائد الرقمية قالت هدى إن ثمة خلاف حدث في فهم الفكرة بمعنى هل عندما نأتي بقصيدة للمتنبي ونصورها تصويرا رقيما يصبح شعر المتنبي رقميا؟ لتجيب أن هذه القصيدة عند البعض ليست رقمية ولكن هناك من يراها رقمية لأنها تحولت إلى قصيدة تفاعلية وصار هناك خيال آخر في إنتاجها.

وتنفي هدى في كلامها أن يكون استبدال الكيبورد بالورق هو معيار الأدب الرقمي وحده، مشيرة أن الرقمية طريقة تخرج عن إطار ما هو متعلق بالرقمي، الرقمية في الأدب أن يكون المؤلف موجود في نفس الوقت الذي يكون موجودا فيه المتلقي، لا بد أن يتزامن وجود الجميع.. وكتابة الرواية الرقمية قد لا يستغرق إلا دقائق معدودة. أيضا النص في الرواية الرقمية يختفي وتحل محله بدائل أخرى والمتمثلة في الروابط التي تحيل المتلقي إلى صور أو إلى موسيقى كلاسيكية أو إلى تعريفات.. تصمت هدى قليلا ثم تعود لتقول هذه التجربة تحتاج إلى نقاد ينظرون لها.

وتضيف هدى الدغفق لا بد من حضور الناقد الرقمي، حضوره ضروري حتى يعرف المبدع الرقمي على أي أرض يسير. أحيانا يختلط الأمر بين القصة الرقمية أو الكلاسيكية، نحتاج إلى توضيحات بخصوص التنويعات، ما الفرق بين الأدب المترابط وبين الأدب التفاعلي أو الرقمي، ثم إن التسميات البسيطة تحتاج إلى آليات لدراستها.. حتى المؤلف الرقمي يحتاج إلى متلقي رقمي، يحتاج إلى قاعدة أسياسية في التلقي. الضوابط مهمة لنستطيع السير على هدى، والضوابط مهمة حتى لا يقول كل من هب ودب أنه يكتب قصة رقمية وهي ليست كذلك!!

وحول الأشكال الأدبية التي أفرزتها الثورة الرقمية يقول الدكتور حبيب بن اللطيف: لا بد من وجود التنظير لهذا المخلوق الجديد «الأدب الرقمي» والضبط لتوضيح الصورة والخروج من هذه الفوضى سواء في المصطلح أم في إبداع النص.

وحول نظرية التلقي يقول بن اللطيف في نظرية التلقي والمفاهيم الخاصة بالجمالية.. النظرية الأدبية تجيب على هذا الأمر.. ضاربا مثلا باليد.. جمال اليد ليس في ذاتها ولكن في ترابطها العظمي مع المرفق ومن بقية أجزاء الجسم، ومع تناسقها مع بقية الأجزاء، وعندما نتحدث عن الأدب الرقمي نقول أين جماليته؟ أين تناسقه؟ ثمة فوضى في الموضوع.

من جانبها قالت هدى الدغفق لا يمكن أن يقوم الأدب الرقمي على القطيعة مع التراث.. والأدب الرقمي لا يحمل قطيعة مع الأشكال السابقة هو فقط شكل جديد يحمل أدواته ويحاول بها تلمس العصر، والعصر الذي نعيشه لا يحتمل كل هذه «الثرثرة» إنه يحاول التعبير عن إبداع جيل جديد بطرق جديدة وينقد ثقافة جيله بطريقة تناسبه.

وخلال النقاش قال نور الدين الهاشمي إن الأدب كما نعرفه له علاقة بالمشاعر، بينما ما تتحدثون عنه من أدب «رقمي» فيه نوع من انفصام الشخصية، الانفصال عن المشاعر. وردا على عدم وجود نقاد لهذا الأدب فربما يعود إلى عدم تحققه.. حيث أن النقد دائما ما يكون لاحقا لنضوج التجربة الإبداعية.

ووصل الهاشمي إلى القول إن هذا الأدب ما زال محاطا «بالضبابية».. وغير موجود أساسا ولذلك لا يمكن أن أنقد شيئا غير موجود.

لكن هدى الدغفق ردت على الهاشمي بالقول لو لم يكن الأدب الرقمي موجودا لما كتبت عنه كل هذه التجارب وكل هذه الكتب الرقمية والتي أيضا تكتب عن الرقمية في أبداعها. تأخر النقد لا يعني عدم وجود الأبداع الرقمي والمقصود بالرقمي ليس الأرقام ولكن لاعتماده على الآلة.. ولأن التسمية لها علاقة بهذا العلم فقط.

لتنتهي إلى القول أن الأدب الرقمي موجود لا شك فيه ولكنه يحتاج إلى ناقد جرئ ويتقبل الخطأ والاختلاف.

وقال متداخل آخر على الندوة اعتقد أن الندوة تحاول التنظير لشيء غير موجود، هذا الشيء المغلف بالضبابية لا يمكن أن نطلق عليه أبدا.. وهذا الشيء الذي لم يتبلور بعد لا يمكن أن نستبق ونسميه أبدا.

ورد عليه الدكتور حبيب بن اللطيف: شكرا لك سعيد أنك تشاطرني وتساندني في فكرتي «برأيي أيضا أنه غير موجود» الفن له قوانين لعبة نتفق عليها جميعا.

أما هدى فقالت إن وسيلة نشر الأدب «رقمية» ليست هي الأدب نفسه، الوسيلة غير نوع الأدب، والأدب الرقمي موجود مند عقود ولكننا نحن تأخرنا فيه، ولا بد أن نفرق بين نقدنا للشيء وبين وجودهن أنا مثلا لا أتقبل الأدب الرقمي وأحب التأمل فيه ولكن هذا لا يعني أن الأدب الرقمي غير موجود هو موجود وحقيقي وهو أداة ممتازة للتعبير عن جيل استهلك بالكثير من الخيارات ولجأ للرقمية للتعبير عن نفسه بشكل مختلف. الأدب الرقمي لا بد أن يتحقق وأنت ناشط على حاسوبك والروابط التشعيبية التي تضعها لا بد أن تكون حية ونشطة.

فيما تساءل متداخل آخر حول ما الجنس الأدبي الذي قدمه لنا الأدب الرقمي، القصة قصة وموجودة والرواية كذلك، لم تتغير إلا الوسيلة التي تنقل هذا الجنس الأدبي للمتلقي.

ثم تساءل هل تحويل شخص لتغريداته على تويتر لكتاب يجعل ذلك أدبا رقميا أو نشر منشورات فتاة على الانستجرام يحول ذلك إلى أدب؟ ثم ما هو معيار التفاعل الذي تتحدثون عنه؟

وردت هدى الدغفق على المداخلة بالقول حتى تكون القصيدة قصيدة رقمية لا بد أن تكون فيها روابط تشعبية: روابط للموسيقى روابط للصور كل تلك الروابط لا بد أن تكون لها علاقة بالنص.. هذه الروابط تساعد في تكثيف النص وتساعد أيضا في الخيال.

هنا يموت المؤلف ويحضر المتلقي الذي يتفاعل مع النصو يضيف له.. في النص الرقمي التفاعلي ليس شرطا أن تبدأ في المتابعة من البداية من أي مكان بدأت أنت تستمتع بالنص وتتفاعل معه وتشارك في كتابته.

جابر الرواحي قال لا يجب أن يكون للأدب الرقمي ضوابط، الافتراضي لا تعترف بالضوابط ورد عليه الدكتور حبيب بالقول لا بد من الضوابط، لا بد أن يشعر المبدع بالمسؤولية، عدم وجود ضوابط يحدث فوضى.. فرد الرواحي: فوضى خلاقة. فقال حبيب : حتى الفوضى الخلاقة لها ضوابط. ثم نحن نتحدث عن التشارك في النص فيما العالم يتحدث عن الملكية الفكرية للأدب، والملكية الفكرية لا تعني حب الذات ولكن الملكية الفكرية فيها مسؤولية فيها محاسبة مدنية وتاريخي وعلمية.

ولم تستطع هدى الدغفق أن تحدد أين يكمن الإبداع في النص الرقمي وحاولت تقتبس من زهور كرام للإجابة على السؤال ولكن حتى كلام كرام لم يحل لغز الجمالية في الأدب الرقمي المرتبط بالروابط التشعبية والمتكئ عليها في كل تفاصيله.