شرفات

فهمي هويدي: الكاتب الذي اهتم بقضايا الأمة وتحولاتها«4»

01 مايو 2017
01 مايو 2017

عبد الله العليان -

أهتم الكاتب والصحفي الأستاذ/ ‏فهمي هويدي، بقضية الديمقراطية،والتعددية والسياسية، والتداول السلمي للسلطة،والتخلص من الاستبداد، لتعيش الأمة في استقرار ووئام، والبعد عن الصراعات والتوتر، التي تعتبر الحرية والتعددية، من أهم علاج ارتقاء الأمة ونهضتها وتقدمها، والغرب نفسه، لم يستقر وتنعم مجتمعاتهم، إلا في ظل هذه الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع..وفي كتابه (الإسلام والديمقراطية)، الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، يقول الأستاذ فهمي هويدي في مقدمة هذا الكتاب، أننا «نعتبر أن الجمع بين الاثنين ـ الإسلام والديمقراطية ـ هو من قبيل «المعلوم بالضرورة» من أمور الدنيا، إذا جاز التعبير. ومن باب الجدل فقط نقول إنه في أتعس الظروف و أبأسها إذا لم يكن لتلك المصالحة المنشودة محل أو سبيل، فينبغي أن «نخترعها» بأي شكل كان». لكن الأستاذ هويدي يرى أن الكثير من الباحثين الغربيين، عندما يتحدثون عن العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، فان أحكامهم المسبقة عن الإسلام تجعلهم يقولون ينكرون اتفاق الإسلام والديمقراطية.وقد «نعذر الباحث الغربي، كما يرى فهمي هويدي،ونتفهم أسباب انطباعاته السلبية، التي تتداخل فيها تأثر التاريخ مع كثافة الإعلام المضاد، لكن الذي يدهشنا حقاً ، كما يقول هويدي، أن يقع نفر من الباحثين العرب في ذات الالتباس، ويذهبوا في تقدير الخصومة أو القطيعة ذات المذهب. وهو ما نلاحظه في كتابات توالت في السنوات الأخيرة سواء بعد انهيار المشروع الاشتراكي، أو بعد إعصار الجزائر. حيث بدأ السؤال « ما العمل؟» يبرز منذ ذلك الحين/‏ منصباً بالدرجة الأولى على ما تبقى من خيارات المستقل.

وجدناهم ،كما يقول الأستاذ فهمي هويدي، يتحدثون عن الخيار الليبرالي والقومي، ويتغزلون في الاثنين. لكن الخيار الإسلامي إذا ذكر فإنه يوصف مرة بأنه « غيبي» ومرة بأنه «سلفي» ومرة بأنه «ظلامي»، في إيحاءات واضحة الإشارة للتنفير منه، واستبعاده في نهاية المطاف. في ندوات عدة شاركت فيها لاحظت أن إخواننا هؤلاء يتحاشون ذكر الإسلام بكل وسيلة، ويصابون بحساسية مفرطة إذا ما «زل» لسان أحد من الجالسين بالإشارة إليه. حدث ذلك مرة ، كما يقول هويدي، فانبرى أحدهم مشهراً «الفيتو» ضد ما أسماه « بالدولة الدينية»، ومكرراً على أسماعنا كل ما قاله الغربيون في مثالب الكنيسة في العصور. لا نريد أن نفصل في أهمية الديمقراطية لعافية المجتمع وصحته، لأن ذلك شق موضع اتفاق بين أهل الرشد في مختلف القيادات الفكرية والسياسية، حتى الماركسيون انضموا الى ذلك الاتفاق، بعد ما طويت إلى الأبد صفحة «ديكتاتورية البروليتاريا». الفكرة المفتاح في فهم تحديات التحول الديمقراطي، كما يرى فهمي هويدي، تكمن في تحليل “طبائع الاستبداد” الذي “هو بيت الداء” والأساس لأغلب التحديات التي تواجه التحول المنشود. وهذا التقييم مقتبس مما أورده شيخنا عبد الرحمن الكواكبي (١٨٥٤-١٩٠٢) في كتابه الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”. لكنني سأتعامل مع الفكرة من منظور آخر، أسلم فيه بأن الاستبداد أصل كل فساد كما ذكر، وأركز على بعد لم يتناوله بصورة مباشرة هو أثره على محاولة الانتقال إلى الديمقراطية.

ذلك أن الاستبداد في زماننا ـ كما يقول ـ اختلف في أساليبه عما شهده وعرفه الكواكبي، وإن ظل محوره الرئيسي يكمن في احتكار السلطة والثروة، فلم يعد حاكما فردا تحيط به نخبة من المنتفعين ويمارس سلطانه من خلال أدوات القمع التقليدية، وإنما صارت للاستبداد أدوات أخرى تساهم في تكريس القمع والقهر، في مقدمتها حيل القانون ومنصات القضاء وأبواق الإعلام المرئي والمكتوب. بحيث صار الاغتيال المعنوي والسياسي منافسا للاغتيال المادي ومتقدما عليه، أعني أن الأساليب تطورت بحيث طرحت ما يمكن أن نسميه بالاستبداد الناعم، الذي يجلد بلا سوط ويقتل بلا قطرة دم. خبرة التاريخ تزودنا بالكثير من المعارف التي تساعدنا على تصور التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي. وأستعيد هنا نصا يتعلق بالحالة المصرية، سبق أن أشرت إليه في مقام آخر، أورده المستشار طارق البشري في مستهل كتابه الأخير عن «جهاز الدولة وإدارة الحكم في مصر»، يسلط الضوء على ما يحدثه الاستبداد من تحول في عقيدة وبنية جهاز الإدارة. فهو يذكر «أننا خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير عشنا في مصر في حالة طوارئ ثابتة اعتاد عليها جهاز إدارة الدولة وتشكلت في إطارها تجاربه ومهاراته وأساليب إدارته للشؤون العامة وللتعامل مع المواطنين».بمعنى أنه في “ثقافته” الإدارية وبحكم تجاربه وخبراته لم يستطع الحكم ولا ممارسة مهام عمله في التعامل مع المواطنين إلا في ظل ما تنتجه «حالة الطوارئ» هذه من سلطات وقدرات غير مقيدة. أي في إطار سلطات طليقة من القيود. الأمر الذي يعني ـ حسب تعبيره ـ أن إمكانية الحكم وإدارته لم تعد تنفصل عن خبرة الاستبداد ومعارفه وعادات تعامله». وعن التجربة الديمقراطية في مصر يرى الأستاذ فهمي هويدي، أن التجربة المصرية، هذه الخلاصة تبدو محيرة في بلد عرف الحياة الحزبية منذ أكثر من قرن من الزمان. ذلك أن أغلب المؤرخين المصريين يتفقون على أن «حزب الأمة» الذي تشكل في شهر أيلول/سبتمبر 1907، هو أول الأحزاب المصرية التي تكوّنت بشكل رسمي. وبرغم أن مجموعات سياسية عدة ظهرت قبل ذلك وقدّمت نفسها باعتبارها أحزاباً، إلا أنها كانت مجرد تيارات نهضت لمقاومة الاحتلال البريطاني. غير أن الأحزاب المصرية تبلورت بصورة أوضح وأكثر فعالية مع ثورة 1919، وانتعشت في ظل دستور 1923، الذي أسس لما سُمّي «بالمرحلة الليبرالية» التي استمرت حتى العام 1952. وخلال تلك الفترة كان حزب «الوفد» هو ممثل الأمة، كما أنها شهدت تداولاً للسلطة مع حزب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني وغيرهما من أحزاب الأقلية.

خلال تلك المرحلة الليبرالية، كما يرى الأستاذ هويدي، شهدت مصر صراعاً بين ثلاث قوى، هي: الملك والاحتلال وحزب «الوفد». ويشهد المؤرخون بأنها اتسمت بحيوية سياسية نسبية، ساعد عليها أمران، أولهما أن الدستور أرسى أساس الحكومة الدستورية والحكم الملكي المقيد، كما أرسى الأساس لدولة القانون التي تقوم على الفصل بين السلطات، ووضع حدوداً عامة لسلطات الملك والحكومة والبرلمان. الأمر الثاني أن وجود الاحتلال البريطاني أعطى للجماعة الوطنية هدفاً واضحاً يبرر الاحتشاد حوله.إزاء ذلك، بوسعنا أن نقول إنه في ظل دستور 1923، وطوال ثلاثين عاماً تقريباً (حتى قامت «ثورة يوليو» العام 1952) خطت مصر خطوات عدة على طريق الممارسة الديمقراطية، فكان للمجتمع حضوره المعتبر ممثلاً في الأحزاب السياسية وفي مجلس الشيوخ والنواب، وعرفت تلك المرحلة تداول السلطة بين أحزاب الأغلبية كما عرفت الصراع بين تلك الأحزاب وبين «الوفد» وبين كل من الملك وسلطة الاحتلال، إلا أن المسيرة الديمقراطية توقفت مع سقوط الملكية وقيام الضباط الأحرار بثورة 1952، الأمر الذي أدى إلى وقف العمل بالدستور وإلغاء الأحزاب، وتولى مجلس قيادة الثورة إدارة دفة الأمور في البلاد.في ظل النظام الناصري ، كما يشير الأستاذ هويدي، تمّ تجميد المسيرة الديمقراطية لأسباب يمكن تبريرها، يتعلق بعضها بإزالة آثار النظام القديم ويتعلّق البعض الآخر بتغيير أولويات النظام الجديد الذي شُغل بالدفاع عن استقلال مصر ومساندة حركات التحرر الوطني، وتحدّى قوى الهيمنة في ذلك الزمان، وهو ما عرّض مصر للعدوان مرتين (في عامي 1956 و1967) وبرغم زوال تلك الأسباب في مرحلة السادات، فإن تعطيل المسيرة الديمقراطية لم يستمر فقط. ولكنه تعرّض للتشويه في ظل التعددية المصطنعة التي سمح خلالها بإقامة ثلاثة منابر لليمين واليسار والوسط في العام 1976. وكان السادات هو مَن قوّضها باعتقالات أيلول/سبتمبر 79. وحين جاء مبارك فإنه أبقى على الأنقاض السياسية التي خلفها السادات كما هي، في حين ظلت مراهنته الأساسية على جهاز أمن الدولة الذي أصبح حزبه الحقيقي. وخلال سنوات حكمه الثلاثين، ظلت المسيرة الديمقراطية محاصرة في غرفة الإنعاش، إلى أن ماتت السياسة بمضي الوقت، ولم تبعث إلا على وقع ثورة 2011. وحين أطلق دستور 2013 تشكيل الأحزاب، فإن قصر التجربة لم يسمح لها بأن تنمو ولا أتاح للبرلمان المنتخب أن يثبت حضوره. إلى أن سقط حكم «الإخوان» في العام 2013، وقادت القوات المسلحة التحوّل الذي أفضى إلى ما نحن بصدده. وبعد صدور دستور المرحلة الجديدة في العام 2013 أشرفت الأجهزة الأمنية على انتخابات مجلس النواب في العام 2015. وبه أصبح لدينا برلمان بلا معارضة وأحزاب بلا فاعلية. الأمر الذي أعاد المسيرة الديمقراطية إلى نقطة الصفر.. وللحديث بقية،،،