997636
997636
عمان اليوم

«المتسولون» يواصلون طرق الأبواب بين امتهان الظاهرة وحقيقة الحاجة !

30 أبريل 2017
30 أبريل 2017

أشخاص تم ضبطهم بمحافظة مسقط العام الماضي -

استطلاع: عامر بن عبدالله الأنصاري -

انتشار ظاهرة التسول في أرجاء السلطنة أمر ليس بجديد، رغم الجهود الرامية للحد من هذه الظاهرة السلبية، والتحقيقات الصحفية حولها، إلا أن المتسولين الذين يعتبرون التسول مهنة يجدون ترحيبا من المجتمع وعدم رد سؤالهم، وإن لم يكن من الكل فإنه من الأغلب.

إحصائيات

سجلت دائرة التنمية الاجتماعية بمحافظة مسقط خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام ضبط 32 متسولا بالمحافظة، 12 منهم عمانيون بواقع 9 ذكور و3 إناث، أعمارهم ما بين 45 و80 سنة، و20 متسولا وافدا منهم 13 ذكرا و7 إناث أعمارهم ما بين 12 سنة و60 سنة. أما في العام الماضي، فقد سجلت الدائرة في محافظة مسقط ضبط 207 متسولين، منهم 68 عمانيا بواقع 43 ذكرا و25 أنثى، و139 متسولا وافدا بواقع 83 ذكرا و56 أنثى. وفي الأسطر التالية حديث حول جهود فريق مكافحة التسول التابع للتنمية الاجتماعية، ورأي الشريعة الإسلامية من الظاهرة، والنظرة الاجتماعية لها.

التحدي من المجتمع

بداية التقت «عمان» بـ حمد بن سالم التوبي، مدير دائرة التنمية الاجتماعية بمسقط، رئيس فريق مكافحة التسول بالمديرية، الذي أكد في بداية حديثه أن أبرز الصعوبات التي تواجه فريق مكافحة المتسول لا تأتي من المتسولين بالنفس، بل تكون من عامة المواطنين والمجتمع الذين يقفون في كثير من الأحيان حاجز صد بين المتسولين وأداء الفريق لمهامه، بحجة أن المتسول فقير ولا يملك ما يعيله، وهذا يرجع إلى كون المجتمع العماني كريما بطبعه وذا طيبة كبيرة، فقلما تجد متسولا لا يُعطى، مؤكدا أن الفريق يسعى إلى تثقيف المجتمع بالطرق الصحيحة للتعامل مع المتسولين، منها الأسلوب الحسن في الرد، وإرشادهم إلى أبواب التبرع الصحيحة والرسمية التي تعمل تحت مظلة حكومية سليمة.

مشيرا إلى أن المجتمع العماني واعٍ ومثقف ويجب أن يدرك مدى الضرر المترتب على مساعدة المتسولين وأثر ذلك في تماديهم، قائلا: «هناك رسالة يجب أن تصل إلى الجميع بعدم التدخل بهذا الشأن، ففريق مكافحة التسول يُنفذ سياسة بلد، وخاصة إذا كان المتسول وافدا، فيجب عليه أن ينفذ قوانين البلد ولا يخالفها، وعليه احترام نفسه ولا يستغل وجوده بالأرض التي رحبت فيه لمخالفتها، ولا يجب أن يتصور البعض بأن الفريق والقائمين عليه قساة القلوب».

وأضاف: «يجب على الجميع التكاتف لما فيه خير هذا البلد ووفق رؤية الحكومة الرامية إلى الحد من هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع العماني، وعلى الجميع أن يوقنوا بأن قنوات الخير مفتوحة للجميع ولا ترد أي محتاج إذا ما أثبت حاجته فعلا، ناهيك عن أن بعض المتسولين قد يعملون لصالح منظمات غير قانونية، لذلك فعلى الجميع أن يتكاتف للحد من هذه الظاهرة، التي تسيء للبلد والمجتمع».

واسترسل قائلا: «هناك أرقام للتواصل ومنها رقم مجاني يمكن لأفراد المجتمع من خلاله التبليغ على أي متسول، وهو على الرقم 1100، كما أن هناك أرقاما أخرى للتواصل منها 24717500 وكذلك 24713738 إضافة إلى رقم متنقل 99817755، وجميعها لاستقبال البلاغات من كافة ولايات السلطنة».

حالات فردية

وحول ظاهرة التسول في بعض الدول التي تكون مرتبطة بعصابات وخلايا الاتجار بالبشر، قال التوبي: «جميع الحالات التي تم ضبطها حالات فردية، ولم تسجل السلطنة وجود عصابات وخلايا اتجار بالبشر واستغلال الأطفال لهذا الغرض».

مركــــــــــزان

وأوضح التوبي أن فريق مكافحة التسول كان مركزيا بالنسبة لمحافظة مسقط، ومنذ عام 2016 تم تقسيم الفريق إلى مركزين، الأول يتبع دائرة التنمية الاجتماعية بمسقط ويشمل 4 ولايات وهي العامرات ومسقط ومطرح وبوشر، والمركز الآخر يتبع دائرة التنمية الاجتماعية بالسيب ويشمل بقية ولايات محافظة مسقط، باستثناء ولاية قريات بحكم وجود دائرة تنمية اجتماعية فيها وقلة عدد المتسولين.

آلية العمل

وحول آلية العمل قال التوبي: «يمكن تعريف فريق مكافحة التسول على أنه مجموعات عمل تبدأ يوميا من الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر وإلى غاية الساعة العاشرة والنصف ليلا، باستثناء يوم الجمعة حيث يبدأ العمل من الساعة الثامنة والنصف صباحا وإلى الساعة الثانية ظهرا، وذلك بحكم تزامن الوقت مع صلاة الجمعة».

وأضف: «طبعا تعمل المجموعات ميدانيا وفق خطط معينة تشمل الأسواق والمساجد والمحلات التجارية وكذلك بعض الحارات والمناطق السكنية، وهو عمل مشترك بين ثلاث جهات رئيسية وهي وزارة التنمية الاجتماعية، وشرطة عمان السلطانية، ومؤسسة الأمن والسلامة، ويتكون الفريق من عنصرين رجالي ونسائي».

شهر رمضان

وتابع: «شهر رمضان المبارك له خصوصية، فيكثف الفريق أعماله من خلال زيادة عدد أعضاء الفريق، وكذلك زيادة فترات العمل في اليوم الواحد، وذلك وفق جدول سيعد لاحقا».

الاجراءات

وأوضح التوبي أن أغلب من يتم ضبطهم من المتسولين هم من الوافدين، ونسبة العمانيين منهم قليلة، وأغلب الوافدين يستغلون الأوضاع السياسية الحاصلة في بلدانهم دليلا على حاجتهم، وعدد كبير منهم مقيمون في دول مجاورة أساسا ويدخلون السلطنة بتأشيرة زيارة».

وقال: «يمككنا تقسيم إجراءات ما بعد ضبط المتسولين إلى شقين، الشق الأول يتخذ مع المتسولين العمانيين، والشق الآخر يتخذ مع المتسولين الوافدين، أما العمانيون فيتم دراسة حالتهم الاجتماعية والمادية أولا، فإذا ما تبينت حاجته فإن الوزارة تقدم له المساعدات اللازمة، وبعض تلك المساعدات تصل حتى إلى بنــــاء منازل، كما أن المحتاج إذا كان قادرا على العمل فإن الوزارة تسعى إلى توفير فرصة عمل له وإذا كان محتالا فإنه يُسلم إلى مركز الشرطة، أما الشق الثاني المتعلق بالمتسولين الوافدين، فإن الفريق يقوم مباشرة بتسليمهم إلى مركز الشرطة، وبعد ذلك تتولى الشرطة التعامل معه سواء بتوقيع تعهد أو بالإحالة إلى الادعاء العام، وهناك استمارة لكلا المستولين تُعبأ قبل اتخاذ أي إجراء، وهي استمارة الحالة الاجتماعية».

واختتم حديثه قائلا: «أتمنى من المواطنين والمقيمين التعاون والتكاتف للقضاء على هذه الظاهرة من خلال التواصل مع ذوي الاختصاص، وفي المقابل هناك خطة إعلامية لدى الوزارة لتعزيز الجانب التوعوي وآثار ظاهرة التسول على الفرد والمجتمع، ولا أنسى أن أشكر أصحاب المبادرات التوعوية من الجامعات والكليات وحتى من الأفراد الذين يقدون بين فترة وأخرى مقاطع مرئية هدفها الأساسي الحد من ظاهرة التسول، ونتمنى أن تكثف هذه المقاطع».

الحكم الشرعي

وحول نظرة الإسلام لظاهرة التسول، تحدث معنا الشيخ عماد بن سعيد بن إبراهيم الرواحي رئيس قسم الإفتاء الإلكتروني في مكتب المفتي العام للسلطنة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وقال في بداية حديثه: «أولا ينبغي أن نقف على لفظة التسول، وهي كلمة مشتقة من السؤال، سؤال الناس العون المادي وغيره، وهي بهذا المعنى الواسع لا يمكن إصدار حكم عام عليها بالجواز أو عدمه، بل يكون الحكم بحسب الصورة التي يكون عليها السؤال، ولكن «التسوُّل» كظاهرة بحيث يكون أفرادها معتمدين على السؤال كحرفة وعادة يعيشون عليها حياتهم لا شك أنها أمر ممنوع لا يجوز، ويجب للمسلم أن يربأ بنفسه عن هذه المهنة؛ فإنها ذل وخصوصا إذا كان للزيادة والترفيه، كما أنني أقول بأنها مهنة بناء لكونها تعتمد على قواعد وأسس وأمور يجب أن يتقنها المتسول، منها استعطاف الآخرين والتسول في أماكن محددة وفي أوقات محددة».

فيما يتعلق بالنصوص الشرعية قال: «النصوص الشرعية التي تحارب ظاهرة التسول تحارب كذلك الكسل والاعتماد الكلي على الآخرين، وتحيي الإرادة والعزيمة والإنتاج، من هذه الأحاديث قول عليه السلام (لا تجوز الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي)، فلا تجوز الصدقة الواجبة على الغني ولا على الإنسان السوي القادر على العمل والاعتماد على النفس، وحتى الصدقة غير الواجبة إذا كنت تساهم في قتل الإرادة، إلا إذا كانت هدية مقابل عمل تشحذ فيه الهمة أو لترسيخ المحبة مما لا يورث المعاني المتقدمة».

ولا يمكن أن يعترض على هذا بالآية التي ذكرتها وهي قول الله تعالى: {وأما السائل فلا تنهر} لأن الآية تأمر بالتأدب مع السائل وعدم نهره لا سيما إن كان يسأل بحق، فقد تقدم أننا لا نمنع كل سؤال، لاحتمال وقوع المؤمن في ضائقة لا يجد مخرجا منها إلا أن يسأل الناس ولكن لا يكون السؤال ديدنه ولا عادته بل يسأل لضرورة باستحياء وانكسار، فهذا لا يرده المستطيع كما لا ينهره.

وأضاف الشيخ عماد: «منع المتسول لا يحجب الصدقة كما يضن بعض الناس، فالصدقة ليست لها صورة محددة ومنها إماطة الأذى، كما أن أحسن الصدقة أنفعها، وكذلك قد يكون منع السائل نفعا له، فإذا ما تأكد المرء بأنه لو أعطى سائلا ما نقودا فإنه سيهبط من همته ويجعله يتمادى، فإن المنع هنا بنيَّة إصلاح حاله يفتح له بابا للأجر والثواب».

وتابع: «كما إن المرء إذا دل السائل إلى الجمعيات الخيرية فإنه يؤجر».

واختتم قائلا: «يجب أن تنتشر الجمعيات التي تعمل تحت مظلة التنمية الاجتماعية، وعلى المؤسسات والمجتمع دعمها بكل شيء، وسيصل هذا الدعم للمستحقين بشكل آمن، فالمحتاجون موجودون في المجتمع بلا شك، ولكن العفيف منهم يستحي أن يسأل الناس، ولكن ينبغي أن لا يستحي من الجهات المعنية بالمساعدة بسرية تامة بعد دراسة الحالة، فهناك خبراء وقوائم تُجدد بشكل دوري تضمن الدفع للمحتاجين وتستبعد من زال سبب عوزه، ولهذا التوجه أصلٌ شرعيٌ، فقد قال تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)».

السلوك الاجتماعي

كما كان لنا لقاء بـ عدنان بن مصطفى الفارسي رئيس جمعية الاجتماعيين العمانية، حدثنا بداية عن المجتمع العماني، فيما إذا كان عاطفيا بطبعة، قائلا: «لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف مجتمع بالعاطفي، فالعاطفة صفة للإنسان وهي عبارة عن مشاعر وأحاسيس سلبية كانت أو إيجابية تظهر في سلوكياتنا، وإنما يمكن القول بأن المجتمع العماني يتصف بالرحمة والطيبة في تعاملاته الاجتماعية، ولا يزال المجتمع العماني من المجتمعات المحافظة والمتمسكة بالتكافل الاجتماعي».

وعرف المتسول بأنه من يطلب المال من الناس باستجداء عطفهم وكرمهم، ويقوم البعض منهم بوضع عاهات أو استخدام الأطفال أو التقارير الطبية والفواتير ألخ، وذلك بغية الوصول إلى مشاعر الفرد ودغدغتها حتى يحصل على ما يريد، وهناك من المتسولين من يستحق العطف والمساعدة ومنهم عكس ذلك تماما، قائلا: «إننا لا نعلم الغيب وما في صدور ونوايا هؤلاء المتسولين، ولكن هناك جهات رسمية في الدولة تعمل على تقديم المساعدات، ولابد هنا من تكاتف المجتمع نحو توجيه هؤلاء المتسولين إلى هذه الجهات، فالقضية ليست فيها إحراج أو تجريح، فإن كان من المستحقين فإننا وجهناه إلى الطريق السليم الذي يحفظ سلامته وكرامته ويحصل على المساعدة التي يريدها بيسر، وإن كان من غير المستحقين فهو من وضع نفسه موضع الإحراج».

وتابع: «من وجهة نظري أرى أن الأكثرية تدرك أن بعض المتسولين محتال، ولكن المجتمع بطبيعته يميل إلى حب الخير، وبالتالي نجد بأن هذه المشكلة لا تتناقص بقدر ما هي مستمرة أو تتزايد».

وحول الأساليب أشار بقوله: «الأساليب كثيرة منها استخدام الملابس البالية أو وضع عاهات مصطنعة أو الرغبة في العلاج وغيرها، ومنها ما هو مرتبط بمرافقين آخرين مع المتسول وغالبا ما يكونوا أطفالا وحاجتهم إلى الملابس وإلى الطعام والعلاج».

وفي ما يتعلق بقناعة الشخص لمهنة التسول، أوضح الفارسي أن هناك دوافع عديدة للتسول، حيث إن البعض قد بدأ بدافع الحاجة فعلا وعندما يرى ارتفاع الدخل يمتهنها، فيرى التسول مدرٌ للمال، ومنهم من كان مقلدا لمن هو أكبر منه سنا خاصة إن كان والده أو والدته، وأذكر هنا إحدى القصص الواقعية التي مرت علي بحكم موقعي في العمل الرسمي، حيث يقوم الأب بتوزيع أبنائه الستة كل في موقع معين من الساعة الرابعة عصرا وحتى التاسعة ليلا، جانيا في كل يوم ما يقارب 150 ريالا، وهذا أضعف الإيمان، حيث تزداد هذه المبالغ في المواسم مثل رمضان والأعياد وبعض الأيام الأخرى، فهنا كان دافعه الربح الوفير في كل يوم، واستمرار الأبناء على ذلك لما يجنونه من أموال وهم في هذا السن».

وتابع: «أمر طبيعي أن ينتشر التسول في شهر رمضان، حيث يستغل المتسولون مشاعر الناس في الشهر الفضيل ورغبتهم في تقديم المساعدات والحصول على الأجر، وبالتالي تزداد هذه المشكلة انتشارا».

كما أشار إلى استغلال بعض الوافدين للأوضاع السياسية قائلا: «نحن كمجتمعات محبة للخير وتسارع لفعله نرى أنفسنا بأننا مقبلون على مساعدة الأفراد من الجنسيات الأخرى خاصة ممن تتعرض بلدانهم لأوضاع سياسية غير مستقرة كون أن الصورة الذهنية المرتسمة في مخيلتنا عن بلدانهم وفقا لما نراه في وسائل الإعلام المختلفة أنها تتعرض لشتى أنواع الظلم وبالتالي التأثير على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية».

واختتم عدنان الفارسي بقوله: «ما نوجهه للمجتمع أن درجة الوعي تجاه هذه المشكلة يجب أن تكون مرتفعة، فبرامج التوعية في تزايد وكذلك الحملات التي تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية والكشف عن العديد من الحالات غير المستحقة لهي أكبر دليل على أن الكثير من الحالات التي نساعدها غير مستحقة، وهناك العديد من الجهات الخيرية التي تعرف الطريق للمستحقين لهذه المساعدات، فحبذا لكل من يرغب في تقديم المساعدات سواء في شهر رمضان أو باقي الأشهر أن يتوجه للجمعيات الخيرية ولجان الزكاة والجهات الأخرى المعنية والمرخصة للقيام بعملية المساعدات فهي بحاجة إلى المتبرعين، ويضمنون وصول هذه الأموال لمستحقيها.