شرفات

ليس عائداً إلى حيفا

17 أبريل 2017
17 أبريل 2017

عادل محمود -

كتبت للشاعر السوري نزيه أبو عفش، يوم وفاة الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور «نزيه... أحمد دحبور سافر».

وردّ نزيه: «لعله سبقنا ليهيئ المرقد اللائق لمن سيكون التالي. ولعله ينتظر». «أيها الأموات المؤجلون: يا من بقي من الأصحاب هيئوا خيامكم ومحفاتكم...واستعدوا».

وكان ردي: «أنا جاهز. ولكن هناك بضعة أمور تؤجل الرحيل. من بينها الفرجة على نهاية هذه الحرب».

ويرد نزيه...........إذن ستعيش طويلاً

آسف لهذه المقدمة الآسفة... ولكن رحيل الشعراء، له نكهة غير قابلة الاستساغة والتعوّد السريع على الفقدان. ولكل شاعر ملف في الحياة، ولا نعرف الملفات الأخرى في الممات.

أحمد دحبور كان حضوره الفلسطيني في سورية مميزاً. عاش بيننا بقصة الفلسطيني اللاجئ، وحيثيات «الولد الفلسطيني» كما كان يلقب. ولكن بروح الرجل العائد إلى حيفا، على وجه اليقين.

معظم قصائده المكتوبة في المرحلة السورية، قرئت في جلسات، وسهرات، وندوات. وكان الشاعر الفلسطيني . قومحي تلك الأيام يحاول المزج بين قضية فلسطين، وهوية الشاعر «الأوسع من بلاد الناس»- على حد تعبير محمود درويش. ففلسطين ليست هجرة يهودية وتهجير فلسطيني... هي قضية أوجدت تفاعلاتها التي لا تنتهي إلا بنهاية الطابع المأساوي والاستيطاني في هذه القضية. وعودة حقوق خمسة ملايين فلسطيني في المهجر.

أولاد حيفا يتميزون عن أبناء المدن الأخرى، حتى القدس. هناك كان الصراع في أعوام النكبة على مدينة يريدها الإسرائيليون خالية من العرب. والعرب أرادوا البقاء مهما كلف ذلك من تضحيات. وقد بقي هناك نخبة كبيرة من المثقفين أنشأوا معظم المؤسسات التي بقيت تناضل في إطار سلمي داخل الدولة الإسرائيلية. توفيق زياد ومحمود درويش وإميل حبيبي وإميل توما وغسان كنفاني الواعد بالوصول «عائد إلى حيفا».

في جولة للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون ـ الفائز بجائزة البوكر العام الماضي 2016 يصف زيارته لحيفا في مقطع من روايته «مصائر» :

«صعدت بنا السيارة طلعة الأصفهاني المحمولة على كتف مطعم فلافل نجلاء. هناك خلف المطعم، تحت الشجرة، في الزاوية إلى اليسار...ولد الشاعر أحمد دحبور. وهنا سوق الخضرة. وإلى أعلى مقر الحزب الشيوعي. هذا طريق المؤرخ الكبير إميل توما ومحمد معياري، وكان الشاعر محمود درويش يقيم هنا، وأيضاً أقام المحامي صبري جريس، وإلى اليسار شارع الواد حيث كانت مطبعة جريدة الاتحاد ثم بيت توفيق طوبي الذي أمضى 90 عاماً، هي عمره كله، في حيفا التي لم يسكن غيرها».

أحمد دحبور ذاكرة فلسطينية كبيرة. وكان أحد رواتها في نصوصه الشعرية والنثرية. كان أحمد، طوال مدة بقائه في سورية عضواً نشطاً في فعاليات الثقافة الفلسطينية حيفا... حيفا بوصفها المقدس الجمالي للفلسطينيين.

وأظنه، في رام الله، كان مثابر الواجب، ولكن مع الأسف المرافق لتناقض هذا الأمل.

ومع التقدم في السن، وانهيارات الجسد جراء رحيل شاق، وحياة عسيرة... تعود قيثارة الشاعر إلى طفولتها، في الحنين إلى الماضي. انتباهاً (مرة أخرى وهذه المرة) إلى فردوس مفقود في الذاكرة.