humada
humada
أعمدة

حقيبة سفر

16 أبريل 2017
16 أبريل 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

قبل أن أدرس تقنيات البرمجة اللغوية العصبية، وقبل أن أعرف عن شيء يسمى بقانون الجذب، الذي تقوم فكرته على أنك ما تفكر فيه، عشت هذا القانون طوال حياتي، فقد كنت طفلة حالمة وما زلت - حالمة - ذلك أن الطفلة ما زالت حاضرة بقوة في داخلي، من ضمن أحلام اليقظة التي كانت تصاحبني لساعات بعد كل مشاهدة لحلقة من حلقات مسلسلات الأطفال الكرتونية، أحلق بأحلامي في الريف الانجليزي، وأطارد الفراشات في غابات أمريكا، كانت أحلاما (غبية) و(مجنونة) و(مستحيلة) حينها، لكنني كنت موقنة بأنني سأحلق يوما بعيدا عن قريتي الصغيرة، وسأجوب العالم، وظل ذلك حلما حتى تذوقت طعم السفر لأول مرة في حياتي، من خلال رحلة إلى دولة الكويت في ثمانينيات القرن الماضي، لأوائل الطلبة على المناطق كانت تنظمها وزارة التربية والتعليم حينها، فتحول الحلم المستحيل إلى إدمان جميل ما زلت أعيشه، ولعل الكثيرين يسافرون من أجل متعة السفر والترفيه عن النفس، لكن السفر بالنسبة لي مثل القراءة، أشبع فيها فضولي الذي ينمو مع الأيام، ونهمي للاكتشاف والمعرفة، وكما ساعدت القراءة في تشكيل شخصيتي كان للسفر التأثير ذاته بلا شك، فقد تغيرت نظرتي للكون من حولي، تغيرت نظرتي للناس، وبت أكثر تقبلا للاختلافات بيني وبين الجنسيات الأخرى، وأكثر احتراما لهذا التنوع الرائع في هذا الكون، بدءا من التنوع الجغرافي إلى التنوع الحضاري والثقافي، أصبحت بلا شك شخصية مختلفة جدا عما كنت عليه قبل أن أكتشف السفر، سواء كان سفرا فعليا أو سفرا بين صفحات الكتب، فكلاهما بالنسبة لي سفر، الأول ينقلك جسدا وعقلا، والثاني ينقلك عقلا وروحا، وكلاهما إدمان جميل لم أندم عليه يوما، فما أكاد أحط الرحال في عمان حتى يجبرني الشوق على حزم حقيبتي والرحيل من جديد، في رحلاتي أهوى التسكع في الشوارع والأزقة بلا هدف، عودت نفسي على تجربة مختلف الأطعمة والمأكولات من خلال حرصي على تجربة المأكولات التقليدية للبلد الذي أسافر إليه، ويستهويني كثيراً الجلوس على المقاهي على قارعة الطريق، أراقب المارة وأنسج حولهم قصصاً من صنع خيالي، إنني لأحمد الله كثيرا على نعمة ولادتي في هذا العصر الذي جعل السفر سهلا إلى هذا الحد، بفضل ارتفاع عدد خطوط الطيران التي تنقل المسافرين عبر قارات العالم بأسعار باتت في متناول الكثيرين على اختلاف مستوياتهم المادية، فلم يعد غريبا اليوم أن تصادف عائلات بأكملها تسافر في إجازات جماعية، أتاحتها التنافسية بين خطوط الطيران وكذلك الفنادق التي أصبحت تخدم أذواق مختلفة وموازنات متفاوتة، جعلت من السفر الذي كان حلما بعيد المنال لأبناء جيلي، حدثا عاديا لجيل اليوم، فقد ذهلت وأنا أدرك قبل فترة بأن ابنتي قد زارت بلدان بعدد سنوات عمرها، في الوقت الذي كنت في مثل هذا العمر لا أجرؤ بالتصريح عن حلمي المجنون بالسفر والترحال.