إشراقات

د. العبري: حياة الإنسان من صنع أفكاره.. وحركته تقاس بما قدمه من إنجاز

06 أبريل 2017
06 أبريل 2017

تجديد الحياة يحتاج إلى تغيير في النفس -

استذكار السيرة النبوية بلسم شفاء تحتاجه الأمة لتجسيد روح الإسلام -

ذكريات النبي الكريم الخالدة ووقفاته الشجاعة ودعوته الرائدة تجسّد بحق ما كان عليه قلب النبي صلى الله عليه وسلم من حب وإشفاق على هذه الأمة المسلمة، فهو لم يفتأ في أيامه يعمل بجد واجتهاد من أجل أن تتسّنم امته ذروة الأمم وأن تبلغ رسالته بين المشرق والمغرب يسير بها الركبان في آفاق هذه الأرض لتعم بها حياة الإيمان والطهارة والإحسان والسعادة للإنسانية أينما حلت ورفرفت راياته في أصقاع المعمورة.. ذلك ما أوضحه الدكتور عبدالله بن مبارك العبري المحاضر بكلية الحقوق للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة السلطان قابوس في محاضرته: «جدد حياتك» التي ألقاها بجامع الحق بالموالح الجنوبية.. مشيرا إلى أن تلك الذكريات من ذكريات محمد صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من الخيرات والأنوار فيما يبصر الأمة المسلمة بما تحتاجه في هذه الأيام وما تحتاجه في هذا العالم المتزاحم بالمتناقضات وما تحتاجه من بلسم الشفاء والعافية وما تحتاجه من الدواء لإعلاء الهمة وشحذ الهمم وتجسيد روح الإسلام التي تنتظرها الإنسانية لتقيمها على أسس من العدالة والمساواة.

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

وأوضح أن حياة الإنسان هي من صنع أفكاره ونتائج هممه فمن أراد أن يكون مؤمنا صادق الإيمان عليه أن يتلو صفحات المجد التي يريدها في نفسه حتى تكون واقعا يسيطر فيه حقيقة الإسلام والاستقامة في دين الله سبحانه وتعالى.. مضيفا: أن تجديد الحياة يحتاج إلى تغيير ولكن هذا التغيير ليس تغييرا للأشكال والأثاث ومتاع الحياة الدنيا وإنما هو في المقام الأول تغيير لما تشكو منه النفس في قرارتها من الضعف والوهن لينطلق بها الإنسان إلى القمم السامقة التي يرجو بها العزة ويرجو بها النصر من الله سبحانه وتعالى.. المزيد نقرأه بين السطور التالية في الجزء الأول من هذه المحاضرة:

وقال العبري: تقاس حركة الإنسان في هذه الحياة بما قدمه فيها من الإنجاز وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الناس خير، فقال: «من طال عمره وحسن عمله»، ومن هنا فان قياس الأعمار بالإنجاز هي حسابات دقيقة على المؤمن أن يقف عندها عاما بعد عام حتى يرى قيم الإنجاز التي وصل إليها وما يطمح إليه مستقبلا، ولذلك جعل الله عز وجل من العلامات البارزة أيضا بلوغه سن الأربعين (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).. وفي هذا من التنبيه ما يقف فيه المسلم وقفة محاسبة دقيقة جدا، ليرى أمامه درب الخير ببصيرة الإيمان ويسارع في جني الزاد لحياته، وتحدث الكثير فيما يتعلق بإدارة الذات ولن نجد أفضل مما كان من محمد صلى الله عليه وسلم والذي كان يجدد حياة المؤمنين من واقعهم ليغرس في قلوبهم حقيقة الإيمان والعمل الصالح يدفع بهم إلى دروب النجاح بذلك التعزيز والتحفيز أن ما عند الله خير وأبقى مما يجنيه الإنسان في هذه الحياة، ومن هنا نقول: بأن حياة الإنسان هي من صنع أفكاره ونتائج هممه فمن أراد أن يكون مؤمنا صادق الإيمان عليه أن يتلو صفحات المجد التي يريدها في نفسه حتى تكون واقعا يسيطر فيه حقيقة الإسلام والاستقامة في دين الله سبحانه وتعالى.

وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليعود رجلا كبير السن قد أصابته حمى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: طهور إن شاء الله، فقال الرجل: بل حمى تثور على رجل كبير تورده القبور، هذه القصة تبيّن لنا أن الإنسان إذا أراد أن تكون حياته مختلفة في النوايا والتوجهات والعلم والمعرفة والسعي إلى الله عز وجل فان منبع ذلك من قرارة نفسه وما يزرعه فيها من الإيجابيات المحفزة للانطلاق والعمل والأداء والفرار إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أراد حياة الخمول والسكون والكسل فان ذلك أيضا ينبع من نفسه وما يتردد في جوانبها من هذه العلامات والإمارات.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).. سنة من سنن الله سبحانه وتعالى أن تكون حقيقة التغيير التي يطمح لها الإنسان في عامه القادم هي شعلة تنطلق من ذاته ليغير كل السلبيات التي يعانيها ويقاسيها ويتأفف منها إلى إيجابيات تبني له في المستقبل طريق الخير والصلاح والبر والسؤدد.

تحتاج إلى تغيير

وأضاف: إن تجديد الحياة يحتاج إلى تغيير ولكن هذا التغيير ليس تغييرا للأشكال والأثاث ومتاع الحياة الدنيا وإنما هو في المقام الأول تغيير لما تشكو منه النفس في قرارتها من الضعف والوهن لينطلق بها الإنسان إلى القمم السامقة التي يرجو بها العزة ويرجو بها النصر من الله سبحانه وتعالى، والإنسان إنما يعيش في حيز مع البشر يؤثر ويتأثر ويتصادم مع مجريات هذه الحياة في كثير من أسبابها وفي كثير من تقلباتها ومن هنا لا يستطيع الإنسان أن يعيش بمعزل عن هذه الإنسانية، فالتعامل معها أمر حتمي ولكن الله عز وجل يجعل لهذه الروح الإيمانية خطا عظيما حتى تسلم وتمضي بأمان واطمئنان في انطلاقتها المميزة عندما يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا).. هذا المبدأ العظيم في تجديد الحياة أيضا يجد الإنسان في هذا العالم من يخالفه الرأي ويجد فيه من يسد أمامه بعض طرق النجاح ويجد أمامه من الناس من يقف سدا منيعا دون تحقيق آماله وطموحاته، وإذا قلنا بأن حقيقة التجديد والانطلاق يتطلب من الإنسان روحا صافية ونفسا وثابة وقلبا مبدعا ونفسا مطمئنة أيضا فمن هنا يأتي مبدأ (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) ليجلو الإنسان عن ضميره ووجدانه كل أسباب الهمّ والشقاء ويرمي ويتقي كل السهام التي تأتيه من هنا وهناك لتكون انطلاقته أمام هدفه لا يعثرها ولا يقف أمامها أي عدو أو حاسد أو حاقد أو غير ذلك من الأمور التي تعيق وصول الإنسان إلى تجديد حياته بمنهج الله سبحانه وتعالى ذلك لأن الانشغال بهذه الصدمات والكدمات وروح التشفي عند بعض الناس تضيّع منهج الحياة لأنها تقلّب ضمير الإنسان في وجع وألم ليل نهار فلا يكاد يتحرك لفكرة أو إبداع أو تحقيق هدف، أو الثبات على مبدأ إلا وينشغل بهذه الصدامات والسهام التي تأتيه من الناس من هنا وهناك، ومنا هنا كان وضع الإنسان الأسلم الذي ينطلق به انطلاقة الحق والعدل والرضا والسعادة انطلاقته بما عند الله عز وجل.. (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ: «نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟» فهذه الروح الوثابة التي تلغي كل مناكفات الآخرين هي التي تصنع المنجزات وهي التي تبني المعجزات وهي التي تحيل الواقع المرير إلى شفاء وعافية للإنسان ولمن حوله من الناس.

نموذج رائع

وأوضح العبري أن الإسلام يريد من الإنسان هذه الانطلاقة لتجديد حياته بما أودعه الله سبحانه وتعالى له من الأجر والثواب من النجاح الدنيوي ومن الجائزة الأخروية ولذلك الانطلاقة نحو التجديد بالنسبة للإنسان لا تعول على ما يقوله الآخرون عن عمل هذا الإنسان وانطلاقته الإيمانية الصحيحة، لذلك يقول الله عز وجل في هذا المبدأ العظيم من مبادئ التجديد: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)، فالإنسان يعمل ويجد ويجتهد في رسالته التي يسعى إليها وما عليه امتدح الناس فعله، أو ذموه لأنه في الحقيقة يريد ويرجو ما عند الله سبحانه وتعالى والدار والآخرة ولذلك تنمو في ظل هذا المنهج التجديدي المواهب وتنمو الأفكار وينمو عند الإنسان حب الخير، وكل ألوان البذل والعطاء فتجده شعلة من الإيثار والإحسان والعطاء في كل ميادين من ميادين هذه الحياة، هذه الروح هي التي حملت الأنصار على استقبال المهاجرين بتلك الروح العظيمة وذلك البذل السخي الذي أثنى الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه الكريم ليجعل منه أنموذجا رائعا في التضحية والفداء.