humada
humada
أعمدة

جراح القلوب

02 أبريل 2017
02 أبريل 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

ممتنة للمولى كثيرا على هذه القلوب الرائعة التي يضعها في طريقي تجلت قدرته، والتي تثري حياتي كل يوم بالدروس الرائعة التي تلقنني إياها بشكل غاية في التأثير، جعلتني اليوم المرأة التي أنا عليها، من هذه الشخصيات مجموعة من أطباء المستشفى السلطاني تقاطعت حياتي معهم بشكل مذهل وفي لقاء أشبه بالصدفة المرسومة بدقة متناهية، من خلال برنامج التوستماسترز الذي جمعنا في السنوات الأخيرة.

كانت فترة ثرية جدا تعلمت خلالها الكثير عن عالم الأطباء والمستشفيات الذي اكتشفت إلى أي حد أجهله، وأدركت سر لجوء البعض لامتهان وظيفة في الخدمات الصحية، التي لا شك أنها الأصعب والأكثر معاناة من أي وظيفة أخرى، إذ أن خلف هذه «البالطوهات» البيضاء والوجوه الجادة تقف قلوب مذهلة حقا، من هذه القلوب شخص استثنائي حقا يعمل جراح قلب، ولكن ليس أي قلب، فهو متخصص في قلوب الأطفال حديثي الولادة، كل لقاء يجمعني بالدكتور (جون) هو درس قيم في الحياة، ودليل إلى أي حد أجهل شخصيا عن الحياة، يقول لي الدكتور جون: مع كل عملية أجريها يزيد يقيني بقلة حيلتي كجراح، وأنني لست أكثر من أداة ووسيلة بيد خالق هذه القلوب الصغيرة، لهذا أبدأ كل عملية بصلاة وتسليم تام للخالق، لأنني فعلا لا أستطيع توقع ما سيحدث في الدقائق التالية التي أمسك فيها المقص، إضافة إلى عمله مع القلوب الصغيرة، يسافر الدكتور مرة في الشهر إلى جمهورية الهند مسقط رأسه ليجري عمليات قلب على نفقته الخاصة لفقراء بلاده، لقاءاتي به تجعلني أعود للتساؤل عما أفعل أنا وأمثالي بنعمة العلم التي فضلنا بها رب العالمين على كثير ممن خلق تفضيلا، وعن الدور الذي نمارسه كخلفاء له على هذا الكوكب، وكيف نؤدي وظائفنا، التي غالبا ما ننظر إليها كمصدر رزق لا أكثر، نؤديها على مضض، وكأننا مكرهون عليها، رغم طبيعة هذه الوظائف المريحة ذات ساعات الدوام المحددة، والتي تكون مكتبية الطابع، وأقارن الوضع ببعض هؤلاء الأطباء من أمثال الدكتور جون، الذين يتخذون وظائفهم وسيلة لتأدية رسالة أكثر منها مهنة، ولعل هذا ما يمنح الدكتور هذا الإحساس بالسلام الداخلي الذي لا تخطئه العين وهذا الإحساس بالتصالح مع الذات ومع من حوله، مصداقا لمقولة (العالم الخارجي ما هو إلا انعكاس لما في داخلك) خيرا أم شرا، لا شك أن وظيفة الدكتور وظيفة في غاية الصعوبة والحساسية، لكن حبه لها وتفانيه في تأديتها، وإيمانه بالدور الذي يقوم به، والتسليم كذلك بأن الشافي هو الله، يجعل تأديتها أكثر سهولة ربما من وظيفة يتم ممارستها بشكل آلي وبدون رغبة، العطاء بدون مقابل أيضا يثري الحياة بشكل استثنائي ويمنح شعورا عارما بالرضا تلمسته شخصيا في كثير من الشخصيات المعطاءة من أمثال الدكتور جون، الحياة فعلا تعطيك بقدر ما تعطي من ذاتك، تم إنهاء خدمات الدكتور جون وعاد إلى بلاده، لكنني على يقين تام بأنه لم يعد ليتقاعد (يتقاعس) وإنما لإكمال رحلة بدأها من العطاء غير المشروط بمقابل.