sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: ملائكة الأرض

29 مارس 2017
29 مارس 2017

شريفة بنت علي التوبية -

ما سمعت يومًا أمي تناديني باسمي مجردًا كما يناديني الآخرون، فأمي تناديني (أمي)، وما زالت حتى اليوم تناديني باللقب نفسه، وما زلت أشعر بالشعور ذاته الذي أشعر به عند كل نداء حتى أكاد أنسى اسمي الحقيقي في حضرة أمي، وبعد أن أصبحت أمًا كأمي، أدركت أي محبة في قلب أمي وأي فطرة خُلقت داخلي استعدادًا لأمومتي اللاحقة، فنحن أمهات منذ لحظة ميلادنا، خلقنا لنكون أمهات قبل أي شيء آخر، نحن أمهات لأمهاتنا وأمهات لآبائنا وأخوتنا ولأبنائنا بعد ذلك، فميلاد أنثى يعني أن ملاكًا صغيرًا قد نزل إلى الأرض، وأن هناك مشروع حياة جديدة لا يكون إلا بخلقها، وأساس بيت لا يكتمل إلا بوجودها.

لي أن أذكر هنا أن الكائنات الوحيدة التي لا تكبر أبدًا هي الأمهات، والنساء الوحيدات اللائي لا يتأثر جمالهن بحكم الزمن هن الأمهات، فالأمهات كائنات جميلة لا يبلى ولا يتغير جمالها، فالأمومة تضفي بسحرها على المرأة وتمنحها من الجمال ما لا يكون عند غيرها، وبالمناسبة كل امرأة هي أم سواء أنجبت أطفالا أم لم تنجب ما دام هذا الشعور موجودا كفطرة داخلها، لذلك كل النساء جميلات، وحينما تلد المرأة بنتًا تكون قد أهدت إلى الحياة أمًا جديدة، فالبنات أمهات صغيرات، وفي داخل كل طفلة صغيرة أم حنونة وفي داخل كل أم طفلة مشاكسة، هكذا هي المرأة، جميلة في كل مراحل عمرها المتداخلة والمتشابكة في نسيج عجيب جذاب.

ومحظوظ من كان حظه من الحياة طفلة صغيرة تناديه أبي، فتلقي على قلبه سحر وجودها وجماله، وتحيل حياته إلى جنة دافئة، فالأب هو الحب الأول في حياتها فلا ترى في الرجال رجلا سواه، وفي المقابل هي الحب الأخير في حياة أبيها وهي المنافس الشرعي الوحيد لأمها، فليس هناك أجمل من عناق طفلة لأبيها حينما يعود إلى البيت ومن سباقها لأمها في الاتصال به وإظهار قلقها عليه إذا تأخر، ومحظوظ من كان له أخت كبيرة، تحبه محبة الأم لابنها، فطوبى لمن رزقه الله أمًا صغيرة وطوبى لمن لم يشوه تلك العاطفة النقية في قلبها، ولم يكسر أجنحة روحها، لتبقى هذه العاطفة كما خُلقت فلا تتغير، لذلك كلما أخبرني أحدهم أنه رزق بنتًا أشعر بالسعادة لأن من رحمة الله بهذا العالم أن أنزل عليه ملاكًا صغيرًا، وأهداه أمًا قد يُحدث قلبها من التغيير فيه ما عجزت عن فعله عقول الرجال.