أفكار وآراء

تضخم الدولة الإدارية.. ما الحل؟

24 مارس 2017
24 مارس 2017

روبرت سامويلسون - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

ليس واضحا تماما ما الذي كان يعنيه ستيفن بانون، كبير إستراتيجيي البيت الأبيض، حين اقترح مؤخرا «تفكيك الدولة الإدارية». لقد كان يقصد في نظر منتقديه (تفكيك) البنية الفوقية للإجراءات الحمائية الاجتماعية والبيئية بكاملها، بدءا بإدارة حماية البيئة (التي تقول الأخبار باحتمال خفض أعداد موظفيها بنسبة 20%.) ولكن بصرف النظر عما يعنيه بانون، فإن النمو الذي لا هوادة فيه للدولة الإدارية حقيقة لا يمكننا الفرار منها. ولكي نكون واضحين حول معاني المفردات نقول إن «الدولة الإدارية والدولة التنظيمية» هما بالضرورة الشيء نفسه. إنها مؤسسة عملاقة. ويقدر «كلايد واين كروز» من معهد مؤسسات الأعمال التنافسية «وهو مركز أبحاث يدرس السوق التنافسية الحرة» أن إجمالي تكاليف التقيد بالقواعد واللوائح التنظيمية الفيدرالية بلغ ما يقرب من  1.9 تريليون دولار أمريكي  في عام 2015. وهو مبلغ يساوي حوالي نصف الموازنة الفيدرالية (3.7 تريليون دولار في العام نفسه.) النقد الأساسي الذي يوجه للدولة الإدارية هو أن الفرع التنفيذي تمكن من خلال نموها القوي من اغتصاب السلطة من فروع الحكم الأخرى، وخصوصا الكونجرس. فاللوائح التنظيمية للإدارات الحكومية ومختلف أشكال «التوجيه» توجد سياسات جديدة بدلا عن الاقتصار على تطبيق القوانين القائمة. ولم تفعل المحاكم الكثير لوقف ذلك (التعدي التشريعي) في أعقاب قرار المحكمة العليا في قضية شركة شيفرون الأمريكية ضد مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية بأن على القضاة القبول بتفسيرات الإدارات التنفيذية (للقوانين) ما لم تكن أحكامها غير معقولة على نحو جليّ. وكان الرؤساء الجمهوريون والديموقراطيون على السواء يلجؤون إلى تفسيرات توسعية تترتب عنها تكلفة باهظة لسلطاتهم الإدارية، كلما ناسبهم ذلك. فإدارة حماية البيئة في عهد أوباما، والتي كانت قد شعرت بالإحباط لعدم فعل الكونجرس أي شيء بخصوص التغير المناخي، اقترحت قواعد تنظيمية (خطة الطاقة النظيفة) تتطلب من محطات توليد الكهرباء خفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. وأصرت إدارة ترامب على أنها تملك سلطات تنظيمية واسعة لتغيير سياسة الهجرة. ورغما عن ذلك فإن عبارة «الدولة الإدارية» تستخدم في معظم الأحيان بواسطة المحافظين الذين يعتبرون نموها خصما على الحرية وزيادة غير مرغوبة في سلطات الحكومة. فقد كتب المؤرخ «ستيفن هَيوارد» في مجلة كليرمونت ريفيو أوف بوكس المحافظة أن «الدولة الإدارية تمثل شكلا جديدا ومتغلغلا من أشكال الحكم وإفسادا للحكم الذاتي الدستوري.» يرُدُّ هيوارد بداية الدولة الإدارية إلى أوائل القرن العشرين ونفوذ «التقدميين» في الولايات المتحدة وخصوصا الرئيس وودرو ويلسون. ويرى أن التقدميين كانت لديهم ثقة غير واقعية في الخبراء لقيادة التقدم الاجتماعي. وقد برر ذلك نظاما سياسيا جديدا فحواه أن «عامة الناس يمكنهم الحديث عن غايات الحكم في حين أن الوسائل ستترك للمديرين الخبراء.» ويقول «هيوارد» إن هذه الفلسفة نفسها تسود اليوم. وبخلاف هذا الإفراط في التدخل (أو التطفل التشريعي) فإن الشكوى الكبرى الأخرى  ضد الإجراءات التنظيمية هي أنها تؤذي الاقتصاد. لا أحد يعلم حقا حجم هذا الأذي ولكن «توجد وفرة من الأدلة على أن اللوائح التنظيمية تمددت وأن هذا التمدد حَدَّ من النمو الاقتصادي، حسبما كتب مؤخرا كل من «تيد جايار» و«فيليب والاش» من معهد بروكنجز. وقدَّرت إحدى الدراسات أن هذه اللوائح قلصت معدل النمو السنوي في الولايات المتحدة بنسبة 0.8%. وإذا أكدت ذلك دراسات أخرى فإنها ستكون حقا نسبة هائلة. ثمة مفارقة هنا. فالأمريكيون يميلون إلى الإعجاب بآثار اللوائح التنظيمية «الفردية» وكراهية آثارها «في مجموعها.» فنحن نحب الهواء النظيف والماء النقي والسيارات الأكثر أمانا والأدوية الفعالة والأسواق المالية الأمينة والأغذية غير الملوثة والكثير من ذلك. ولكننا نكره عبء التقيد الجماعي (بهذه اللوائح) الذي يستهلك وقتا كثيرا ويغرقنا في إجراءات المستندات الرسمية. وهو قد يثبِّط همم الشركات الناشئة ويجعل بقاء الشركات القائمة أكثر صعوبة. لقد حان الوقت لجعل الدولة الإدارية مفهوما سائدا من خلال إيجاد ميزانية إجرائية. والفكرة هنا ليست تبرير الإلغاء الفوري لمعظم اللوائح التنظيمية، كما يخشى ذلك منتقدو «بانون»، ولكن تحسين الفهم والمساءلة. نحن بحاجة إلى تطوير فكرة أفضل حول أثر اللوائح التنظيمية على كل من الحكومة والاقتصاد. وحتى الآن اتجهنا إلى تفحص اللوائح التنظيمية كل منها بمعزل عن الآخر. وهذا انحياز مفهوم والسبب في ذلك (على سبيل المثال) عدم وجود صلة بين لائحة تنظيمية حول الأغذية وأخرى تؤثر على الشبكة الكهربائية. ولكن تلك هي الفكرة تماما. فبمقارنة التكاليف والمنافع الخاصة بلوائح تنظيمية غير متشابهة قد نكتشف أيها ذات قيمة حقا وأيها يمكن التخلي عنها بدون خسارة كبيرة إذا كانت هنالك خسارة أصلا. أو قد نعلم أن مقاربة في مجال ما قد يكون تبنيها مفيدا في مجال آخر. ورغم أن التكاليف التي تترتب عن اللوائح التنظيمية يتم فرضها في البداية على مؤسسات الأعمال إلا أنها عادة ما يتم تحميلها للمستهلكين من خلال رفع الأسعار. في عام 2015 ، بلغ الحجم الإجمالي لمدونة اللوائح التنظيمية الفيدرالية في الولايات المتحدة 178 ألفا و277 صفحة في 237 مجلدا ، بحسب المسح السنوي الذي قام به «كروز». وفي نهاية العام ستكون هنالك حوالى 3297 لائحة جديدة قادمة. الواقع أن لدينا دولة إدارية سواء أحببنا ذلك أم لا. وهي لن تختفي. نحن في حالة إنكار (لا نعترف بوجودها.) ويجب ألا نكون كذلك.