955751
955751
المنوعات

إسدال الستار على الحلقة النقاشية «منطقة الخليج العربي في ظل المتغيرات الإقليمية»

15 مارس 2017
15 مارس 2017

[gallery size="medium" ids="450540,450543,450542"]

ناقشت الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية -

تغطية: ماجد الندابي -

اختتم النادي الثقافي بالتعاون مع مركز دراسات الخليج بجامعة قطر مساء أمس الحلقة النقاشية التي حملت عنوان «منطقة الخليج العربي في ظل المتغيرات الإقليمية» وناقشت أربعة محاور وهي: المتغيرات الاقتصادية وأثرها على منطقة الخليج العربي، والمتغيرات الإقليمية وآثارها التنموية الاجتماعية على منطقة الخليج العربي، والمتغيرات السياسية وأثرها على التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، وتحديات العمل الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي. وشارك فيها باحثون وأساتذة متخصصون حيث مثلَّ مركز دراسات الخليج بجامعة قطر الدكتور عبدالله باعبود، والدكتور باقر النجار، والدكتور خالد الحروب، والأستاذ خالد المزيني. كما شارك في هذه الحلقة النقاشية الشيخ سيف المسكري، والدكتور محمد العريمي، والمكرم حاتم الطائي، والدكتور أنور الرواس. وأدارها الإعلامي أحمد الهوتي.

حيث أقيمت مساء أمس الجلسة الثانية التي أوضح فيها الدكتور محمد العريمي المقصود بالمتغيرات، الأحداث أو التطورات ذات الطبيعة المتغيرة بالنسبة لدول الخليج العربية، معرجا على المتغيرات الإقليمية والدولية لمنطقة الخليج العربية في الوقت الراهن، وأبرزها أحداث ما سمي بالربيع العربي، وما أدت إليه من نتائج وآثار لم تنته بعد، وظهور وتزايد الخلافات بين الدول العربية، وازدياد حدة الخلافات مع إيران ورغبة بعض الدول الخليجية في مواجهة ما اعتبرته توسعاً إيرانياً للنفوذ، وميل الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقل اهتمامها الاستراتيجي إلى منطقة آسيا والباسيفيك، واتجاه روسيا إلى زيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، عبر التدخل العسكري المباشر في سوريا، وسعي إسرائيل إلى الاستفادة من مجمل تلك التطورات وتوظيفها لخدمة مصالحها، والادعاء بوجود مصالح يمكن أن تلتقي بينها وبين بعض دول الخليج العربية بخصوص مواجهة إيران.

بعدها تحدث العريمي عن المتغيرات الداخلية لمنطقة الخليج العربية في ظل المتغيرات الإقليمية وأهمها الأوضاع الاجتماعية في منطقة الخليج العربي فالآن توجد بهذه المنطقة أجيال من الشباب نمت وتعلمت ولها اتصال وثيق بالعالم من حولها. ولها تطلعاتها واحتياجاتها أيضا، وانخفاض أسعار النفط بشدة في الأسواق منذ منتصف عام 2014م وحتى الآن، والتغيرات السياسية التي جرت في عدد من دول المنطقة، أسهمت في ظهور وتبلور سياسات وتوجهات مرتبطة بتلك التغيرات، كما أدت حالة الخلل التي تتعرض لها المنطقة بفعل ما سمي بالربيع العربي إلى تفكك أكثر من دولة عربية، وإلى انكفاء دول أخرى من أجل جمع شتاتها أو قوتها، وبروز ظاهرة الإرهاب والدور الكبير للتنظيمات الإرهابية التي تتمسح بالدين الإسلامي في هذا المجال تفرض على دول المنطقة العمل على أكثر من مستوى لمكافحة هذه الظاهرة.

مبينا أن تلك المتغيرات تفرض ضرورة قيام دول الخليج العربية بإعادة النظر وتقييم سياساتها ومواقفها، وتحديد أولوياتها الداخلية والإقليمية ورؤيتها لعلاقاتها مع الأطراف الأخرى إقليمية ودولية وما تتطلبه مصالحها في هذا المجال مع العمل على تمتين علاقات التعاون والتنسيق فيما بينها لمواجهة كل تلك المتغيرات ولحماية مجتمعاتها وشبابها ومصالحها في الحاضر والمستقبل.

كما قدم د.خالد الحروب ورقة بين فيها أنه «لا تزال المنطقة العربية تتعرض لتدهور إقليمي وتفكك متزايد، خاصة وان عددا من بلدانها الرئيسة تقع في قلب العاصفة الإقليمية التي لم تهدأ في المنطقة منذ الحرب الأمريكية على العراق سنة 2003، على اقل تقدير، ثم ما تلا ذلك من حروب طاحنة بعد سنوات سواء في سورية والعراق واليمن. منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لعبت إيران وتركيا ولا زالتا تلعبان أدواراً متفاوتة في الأزمات والحروب القائمة على أراض عربية، وهي الحروب التي تدفع فاتورتها وخسائرها بلدان ومجتمعات عربية. وفي خضم مصفوفة الأزمات والتحالفات وحروب الوكالة والاحتمالات الغامضة وتبدل موازين القوى ومعها تبدل حضور وانسحاب قوى عالمية للمنطقة، تنفتح مستقبلات الشرق الأوسط والمنطقة على احتمالات عديدة. وتصطف غالبية هذه الاحتمالات في جانب المزيد من التدهور، خاصة في ظل التفكك العربي وغياب مواقف متماسكة وموحدة حتى ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي وهي المنظومة الوحيدة في المنطقة العربية التي أبقت على قدر معقول من التماسك والتضامن الداخلي.

وناقش أربعة احتمالات، غير حصرية، مستقبلية إزاء علاقة العرب بإيران وتركيا وهي: أولاً، استمرار وتصاعد المواجهات والحروب، ثانياً: استمرار الوضع القائم (الاستنزاف المُتبادل)، ثالثاً: التبريد والاحتواء المُتبادل، رابعاً: التعاون الإقليمي. في المدى المنظور تغلب فرص الاحتمالين الأولين، برغم أن هذا لا يعني انعدام فرص الاحتمالين الآخرين. وترتبط فرصة كل واحد من هذه الاحتمالات الأربعة على مدى رغبة وقدرة الأطراف السياسية المختلفة في تغليب حسابات البراجماتية السياسية على النزعات الأيديولوجية والتوسعية وإغراءاتها، وعلى مدى بروز خطاب وممارسة سياسية إقليمية قائمة على المساومات والرهان على التعاون المستقبلي الذي يشترط تقديم الجميع لتنازلات معينة لقاء مكاسب التعاون الإقليمي.

كما تناول المكرم حاتم الطائي في ورقته الإسهامات العمانية في حل القضايا الدولية الذي وفر لها ثقةً دوليةً وإقليميةً مكَّنتها من تحمُّل مخاطر التزام الحياد في الأزمات المتوالية على المنطقة.

فهو يرى أن سجلّ السلطنة حافلٌ بتمسُّكها، في قراءتها لأحداث المنطقة والعالم، بمنهج يعطي قراءة التاريخ وسياقاته أهمية كبيرة. فبحكمة، وبُعد نظر، وقدرة على قراءة الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية، وتقاطعات المصالح في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وضع جلالة السلطان المعظم مُرتكزات ومُنطلقات السياسة العُمانية، وفق قاعدةٍ صلبةٍ منهجها «العمل من أجل تحقيق السلم والاستقرار العالميين»، وتكريس كافة الجهود لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة مع الأشقاء والأصدقاء على مُختلف المستويات».

مضيفا: مثلما حَملتْ السُّفن العُمانية قديماً البضائع والتجارة ومعها رسائل الود والسلام إلى شعوب العالم، حرصتْ سياستنا الخارجية المعاصرة على تأسيس علاقات تعاون وصداقة لا تمس استقلال القرار الوطني، بل تصون الهُّوية والتراث الضارب في أعماق التاريخ، في إطارٍ من الواقعية والتعامل الجاد والحصيف مع ما يستجد من تطورات، عبر تعاملٍ مَرِن ووعي بحقائق الجغرافيا والتاريخ، يستند لرؤية شاملة تراعي اعتبارات المستقبل، في عالمٍ أضْحَتْ تحاصره الأزمات والتوترات من كلِّ حدب وصوب.. فلم تنجر يومًا إلى موقف انفعالي غير مدروس، أو تنحاز لطرف على حساب الآخر؛ بل ظلَّت تسعى بكل جَهْد لإنجاح أي مبادرة تدعو للحل السلمي، وتدعم لغة الحوار بما يقضي على «شبح الانقسام والاقتتال».

فالطائي يرى أن: «ما يُميِّز سياستنا الخارجية من وضوح وصراحة وشفافية في التعامل مع مختلف المواقف والتطورات -سواء على المستوى الثنائي، أو متعدد الأطراف، أو الجماعي- يُعزِّز أواصر التعاون، ويعمل على تمتين علاقات الأخوة وحسن الجوار ودعم القضايا القومية، بقدرات دبلوماسية غير محدودة تواكب التحوُّلات «الدراماتيكية» الناشئة عن انتشار النزاعات والعنف وعدم الاستقرار.. وهي إنْ تفوَّقت في ذلك، فإنها تمارس سياساتها بفاعلية وثقة وهدوء دون ضجيج أو صخب إعلامي، لتُثبت قدرتها على تحقيق النجاحات المتتالية في هذا السياق، وتوظيفها للتاريخ ومقومات القوة، وتمسكها بالحوار عقيدةً ومنهجاً، وتعزيزه بين الأطراف المتنازعة لحل الخلافات بروح التفاهم».

ذاكرا أن: «سجلات التاريخ تُعلِّمنا بأنه لا مُنتصر في الحروب، وأنَّها إذا ما اشتعل أوراها ليحرق الأخضر واليابس سيخسر الجميع.. وفي منطقتنا العربية اليوم -وجوارها الإقليمي كذلك- باتت الحاجة ماسة لتكريس مبدأ السلام، والعمل على اعتماد نهج الحلول الدبلوماسية لكافة الصراعات، وهو النهج الذي ارتضاه لسياساتنا الخارجية حضرة صاحب الجلالة؛ الذي دائمًا ما يؤكد على أنَّ «تأكيد أواصر الصداقة مع الدول والعمل على تحقيق المصالح المشتركة ومراعاة الشرعية الدولية والالتزام بالمعاهدات والقوانين، كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التفاهم الواعي والتعاون البناء من أجل انتصار الأمن والسلام وشيوع الطمأنينة والرخاء».

كما قدم د.باقر النجار «تحديات العمل الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي» مبينا أن العمل الثقافي في منطقة الخليج لم يأتي خاليا من «المنغصات»، فهذا العمل ونتيجة لجدته، يواجه بتحديات جمه. بعضها نابع من المجتمع ذاته وبعضها الآخر قد يكون نابعا من العمل ذاته من حيث طبيعته وحجم الإمكانيات المتاحة له كما هو من حيث قربه أو بعده عن المزاج الاجتماعي المحلي وتفضيلاته وأولوياته الثقافية إن وجدت.

مشيرا إلى أنه يقصد بالنشاط الثقافي كل فعل أو نشاط يهدف إلى أحداث تغيرات اجتماعية في المجتمع. وهو فعل يأتي على أشكال عدة ويتم عبر وسائط مختلفه بعضها عبر هياكل رسمية ينتظم العمل فيها ضمن هياكل إدارية رسمية وبعضها الآخر يتم عبر ما أطلق عليه بالمنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني. كما أن بعضه الآخر قد بات ينتقل للبشر عبر الوسائط الجديدة في الاتصال ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة. كما أن وقع كل ذلك على الناس يختلف باختلاف مراتبهم الاجتماعية والاقتصادية واهتماماتهم الفكرية. بل إن انتشار هذه الوسائط في المنطقة بات يمثل تحديا أساسيا للقنوات التقليدية في التنمية الثقافية. بل إنها وسائط باتت تشكل الوعي والوعي المضاد.

ويرى النجار أنه بخلاف النشاط الاقتصادي فإن «العمل الثقافي يصعب قياسه أو توقع نتائجه سريعا، كما أن وقعه عند الناس وفيهم يختلف باختلاف مراتبهم الاجتماعية والاقتصادية. ورغم الأهمية الأقل التي قد تولى للفعل الثقافي إلا أن وقعه عند الناس بات مجلجلا، بل أن التحولات التي باتت تعصف بالمنطقة العربية في سنينها الأخيرة أنه في بعضه إلا ثقافي أو بالأحرى قد يكشف عن قشرية هذا التحول الثقافي عند سواد الأعظم من الناس».

وكانت الندوة قد بدأت مساء أمس الأول وتم تقديم فيها أربع أوراق عمل حيث قدم الشيخ سيف بن هاشل المسكري ورقة ذكر فيها أن منطقة الخليج تشهد منذ الربع الأخير من القرن الماضي متغيرات سياسية ، اقتصادية اجتماعية وتنموية، فمنذ انتصار الثورة الإيرانية وسقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران نتج عنه خلل في موازين القوى في المنطقة ما أدى إلى الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لمدة ثماني سنوات، ورغم قرار مجلس الأمن الدولي الذي طالب بوقف الحرب والعمليات العسكرية، وقبول إيران وقف إطلاق النار لم تغتنم دول الخليج فرصة الهدوء النسبي وأخذ المبادرة لدفع العمل نحو الاستقرار وإعادة الإعمار في البلدين وإيجاد مناخ اقتصادي مزدهر، تستفيد دول المنطقة اقتصادياً وتنمويا من أجل استقرار سياسي دائم حتى فوجئت بالتغيير المفاجئ للتوجه العراقي تجاه الكويت ثم في أقل من أسبوعين حصلت الصدمة الكبرى باحتلال العراق للكويت وذلك فجر الثاني من أغسطس 1990.

منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا تتوالى تداعيات الأحداث والمتغيرات في منطقة الجزيرة العربية ففقد العرب، دولاً كانت أعمدة النظام العربي.

في حين تحدث د. عبدالله باعبود عن تحديات الاقتصاد. هل أزماتنا الاقتصادية سببها النفط أم إخفاقات لسياساتنا الاقتصادية . مشيرا إلى أن مسيرة التنمية في دول الخليج العربية اقترنت مباشرة بتقلبات أسعار النفط حيث شكلت مداخيل النفط والغاز نسبة عالية من ميزانيات دول الخليج ومن إيرادات حكوماتها. وحين تسعى دول الخليج لتوظيف هذه الإيرادات في تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة من خلال استغلال مردودات النفط في تنويع اقتصاداتها ومصادر دخلها كان للتغيرات التي حصلت في أسعار النفط الأثر الكبير سلبا وإيجابا وعلى مدى العقود الماضية في مسارات هذه التنمية وعلى مدى ومستوى انحناءاتها. فمن بداية متواضعة قفزت اقتصاديات دول الخليج الى درجة عالية في مستويات التنمية بفضل الصعود المفاجئ في إنتاج وتصدير النفط وازدياد أسعاره مما تسبب في إحداث صدمات عالمية بسبب انتقال الثروة من الدول المستهلكة للطاقة إلى الدول المنتجة لها. واستفادت دول الخليج في بناء مؤسسات الدولة وتأسيس بنيتها الأساسية.

مبينا أنه في حين تسببت الانخفاضات المفاجئة (الصدمة المضادة) في أسعار النفط التي تبعت هذه الارتفاعات في بطء هذه المسيرة التنموية والحد من طموحاتها. وبرغم محاولة دول الخليج تجاوز اعتماد سياسات تطمح إلى تحقيق سلامة ونمو اقتصاداتها من تقلبات أسعار الطاقة العالمية من خلال تبني خطط تنموية تسعى لتنويع بنية اقتصادها وتنويع مصادر دخلها إلا أن النفط بقي العامل الرئيسي المحرك لاقتصاد هذه الدول وذلك لمدى كبر حجم هذا العامل وتأثيره على القطاعات الاقتصادية الأخرى. ولم تنجح دول الخليج في كسر حلقة هذا الاعتماد وأدمنت على دوامة مداخيل النفط في تسيير سياسة اقتصادها مما جعلها عرضة للتأثير المباشر في تقلبات أسعار النفط على هذه السياسات. ولم تستفد دول الخليج كثيرا من الأزمات الاقتصادية السابقة في خط سياسات تنموية ناجعة تقلل من مدى هذا الاتكال رغم بعض النجاحات في بعض القطاعات. ويعود ذلك في الأساس إلى نوعية وطبيعة هيكلة اقتصاديات دول الخليج والى كونها اقتصادات ريعية مرتهنة إلى حد كبير في اعتماد اقتصادها على إيرادات النفط مما يجعل موازنات واقتصادات دول الخليج في بحث مستمر عن نقطة التوازن. هذا إلى جانب هشاشة القطاع الخاص المعتمد على الإنفاق الحكومي والذي غدا غير قادر على توقع حجم الإنفاق الحكومي ومسار النمو العام للاقتصاد في هذه الدول».

كما تناول د. خالد المزيني التحدي السياسي موضحا أن سنوات الوفرة أوجدت حالة سياسية على صعيد الداخل والخارج فأين مجتمعاتنا من ذلك تواجه دول الخليج تحديات سياسية تكمن في العلاقة ما بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية وبما يسمى بـ«التشكل المتأخر للدولة في الشرق الأوسط». حيث إن دول الخليج كانت تركز وبشكل كبير على التوجهات الخارجية والتي نتج عنها استنزاف للموارد الاقتصادية التي أثر على النمو السياسي الداخلي حيث أوجد تحديا ما بين التغيير في السياسة الخارجية والتركيز على الداخل. وعوامل تأخر الدولة في المنطقة لها أسباب تاريخية وليس فقط نتيجة لعدم الاستقرار في المنطقة. حيث كان الهدف الرئيسي لهذه الدول هو البقاء وليس تطور تدريجي للدولة. كما ناقش التحديات السياسية وبشكل خاص تشكل الدولة الحقيقي الذي يوجد استدامة سياسية ذات طابع مؤسساتي.

كما قدم د.أنور بن محمد الرواس ورقة في هذه المناقشة أكد فيها على أنه لا يمكن الجزم بأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخليجية مستقرة إلى حد كبير، فهناك متغيرات كثيرة تطرأ بين الحين والآخر، وبالتالي فهي تتفاعل مع هذه الأوضاع وتؤثر وتتأثر بها. فالأوضاع السياسية الخليجية وإن كانت تظهر للعيان بأنها مستقرة إلى حد ما، إلا أن هناك ظروف عالمية تجبرها على تغيير نمط تعاطيها مع مجتمعاتها الداخلية من حيث توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتفعيل منظومة المجالس النيابية المنتخبة باعتبارها سلطة تشريعية نابعة من إرادة الشعوب، وفصل القضاء عن السلطة الحاكمة لكونها ميزان العدل ومظلة الأمن الاجتماعي.

وأضاف أن الشأن السياسي الخليجي يواجه تحديات كبيرة، خاصة وأن السلطة التنفيذية هي في واقع الأمر السلطتين التشريعية والقضائية إلى حد ما في بعض الدول الخليجية، وبالتالي فإن العُرف السياسي يتبنى مفهوم الدولة الريعية التي تُشرف على استقرار الوطن من التقلبات المضطربة التي تحيط بالدول الخليجية. أعتقد أن هذا المفهوم قد أفل في عصر السماوات المفتوحة، ولا يمكن القبول بفكرة السلطة الأحادية مهما كان الحرص قائما من قبل الأنظمة السياسية الخليجية، فهناك جيل يتحدث بلغة مختلفة، ولديه القدرة على تخطي مفاهيم تقليدية، بل وغربلة الخطط والاستراتيجيات التي لا تتوافق مع طرحه، ويسارع إلى تبني أفكار وأيديولوجيات قد تتعارض وتتصادم مع ما تطرحه الأنظمة السياسية. إن الحكمة تقتضي إيجاد صيغ عملية لفهم المتغيرات، والعمل على قراءة الجيل التقني الذي يجد لنفسه مساحة ومتنفسا في العالم الافتراضي بوعي أو بغير وعي، فهو جيل تم صياغته تقنيا، ويدرك بأن العالم يغذيه بأفكار تتوافق مع همومه وتطلعاته، ولا سبيل عن التراجع عن مكتسباته المعرفية. لذا فإن الخروج من دائرة الجدل السياسي، هو التفاهم عبر لغة حوارية تكتسي البعد الوطني الساعي إلى التغيير المنهجي والمستمد من وحي البيئة الخليجية.

موضحا أنه إذا كان الوضع السياسي الخليجي عاجزا إلى حد كبير عن فهم المتغيرات، فإن الشأن الاقتصادي لا يزال متماسكا إلى حد ما، فالاقتصاد الخليجي يعتمد على مورد وحيد هو النفط والغاز، وهو المغذي لخزائن الدول الخليجية، وبالتالي فإن غياب الموازنات المالية المعلنة والخطط الخمسية التي ترسم السياسات التنموية، قد تكون سببا مباشرا في عدم الاستقرار السياسي. لذا على الدول الخليجية القيام بمبادرات سريعة في تبني سياسة الشفافية من خلال الإعلان عن الدخل القومي وطريقة توزيعه في كافة مرافق الدولة. فبعض الدول الخليجية تعلن عن حجم التصدير، ولكن تغفل أو تتجاهل الإعلان عن حجم الدخل وطريقة توزيعه، وبالتالي تُتهم بأنها مقصرة في توزيع الثروة النفطية التي هي من حق الشعوب وليست من حق فئة بعينها. كما أن سياسة المحاسبة والرقابة على المال العام، أصبحا من الضروريات الملحة من خلال إصدار تشريعات تجرم العبث بالمال العام، ومحاسبة مرتكبي التجاوزات.

مشيرا إلى أن الوضع الاجتماعي الخليجي هو الجزء المكمل للمثلث الهرمي، وهو حجر الزاوية في العملية برمتها، فغياب الأمن الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، وعدم احترام كينونة الإنسان، تعتبر بمثابة المهددات الجوهرية للوضعين السياسي والاقتصادي. ومن هذا المنطلق فإن الحكمة تقتضي أن تعمل الدول الخليجية سريعا على احتضان مواطنيها، وحل مشاكلهم، وخلق بيئة صحية يمارس من خلالها المواطنون حقوقهم وواجباتهم الدستورية. والمتتبع للشأن الخليجي يلحظ وبجلاء مدى التطور الذي شهدته الدول الخليجية في كثير من المجالات التعليمية والصحية والخدمية وغيرها من المرافق المهمة. ويبقى الإنسان هو المحور الرئيسي في العملية برمتها، فبدون التأهيل والتدريب، لن تتحقق الطموحات المرجوة، وبدون حوار شفاف بين النظام والإنسان، لن تتغير الأفكار المسبقة لكلا الطرفين، وعليه فإن الإنسان الذي يفترض أن يكون عنصرا إيجابيا لعملية البناء والنماء، أصبح ناكرا لها، بل ومعيقا لتقدمها.

داعيا إلى جعل منطقة الخليج آمنة من النتوءات الفكرية الضيقة التي تسعى إلى مصالحها الشخصية على حساب وطن بأكمله، ولكننا لسنا مع تحجيم قدرة الإنسان الخليجي في ممارسة حقه الدستوري. فالإنسان الخليجي قادر على تجاوز المتغيرات المحيطة، بشرط إشراكه في العملية السياسية، واعتباره عنصرا إيجابيا في حفظ أمن واستقرار منطقة الخليج.