الملف السياسي

مؤشرات براغماتية لإنهاء الحرب في سوريا

06 مارس 2017
06 مارس 2017

أ.د.حسني نصر -

[email protected] -

يقال دائما إن السياسة هي فن الممكن، وإن السلام هو الحلقة الأخيرة في مسلسل أي حرب، بل إنه يمثل في حد ذاته حربا جديدة يدخلها المتصارعون بعد أن يتيقنوا تماما أن السلاح وحده لن يحسم المعركة.   

والمؤكد أن السلام في أية حرب لا يتحقق إلا في حالتين، الأولى انتصار كاسح ونهائي لطرف يستطيع في مفاوضات السلام أن يفرض شروطه على الطرف المهزوم، أو تعادل للقوة بين الأطراف المتحاربة تجعل استمرار الصراع لا طائل منه، وتدفع الجميع إلى الجلوس على مائدة المفاوضات وتقديم تنازلات مشتركة للوصول إلى تسوية قد تكون مؤلمة لهم جميعا.

وفي ضوء عدم حسم أحد الأطراف للحرب في سوريا رغم التدخل الإيراني الروسي المؤثر فيها إلى جانب قوات الدولة السورية ، فان السؤال الذي نطرحه في هذا المقال هو هل أصبح بالإمكان التوصل إلى حل سياسي سلمي لهذا الصراع الذي دخل عامه السادس؟

يمكن القول بشكل مبدئي إن حلا سياسيا للصراع في سوريا اصبح يلوح في الأفق، وصار قريبا اكثر من أي وقت مضى ليس فقط بسبب تنامي الجهود الدولية التي تبذلها أطراف عدة في العالم وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والقوى الدولية والإقليمية المتورطة في هذه الحرب عبر جولات المفاوضات التي شهدت تزايدا ملفتا في الشهور الثلاثة الأخيرة، وإنما لأن كل الأطراف المؤثرة فيها أدركت وبرؤية براغماتية واضحة أن لا فائدة من استمرار هذه الحرب العبثية التي ستخرج منها وهي خاسرة شيئا ما. في تقديري أن الحل السياسي للصراع في سوريا هذه المرة يبدو حتميا وإلزاميا لجميع الأطراف، بما فيها التكتل القويّ الذي يضم الحكم السوري وروسيا وإيران، التي لن يكون أمامها سوى تقديم التنازلات للوصول إلى هذا الحل، بصرف النظر عن فشل بعض الجولات التفاوضية، والتي ستقود حتما إلى جولات جديدة على مدار هذا العام. وفي تقديري أن عام 2017 سيكون عام إحلال السلام في سوريا في ضوء مؤشرات عديدة نكتفي في هذا المقال بتحليل اثنين منها.

المؤشر الأول الذي يجعلنا نتوقع نهاية الحرب خلال هذا العام يرتبط بارتفاع الكلفة البشرية والمادية للحرب، إلى حد يجعل تحملها لفترات أخرى خارج استطاعة جميع الأطراف المشاركة فيها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي فإن إنهاءها بحجم الخسائر الحالية سيكون مجزيا للجميع، ويمثل المخرج الوحيد لوقف نزيف الضحايا والأموال. وفي هذا الإطار يقول تقرير لمنظمة السلام العالمي أن الحرب في سوريا أودت بحياة 470 ألفا من السوريين، وهو رقم لا يبتعد كثيرا عن أرقام الأمم المتحدة التي تصل إلى 400 ألف قتيل حتى منتصف فبراير الماضي. ويشير تقرير للمركز السوري لبحوث السياسة إلى أن 11.5 بالمائة من سكان سوريا قتلوا أو جرحوا منذ اندلاع الحرب في مارس 2011، وأن عدد الجرحى قارب المليونين، وانخفض متوسط الأعمار في سوريا من 70 سنة في العام 2010 إلى 55 سنة. وهجرت الحرب أكثر من 11 مليونا من منازلهم، أي نحو 45 بالمائة من سكان سوريا، وأحدثت أزمة لاجئين عالمية بلغ عددهم نحو خمسة ملايين لاجئ، ودمرت عدة مدن سوف يتطلب إعادة إعمارها مئات المليارات من الدولارات. في المقابل بلغت الخسائر المادية المباشرة للحرب نحو 275 بليون دولار قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا استمرت حتى عام 2020. وفي تفاصيل هذه الخسائر تقول المنظمة إن مشاركة روسيا في الحرب منذ سبتمبر 2015 يكبدها نحو ثلاثة ملايين دولار يوميا، وهو ما يعني أن خسائرها المادية قاربت النصف مليار دولار في مطلع العام الحالي. أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تخسر يوميا في هذه الحرب 11.5 مليون دولار منذ أغسطس 2014. وليس من الغريب أن تطول الخسائر الدول المجاورة لسوريا مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق. وعلى سبيل المثال فان احتضان الأردن نحو 630 ألف لاجئ سوري يكلفها نحو 2.5 بليون دولار سنويا. ويبدو الوضع أكثر دراماتيكية في لبنان التي تأوي نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري، وتعاني اقتصاديا بشكل كبير نتيجة هذه الحرب.

الكل يخسر إذن في هذه الحرب التي طالت، وبالتالي لم يعد أمام جميع الأطراف سوى خيار السلام لوضع حد لهذه الخسائر اليومية، حتى وان كان على حساب بعض الثوابت والأهداف التي كان يسعى كل منها إلى تحقيقها.

المؤشر الثاني والأهم الذي يجعل إنهاء الحرب في سوريا وشيكا هو إدراك القوى الإقليمية المؤثرة خاصة المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لحقيقة وجوهر الصراع بشكل براغماتي أيضا، وهو أن الحل في سوريا لا يمكن أن يتم دون التوصل إلى حل في العراق. وفي هذا الإطار فان زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير المفاجئة لبغداد الأسبوع الماضي، يمكن أن تبعث الأمل في حدوث تقارب سعودي – إيراني، قد يحلحل الأزمة في العراق ويمتد تأثيره بالطبع إلى سوريا. وبصرف النظر عما دار في هذه الزيارة ، فإن إتمامها في هذا التوقيت الحساس يؤكد أن هناك تغيرا ملموسا في الجانبين السعودي والإيراني تجاه بؤر الصراع في المنطقة. نعلم جميعا أن السعودية وإيران اللاعبان الرئيسيان في العراق وسوريا، وانهما تخوضان حربا عن بعد في كل منهما تستخدمان فيها الأموال والأسلحة وأجهزة المخابرات والجنرالات، كما نعلم أن الميليشيات التي تقاتل في العراق أيا كان انتماؤها الطائفي هي نفسها تقريبا التي تقاتل في سوريا، في ضوء ذلك وفي ضوء إدراك كل منهما باستحالة تحقيق هدف كل منهما في البلدين معا، يمكن اعتبار زيارة الجبير لبغداد، والتي حظيت بحفاوة عراقية واضحة ، مؤشرا بالغ الدلالة على سعي الطرفين إلى التوصل إلي توافق ما من وجهة نظرهما بشأن التسوية والحل السلمي وبناء واقع سياسي افضل .

في ضوء ما سبق يمكن أن نكون على موعد قريب مع حل سياسي سلمي ينهي الحرب في سوريا، بسبب تزايد قناعة الأطراف المشاركة فيها بعبثية هذه الحرب من جانب وضخامة خسائرها من جانب آخر، والأهم بسبب عملية التقارب المتوقعة، بين الرياض وطهران ، والتي ربما يجري الإعداد لها حاليا، خلف الأبواب المغلقة، بعد زيارة وزير الخارجية السعودي للعراق التي تؤكد أن السلام مثل الحرب يحكمه مبدأ توازن القوى والمقايضات والبحث عن توافق يخدم الأهداف المختلفة .