abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: لين

05 مارس 2017
05 مارس 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

نقاش في ليلة صافية أخذنا إلى الحديث عن التحديث والتطوير في الإنسان والآلة ووجوب الاستفادة من الاثنين لتحقيق التنمية الشاملة، استرسل صديق عامل في إحدى شركات النفط والغاز عن تجربته الشخصية وتجربة شركته في استخدام برنامج لين LEAN ومدى الفائدة العظيمة التي جنتها تلك الشركة من تطبيق هذه الإدارة حيث استطاعت تقليص حجم الهدر في عملياتها وإضافة قيم جديدة للعمل وغيرها من الفضائل التي عددها ذلك الصديق، ناصحًا إياي أو إيانا كمؤسسات حكومية بالحذو حذوهم وتطبيق هذا الأمر معنا. قاطعته شاكرًا له نصيحته ومعقبا على كلامه بأننا نستخدم « اللين» -من الليونة- منذ زمن طويل في الحكومة حتى قبل أن تعرفوه أنتم أصحاب الشركات وما زلنا إلى اليوم نستخدمه في كل دقيقة من عملنا، لكن الفرق بيننا وبينكم أن ليننا غير لينكم فليننا لم يضف قيم جديدة للعمل بل أضاف عليها بيروقراطيات أكبر ولم يقلص ليننا حجم الهدر بل زاد منه.

في زيارة أعقبت تلك المحاضرة القيمة إلى جهة حكومية تطبق «اللين» في سياساتها وجدت أناسا منكسي الرؤوس منكبين على القراءة لا يرفع الفرد منهم بصره عند الحديث إليك، يداه منشغلتان بأمر جلل، ألقيت السلام فقفز من كرسيه محييًا ومسلمًا ثم أدركت بعدها أن انكبابه كان بهدف التواصل مع غيره عبر برامج التواصل، أرشدني إلى مكتب آخر فوجدت الحال نفسه أناس متقابلون على مكاتبهم منهم من انكب مثل سابقه على هاتفه ومنهم من فضل التواصل الشفوي مع زميله بحجة أن وسائل التواصل خربت التواصل الحقيقي بين الناس، أنهيت حاجتي بلا طائل وخرجت من تلك المؤسسة «اللينة» التي تركت لموظفيها الحرية في ممارسة وشغل وقت شغلهم بما يرونه مناسبا لهم.

بإيجابيتي التي فطرت عليها لن أتطرق هنا الى الأرقام العربية المتآمرة على الموظف الحكومي المغلوب على أمره من أن إنتاجيته اليومية لا تتعدى العشرين دقيقة من أصل سبع ساعات أو الأربعمائة دقيقة يوميا أن حسبت بالدقائق التي يقضيها الموظف في عمله منذ وصوله وحتى مغادرته، وأيضا بإيجابيتي سوف لن أتطرق إلى الأوزان المترهلة التي تئن تحت وطئتها الحكومات والإعداد التي تمتلئ بها مكاتب وممرات ومواقف المؤسسات الحكومية، ولن أتطرق أيضا إلى الخلل في الأجهزة الإدارية وتشعباتها والتي تحدث عنه كثير من مسؤولي الحكومة ذاتهم أنتم أعلم بهم، ولكنني سوف أكون متفائلاً كما في كل مرة، وسأقول أن التنمية الحقيقة ما كانت لتكون لو لا الحكومة وأجهزتها الساهرة عليها، وأن المواطن ما كان لينعم بالخدمات التي ينعم بها أن لم تكن الحكومة وأجهزتها هي من يقدمها له، وسأقول أيضا أن لا أحد يستطيع توفير ما تستطيع الحكومات توفيره لان التجارب أثبتت أن الثقة لا تزال في الحكومة أمتن وأصدق وأثقل من ندها القطاع الخاص الذي ولد في عصر البزنس وبات يتباهى بخدماته المتطورة.

لكنني سأهمس همسة متشائمة بسيطة لمن يملك قرارًا في الحكومة من أن الحال قد تغير، وأن الناس ما عادت هي ذاتها التي تقبل ما قبله من قبلها من خدمات وأن الوضع بات بحاجة إلى مراجعات أكثر من ذي قبل وبات بحاجة أكثر إلى تحسين وتجويد وتطوير وترقية في الخدمات المقدمة وأن اللين في عصر LEAN لم يعد نافعًا أبدًا.