الاقتصادية

دراسة علمية تشيد بجهود السلطنة في مكافحة غسيل الأموال

04 مارس 2017
04 مارس 2017

القانون العماني حقق نقلة كبيرة -

أعد الدكتور عبدالسلام فرج يحيى خبير اقتصادي بغرفة تجارة وصناعة عمان دراسة اقتصادية حول ظاهرة غسل الأموال (النشأة - الأسباب والجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمكافحتها). احتوت

الدراسة على ثلاثة فصول تم من خلالها تسليط الضوء على التطور التاريخي من حيث النشأة والأسباب والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه الظاهرة، الفصل الثاني لتتبع دور الجهاز المصرفي

والبنوك المركزية في مكافحة ظاهرة غسل الأموال، كما أفردت الدراسة فصلا كاملا لتوضيح اهم الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمحاربة هذه الظاهرة مع التركيز على الدور الريادي لسلطنة عمان في مكافحة هذه الظاهرة. فمن حيث التعريف بما المقصود بغسل الأموال، بيّن الباحث أن هناك تعاريف مختلفة اجتهد الخبراء فيها لتعريف معنى غسيل الأموال، حيث انقسمت تلك الآراء إلى قسمين ضيق، وواسع، واقتصر التعريف الضيق للظاهرة إلى عدم مشروعيتها الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية، ومن هذه التعريفات والآراء الفقهية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالمخدرات المنعقدة في فيينا (1988)، والتوصية الصادرة من مجلس المجموعة الأوروبية عام (1991) أما التعريف الواسع لغسيل الأموال فإنه يشمل جميع الأموال القدرة الناتجة عن جميع الجرائم والأعمال غير المشروعة، وليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات.

أوضحت الدراسة أن عمليات غسيل الأموال تعتبر من أكثر العمليات دقة وحساسية وغموضا وتعقيدا وتداخلا سواء كان ذلك من الناحية المالية والاقتصادية والقانونية، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في وضع المعوقات والعراقيل التي تساهم في عرقلة كافة الجهود المتعلقة بمتابعتها ومكافحتها والقضاء عليها، ولعل من اهم العوامل والأسباب التي أدت إلى انتشار وتنامي عمليات غسيل الأموال على الصعيدين المحلي والعالمي: البحث عن الأمان ومحاولة الحصول على المشروعية، خشية المطاردة القانونية والانفتاح في الأسواق المالية الدولية، والمصارف ودورها في تسهيل عمليات الأموال (الحسابات السرية) والتشجيع العلني للدول والتقدم التكنولوجي وارتفاع معدلات الضرائب والرسوم وانتشار ظاهرة التهرب الضريبي.

بيّنت الدراسة أن عمليات غسل الأموال في منظومة دورة النشاط الاقتصادي تمر بثلاث مراحل هي: الإيداع، التوظيف، التنسيب Placement، والمرحلة الثانية، مرحلة الترقيد أو التجميد Layering بالإضافة إلى مرحلة الدمج Integration.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية

فيما يخص الآثار السلبية الناجمة عن تنامي وتفشي ظاهرة غسل الأموال فقد أوضح الباحث أن لهذه الظاهرة آثارا اقتصادية واجتماعية سلبية علي مختلف الدول. فهي لها آثار سلبية علي الاقتصاد الوطني عند كل المستويات سواء المستوى الجزئي أو على مستوى الاقتصاد الكلي ممثلة في الآثار على الآثار المباشرة على سلوك المستهلك وعلى سلوك المنتج وحدوث تعطيل آلية جهاز الثمن. إلى جانب ذلك فهي لها آثار سلبية على مستوى الاقتصاد الكلي تنعكس في شكل انخفاض الدخل القومي والأثر السلبي على الاستقرار الاقتصادي (البحث عن عمل والتضخم)، الأثر على عمليات غسيل الأموال على المتغيرات النقدية بالإضافة إلى الأثر الكلي على صياغة السياسات الاقتصادية.

ومن حيث الآثار الاجتماعية لغسل الأموال فقد بيّنت الدراسة أن غسيل الأموال في الداخل أو الخارج يؤدي إلى تشويه هيكل توزيع الدخل في المجتمعات والاقتصادات التي تنتشر فيها مثل هذه العمليات باعتبار أن هذه العمليات تهتم بنقل ونهب دخول بعض الفئات الاجتماعية للبعض الآخر، وكذلك التهرب من بعض الالتزامات القانونية وغيرها، الأمر الذي يترتب عليه:

زعزعة القيم الإيجابية في بعض المجتمعات وإحلال محلها قيم سلبية ومدمرة أخرى، مثل التشجيع على السرقة والابتزاز والبحث عن السبل الكفيلة بالكسب السريع بغض النظر عن المصدر.

عدم الولاء والانتماء عند بعض الشرائح، وإيجاد الروح الانهزامية بها، مما يترتب عليه ضعف الترابط الاجتماعي والإحباط، وعدم الشعور بالمسؤولية.

زيادة النفود السياسي لغاسلي الأموال: حيث يقومون بتمويل الحملات الانتخابية لأنصارهم وغالبا ما تكون لهم سيطرة على الجانب الإعلامي والقضائي ثم يقومون بإفساد الحكام والمحكومين الأمر الذي ينعكس سلبا على المناخ العام في المجتمع.

وفي كثير من الأحيان وفي ظل سيادة القيم الفاسدة على المجتمع يحدث التمرد على تلك الطبقات وقد يقود الأمر إلى التطرف والإرهاب مع نمو عمليات المنظمات الإجرامية ونشاط عمليات الجوسسة.

جهود السلطنة في مكافحة الظاهرة

أوضحت الدراسة جهود سلطنة عُمان في مكافحة ظاهرة غسل الأموال خلال العقدين السابقين من خلال أربع مراحل جوهرية والتي من خلالها قامت السلطنة بنقلة نوعية في هذا المجال، حيث ابتدأت المرحلة الأولى من خلال إصدار قانون مراقبة المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي تم إصداره بموجب المرسوم السلطاني رقم 17 والذي نص على تجريم غسل أموال عائدات المخدرات غير المشروعة وكذلك الاتجار في العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية والذي تم توضيحه في كل من المواد: 38 إلى 42 في حين شهدت المرحلة الثانية تقديم قانون خاص بمكافحة غسل الأموال لسنة 2002، والذي صدر بموجب المرسوم السلطاني رقم ٣٤. وقد ساهم هذا القانون في توسيع نطاق عملية غسل الأموال لتشمل عائدات أي جريمة يعاقب عليها القانون. بعد ذلك شهدت السلطنة نقلة نوعية أخرى حيث انه في المرحلة الثالثة تم صدور قانون مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والي صدر بمرسوم سلطاني رقم 79 لسنة 2010.

أما المرحلة الأخيرة من جهود السلطنة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال فقد تمثلت في إصدار القانون رقم 30 والخاص بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والذي صدر بمرسوم سلطاني لسنة 2016.

لقد قام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي حل محل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 79/‏‏‏2010 بتوسيع نطاق اختصاصاته، فهو يتكون من احد عشر فصلا ومائة وتسع مواد تشرح وتوضح وتقنن كل ما يتعلق بعمليات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب. وهو بحق يعتبر نقلة نوعية للسلطنة في هذا المجال لتناسق وتناغم مكوناته وفقراته مع التزامات السلطنة تجاه ما قامت بتوقيعه والتصديق عليه من اتفاقيات وتعهدات دولية في هذا الشأن، حيث أضاف إلى اختصاصاته عمليات تمويل الإرهاب وقام بتغطية ما يتعلق بالمؤسسات غير المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة. وبالرغم من أن قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وما يتضمنه من بنود خاصة بمكافحة غسل الأموال ما زال معمولا به ونافذًا.

ومن حيث التطور التاريخي لجهود سلطنة عمان في مكافحة ظاهرة غسل الأموال فقد بينت الدراسة على أن السلطنة هي طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1991، وقد انضمت إليها بتاريخ: 12/‏‏‏1991 وهي طرف أيضا في اتفاقية الأمم المتحدة (باليرمو) لمكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية لسنة 2000 والتي انضمت لها بتاريخ 4/‏‏‏2005. وعلى المستوي الإقليمي فإن سلطنة عمان هي عضو في مجموعة (MENFATF) التي تمت الإشارة إليها أعلاه بالإضافة إلى توقيعها على العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية والتي تهدف إلى محاربة ومكافحة ظاهرة غسيل الأموال.

من جانب آخر قدمت الدراسة شرحا حول إجراءات مكافحة جريمة غسل الأموال في قانون مكافحة غسل الأموال والإرهاب رقم (70) لسنة 2016، والذي بيّنت فيه انه يتميز بأنه يحتوي ويشمل كل التطورات والجهود التي قامت بها السلطنة في سبيل مكافحة هذه لظاهرة. فهو يتكون من احد عشر فصلا ومائة وتسع مواد تشرح وتوضح وتقنن كل ما يتعلق بعمليات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب. وهو بحق يعتبر نقلة نوعية للسلطنة في هذا المجال لتناسق وتناغم مكوناته وفقراته مع التزامات السلطنة تجاه ما قامت بتوقيعه والتصديق عليه من اتفاقيات وتعهدات دولية في هذا الشأن. والشكل التالي يوضح التطور التاريخي لجهود السلطنة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال خلال العقود الثلاثة الماضية.

النتائج والتوصيات

لقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج لعل من أهمها: ان ظاهرة أو جريمة غسل الأموال هي ظاهرة قديمة حديثة تتجدد وتتطور من فترة زمنية إلى أخرى ويتم فيها استخدام كافة الوسائل المهنية والتقنية لغرض تحقيق الأهداف التي يصبو إليها غاسلو الأموال - الأمر الذي يترتب عليه آثار سلبية حادة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية من منظور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات.

كما تميزت هذه الدراسة إلى استنتاج مهم وهو أن السلطنة قد حققت بالفعل دورا رياديا من حيث القوانين الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة من خلال صدور القانون رقم 30 لسنة 2016 لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والذي يعتبر بحق نقلة نوعية ومتميزة للسلطنة في ممارسة الأعمال لما يحتويه من شمولية وكفاءة في مكافحة كلتا الظاهرتين غسيل الأموال والإرهاب.

بناء عليه .. ومن خلال استعراض التطور التاريخي لجهود السلطنة في مكافحة هذه الظاهرة الذي من خلاله يتضح أن السلطنة لديها من القوانين واللوائح والتشريعات والاتفاقيات المحلية والدولية في مكافحة هذه الظاهرة فإن هذه الدراسة توصي قد آن الأوان لإعداد دراسة متخصصة لتقييم مدى كفاءة وفاعلية البنوك التجارية العاملة في السلطنة في الرقابة على عمليات غسيل الأموال.