أفكار وآراء

تمويل المشاريع الاستراتيجية الواعدة

04 مارس 2017
04 مارس 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

وُضِعت أهداف خطة التنمية الخمسية التاسعة ( 2016 ـــ 2020) وأهداف البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي “ تنفيذ” خلال زمنين متقاربين. إذ إن أهداف خطة التنمية وضعت خلال عام 2015. ووضعت أهداف برنامج :” تنفيذ” خلال عام 2016، إلاّ ان قواسم مشتركة تضمنتها أهداف الخطة والبرنامج.

يستهدف البرنامج الوطني “تنفيذ” تحقيق معدلات نمو مرتفعة في القطاعات الواعدة: قطاع الصناعات التحويلية 6%، والنقل والخدمات اللوجستية 5%، والسياحة 5.3%، والثروة السمكية 6.5% والتعدين 6%، ولتحقيق مثل هذا النمو يتطلب تحقيق معدلات عالية للاستثمار وخاصة من القطاع الخاص. أما أهداف ومحاور البرنامج الوطني (تنفيذ) فقد أرادت أن يكون للقطاع الخاص دور أكبر في إيجاد سوق عمل واعدة للشباب العماني وتقويته ليكون شريكا مبادرا في تحقيق الاستقرار في بيئات العمل وإيجاد وظائف مختلفة في شتى المجالات للخريجين مواكبة لمسيرة الحكومة في التوظيف والتقليل من العبء على الوظائف الحكومية. وإيجاد سوق عمل منظم في بيئة عمل مستقرة بأيدٍ وطنية منتجة بمشاركة أطراف الإنتاج، من خلال تذليل العقبات أمام متطلبات تشغيل القوى العاملة بما يسهم بفاعلية في موازنة سوق العمل ليصبح جاذبا للاستثمارات. وأن يتحول القطاع الخاص المساهم الأكبر في تنمية الاقتصاد الوطني.

ومن أهداف ومحاور البرنامج الوطني (تنفيذ) إلى أهداف خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 ــ 2020) يمكن القول إن أهداف برنامج “تنفيذ” جاءت مكملة لأهداف خطة التنمية. ففيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية الواعدة فإن الخطة تعتمد على سياسات تهدف إلى قيام القطاع الخاص بدور رائد في دفع معدلات نمو الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل، من خلال مواصلة تحسين بيئة الأعمال والإسراع في تنفيذ برنامج التخصيص وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما سيتم تطوير أكثر من 500 برنامج وسياسة يتم تنفيذها خلال فترة الخطة المتعلقة بالقطاعات المختلفة خاصة منها القطاعات التي تم اختيارها كقطاعات واعدة تساهم في عملية التنويع الاقتصادي وهي (الصناعة التحويلية، النقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين)، والتي تشكل أحد أهم المحاور التي ستركز عليها الخطة الخمسية التاسعة لدعم عملية النمو الاقتصادي في السلطنة، بجانب القطاعات الأخرى الداعمة لهذه القطاعات الخمس كالتعليم والصحة، وبيئة الأعمال، والشباب، والبيئة، ورفع أداء الجهاز الحكومي، والاتصالات، وتقنية المعلومات.

وسواء كانت أهداف خطة التنمية التاسعة أو أهداف برنامج التنويع الاقتصادي “تنفيذ” فإنها أهداف طموحة ويتواصل العمل حثيثا على تنفيذها. وقد يكون من الحكمة أن نضع في الحسبان متطلبا أساسيا لتحقيق تلك الأهداف وهو تمويل المشاريع في القطاعات الواعدة.

ومن خلال استعراض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بتوجهها للقروض الداخلية والخارجية فإن ما يتوفر من أموال من تلك القروض لابد أن يتوجه لسد العجز ولمتطلبات المصروفات الجارية في موازنة 2017. أما رؤوس الأموال المطلوبة لتنفيذ مشاريع التنويع الاستراتيجية التي يتوقع أن تبلغ تكاليف تنفيذها المليارات ويمتد زمن تنفيذها لسنوات، فإن سياسة مالية أخرى لابد أن تكون قد وُضِعتْ لتأمين تمويل تلك المشاريع.

ولوحظ أن سياسة الإدارة المالية للحكومة ومنذ منتصف عام 2016 وحتى الربع الأول من عام 2017 تتجه نحو الاقتراض الداخلي الذي يتمثل بإصدارات متتالية لأذون الخزانة والصكوك السيادية والاستثمارية.

تؤكد تجارب العديد من الدول أن الدين الداخلي هو أفضل الخيارات التي تلجأ لها الحكومات لتوفير الموارد المالية لبرامج الإنفاق العام وتتمثل بـ:

ـــــ الصكوك السيادية التي تصدرها الحكومات وتلعب دورًا رئيسيًا في تمويل موازناتها ومشاريعها الكبيرة التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة. وكان قد تزايد إصدار الصكوك السيادية بشكل ملحوظ على مستوى العالم خلال السنوات القليلة الماضية بعد أن ظهرت ميزات عديدة لهذا النوع من التمويل الإسلامي مقارنة بالسندات التقليدية خلال سنوات الأزمة المالية العالمية.

ـــــ أذون الخزانة: وهي إحدى أدوات الدين الداخلي قصيرة الأجل تصدرها الحكومة وبموجبها تتعهد الحكومة بدفع مبلغ في تاريخ استحقاق الإذن مضافا له نسبة الربح المحددة، وتأخذ أذون الخزانة صفة الورقة التجارية (السند الأذني) وتصدر بفترات استحقاق تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر وستة أشهر واثني عشر شهراً. وهي لا تحمل سعر فائدة محددا وإنما تباع بسعر خصم يقل عن قيمتها الاسمية على أن يسترد مشتريها قيمتها الاسمية في تاريخ الاستحقاق. وتتمثل الفائدة التي يحصل عليها المقرض في الفرق بين المبلغ الذي دفع عند شراء الإذن وبين قيمته الاسمية التي يحصل عليها في تاريخ الاستحقاق. ويتم بيع أذون الخزانة عن طريق المزاد حيث يقوم البنك المركزي في الدولة التي تصدر أذون الخزانة بعرضه على المستثمرين الذين هم في العادة من المؤسسات المالية الكبيرة كالبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار وغيرهم من المتاجرين بتلك الأدوات المالية، ويتم بيعها لمن يقدم أعلى سعر ثم الأقل حتى يتم تغطية كامل قيمة العطاء الحالية.

ــــــ ومن بين القروض الداخلية القروض المباشرة من البنوك التجارية المحلية وقد تلجأ الحكومات إلى الاقتراض المباشر من البنوك التجارية العاملة على أراضيها عند تراجع وارداتها من مصادرها التقليدية. وهذا النوع من القروض ممكن في البنوك التجارية الكبرى التي يمكن أن تقرض الحكومة دون التأثير على خدماتها التقليدية. وقد تبادر إدارات البنوك التجارية ذاتها بالدخول في عقود مشاركة مع الحكومات في تمويل المشاريع الاستراتجية. مثال: معظم مشاريع الطاقة الكهربائية في دول جنوب شرق آسيا ممولة بعقود مشاركة بين الحكومات والمؤسسات المالية.

ـــــ ويعول البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي “تنفيذ“ على الشراكة بين الحكومة ومنشآت وشركات القطاع الخاص الكبيرة في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية، فلدى شركات ومصالح القطاع الخاص من رؤوس الأموال ما قد يفوق ما لدى الحكومات، فمن خلال شركة بين القطاع الخاص والحكومة يمكن أن يمول القطاع الخاص تنفيذ المشاريع الاستراتيجية، ليصبح شريكا في ملكية وإدارة تلك المشاريع.

ــــــ اللجوء إلى سوق الأوراق المالية وطرح أسهم المشاريع الاستراتيجية الحكومية للاكتتاب. وتؤكد التجارب أن الأسهم والسندات الحكومية تتمتع بالثقة العالية لدى المستثمرين سواء أكانوا أفرادا أو مؤسسات مالية، وطالما كان الإقبال عليها يفوق العرض المحدد من قبل الجهات الحكومية.

ـــــ القروض الخارجية: وتأتي من عدة مصادر:

• الحكومات والشركات الأجنبية: تدخل شركات القطاع الخاص أو المؤسسات المالية أو البنوك الأجنبية مشاركة الحكومات في تمويل المشاريع الاستراتيجية، ويأخذ التمويل إما صيغة القرض أو المشاركة، وفي كلا الحالتين في مثل تلك التعاقدات يتعين على الحكومات المستفيدة قبول شروط القرض أو المشاركة.

• قروض صندوق النقد الدولي: يجوز للبلد العضو في الصندوق أن يطلب من الصندوق مساعدة مالية إذا كان يواجه احتياجا فعليا أي إذا كان ينقصه أو قد ينقصه التمويل الكافي لتمويل مشاريع ذات مردود مضمون. فمن مسؤوليات الصندوق الأساسية منح القروض للبلدان الأعضاء التي تواجه موازين مدفوعاتها مشكلات تمويلية فعلية أو محتملة.

وبما أن المشاريع الاستراتيجية في برنامج “تنفيذ” أوفي خطة التنمية التاسعة تحتاج إلى تمويل يتجاوز الموارد المالية السنوية المتوقعة للسلطنة من صادرات النفط والغاز والموارد الأخرى، وإن التوقعات تؤكد بقاء الأسعار متدنية لسنوات مقبلة فإن المشاريع الاستراتيجية الواعدة لابد من إنجازها خلال سنوات خطط التنمية التاسعة. ليتضاءل الاعتماد على موارد صادرات السلطنة من النفط والغاز.